نصـر المجالي من لندن: على عكس سلفه وزير الداخلية السابق قفطان بن شلاش المجالي الذي عين حديثا سفيرا للأردن لدى المملكة العربية السعودية، ومن قبله وزراء داخلية آخرين كانوا مهتمين بشؤون الأمن أولاً وأخيرا، فإن وزير الداخلية الأردني الجديد المهندس الزراعي الذي ترك تخصصه متعلقا بأيدولوجيات القومية ومكاشفة الناس.
وحال سمير الحباشنة، حال الوزير والزميل الصحافي السابق الراحل سليمان عرار حين كان وزيرا للداخلية في أوائل الثمانينات في الوقت الذي كان يرئس فيه تحرير جريدة (الرأي) وهي الأولى في الأردن توزيعا وانتشارا وتأثيرا.
والوزير الحباشنة، كما تعرف "إيلاف" تلميذ نجيب لصحيفة (الرأي) شبه الرسمية وهو خطا أول خطواته في الكتابة من بعد تخرجه جامعيا كمهندس زراعي في هذه الصحيفة التي تنادي أصوات حاليا بتحويلها بالكامل للقطاع الخاص، ومقابل ذلك تواجه هذه الدعوات حملة شرسة للحفاظ على هذا الذخر والإنجاز المهني وهو صحيفة "الرأي" على أنها مثل تجربة "الأهرام" القاهرية التي فعلا تعادل تاريخيا حال الأهرام الثلاثة المعروفة في هذا البلد العربي (الفرعوني).
ومنذ تسلمه منصب وزارة الداخلية وهي حقيبة كما يعرف عربيا وعالميا أنها تهتم في شؤون الأمن أولا وأخيرا، فإن سمير الحباشنة الكاتب والصحافي نحا بمهمات الوزارة إلى أقصى الجهة المعاكسة تماما.
وحاله حال الراحل الزميل سليمان عرار وكذلك حال وزير التنمية السياسية الحالي محمد داودية (السفير السابق لدى المغرب ومدير تحرير صحيفة صوت الشعب الراحلة)، فإن سمير الحباشنة اختط لنفسه بعيدا عن الحال الرسمي واقعا جديدا للاتصال بالناس معلنا عن أرقام هواتفه في المكتب الرسمي وكذلك في شقته التي اشتراها قبل عامين في منطقة شعبية على واحدة من تلال عمان السبعة.
تلك الشقة ذات الغرف الثلاث كان الكاتب يلتقي فيها مع الكتاب والصحافيين، وهي ذاتها الآن يستخدمها الوزير "الأعزب" لمواصلة اتصالاته مع الناس مباشرة أو عبر هاتفه المنزلي الأرضي أو هاتفه الجوال.
وما يقوم به الوزير الحباشنة الآتي من بلدة راكين بمحافظة الكرك (قلعة الحكم الهاشمي الحصينة) في الجنوب الأردني قد يبدو مستغربا إلى حد التندر في الجلسات الشعبية ومضارب البدو الأردنيين حيث لم يتعودوا مثل ذلك من قبل، إذ وزير الداخلية في العادة حازما صارما لا يتخذ قراراته إلا عبر "الشاويش، أونقباء الشرطة وعرفائها" المنتشرين في كل مكان وفي أي حي بمناسبة أو من دونها.
الحباشنة، ترك كل المهمات الأمنية لأهلها من دون أن يصرح في ذلك علانية، فجهاز المخابرات الأردني الذي يقوده الفريق أول سعد خير (الباشا) الصديق الوفي لعاهل الأردن الهاشمي عبد الله الثاني ورفيق دربه جوا وبحرا وبرا في كل تحركاته كـ "ظله" تماما، وهو اجتبى طريق الاتصال بالناس، وهي سياسة على ما يبدو تحقق هدفا أمنيا بعيدا عن الاعتقال والسجن والتعذيب والمساءلة.
وما تعرفه "إيلاف" هو أنه في عهد حكومة المهندس علي أبو الراغب الراحلة قبل شهر، التي عين فيها سمير الحباشنة في منصب وزير الداخلية، واستمر في حمل الحقيبة في حكومة فيصل بن عاكف الفايز، كان الحباشنة ومعه الوزير السابق وعضو مجلس الأعيان الحالي توفيق كريشان وضعا خطة الحوار السياسي مع الكتل السياسية والأحزاب الكثيرة التي انتشرت كالفطر في الشارع الأردني منذ إعادة الحياة الديموقراطية في العام 1989 على يد الملك الراحل الحسين بن طلال.
ويبدو أن الوزير والصحافي والكاتب والمهندس الزراعي الذي ترك تخصصه سمير بن فهيم الحباشنة التقط رسالة العاهل الأردني الشاب عبد الله الثاني وعجم عودها في شكل قد يبدو أن سلفه الوزير السابق والسفير الحالي عند الرياض قفطان بن شلاش المجالي لم يستطع التقاطه رغم أن ظروفه كانت متاحة لذلك.
لكن المجالي تورط على ما يبدو في الانتخابات التشريعية الأخيرة ومعه حكومة علي أبو الراغب المطرودة كلها ولا أحد يعرف أسباب طردها من الحكم رغم أنها كانت عنيدة في قراراتها وواضحة في استصدار قرارتها حيث هي كانت الثانية في عهد الملك عبد الله الثاني.
وإذا كان الملك الهاشمي الراحل الحسين بن طلال يوصف في كونه "عداء المسافات الطويلة والقصيرة أيضا، ويعرف رجال المراحل ويدخرهم إلى حين العازة"، فإن النجل الملك عبد الله تجاوز تلم المراحل ليكون "عداء الماراثونات السياسية كلها"، فهو حقق تحالفات كثيرة وصداقات في مرحلة عصيبة عصفت بالعرب جميعا، ولا زالوا يعانون من نتائجها حين احتل العراق وسقط واحد من ابشع الديكتاتورين ورجال حكم الرجل الواحد في بغداد، والمسلسل لا زال مستمرا، لكن عبد الله الثاني حافظ على نفسه وحكم عائلته.
وفي الأخير، فإنه في حال مكاشفة مع الناس وهي مطلوبة أينما كان في العالم العربي من الماء إلى الماء، فإن مهمة سمير الحباشنة الصحافي والإعلامي قد تحقق أمنا كثيرا، لا تحققه عصي وهراوات الشرطة، فالانفتاح شرط أساس لنجاح أي حكم، وهو نجاح لا تحققه أجهزة التحقيق ولا أجهزة المخابرات والاستخبارات، على أن جهاز المخابرات الأردني تحت قيادته الجديدة منذ سنوات ثلاث قرر أن يكون جهاز مخابرات الدولة لا "جهاز دولة المخابرات".
ومن هنا عرف وزير الداخلية الأردني الجديد الذي اعتقله ذلك الجهاز قبل عقدين وطارده، اللعبة وصار مهندسها السياسي تاركا تخصصه في الهندسة الزراعية لغيره في أجهزة وزارة الزراعة الأردنية التي لا تزال تعاني كثيرا من أسلحة دمار شامل في الأرض والبيئة وتثقيف الإنسان، الذي هو ظل كما تقول الشعارات الأردنية عبر حقب سنين "ثروتنا الأولى، وأغلى ما نملك".