د. محمد الدروبي
&
&
&
&
وقع الرئيس الأمريكي على قانون "محاسبة سوريا وسيادة لبنان" بعد ثلاث سنوات من معارضته المترددة له. وبالطبع، لا تُخفي الولايات المتحدة كل "المبررات" التي دفعتها إلى استصداره في هذا الوقت، والحكومة السورية ليست بغافلة عن دوافعه الجوهرية، لكن كلاهما يتجنب قول الحقيقة كاملة ويوظف مبررات هذا القانون في شعارات لتعزيز الموقف وإظهار حسن النوايا. كلاهما تنقصه المصداقية إلى حد بعيد. فالإدارة الأمريكية تريد بهذا القانون، وحسب المعلن دائماً، أن تعاقب سوريا على افتراض أنها دولة تأوي "إرهابيين، وتطور أسلحة كيماوية وبيولوجية، وتحتل لبنان"، وهو مبرر ساذج في الحقيقة. فهو يقوم على فهم الأشياء وفق مقتضيات المصلحة الأمريكية الأنانية والمجحفة لا وفق معطيات نزيهة وفهم موضوعي وعادل. والولايات المتحدة تريد بهذا القانون، حسب غير المعلن بوضوح، تعزيز الضغط على سوريا لدفعها نحو الإصلاح السياسي والسير السريع على طريق دقرطة المجتمع والاقتصاد والسياسة. وهو مبرر أكثر سذاجة من سابقه. فمتى كانت الولايات المتحدة حريصة على حرية الشعوب، الشعوب العربية بشكل خاص؟ أم أنها لم تر بعد ثمانية ملايين فلسطيني يخضعون للاحتلال منذ نصف قرن؟ وكيف ستقنع الشعوب العربية بأنها بلد يتطلع إلى وضع نصب للحرية في بوابة الشرق الأوسط، هي التي لا زالت لم تدرك أن ثمانية ملايين فلسطيني لا تتمتع بأبجدية الحرية، ولا زالت تنكر عليها حق الدفاع عن الحرية وعن الكرامة وعن الحق في الحياة؟ لا شك في أن الولايات المتحدة لم تقدم منذ أكثر من أربعة عقود موقفاُ واحداً يصفق له العرب. بل، كلما صفق العرب لطارئ ضربتهم على رؤوسهم بفيتو. فمصداقية الولايات المتحدة موضع شك وقد لا يصلح من أمرها شعار هنا أو خطاب هناك أو وعد مشروط بألف شرط. و"قانون محاسبة سوريا و سيادة لبنان" لا يخرج عن هذا النمط من الممارسات السياسية في المنطقة. ولو شاءت الإدارة الأمريكية أن تقول قولاً نصفه حق وحسب، لقالت أن دولاً كثيرة (غير سوريا وقبل سوريا وفق الاعتبارات الأمريكية وحسب) تأوي بحكم اليقين إرهابيين كشارون، وتمتلك أسلحة غير تقليدية كإسرائيل، وتحتل دولة فلسطين والجولان، ولا بد من استصدار قانون لتحرير فلسطين ومحاكمة شارون كمجرم حرب. كلا، مادام الرئيس الأمريكي يصبح رئيساً بفضل صوت شارون، فأن الكونغرس سيتابع استصدار الموافقة تلو الموافقة على تقديم الدعم الأمريكي والذي يصل إلى عشرة مليارات دولار سنوياً، لقوات الاحتلال وليذهب نصب الحرية على بوابة الولايات المتحدة إلى الجحيم. إن وجود القوات السورية في لبنان هو قائم على أساس اتفاق بين دولتين مستقلتين وذات سيادة، وإذا كان يمكن تفسير هذا بالاحتلال فأنه سيصبح من الصعب القول كم هو عدد البلدان العربية غير المحتلة أمريكياً.
أما الحكومة السورية، فأنها تتملق وتنافق وتتاجر هي الأخرى بفهمها وتوضيحها لمبررات هذا القرار. فلقد ورد على لسان أكثر من مسؤول القول بأن قانون محاسبة سورية هو نتيجة لمواقف سوريا الوطنية والقومية، فكأن الدول التي لم يصدر قانون لمحاسبتها أمريكياً هي دول متخلية عن الواجب الوطني أو القومي. على أنه في الحقيقة، تبدو الحكومة السورية من بين الحكومات الأقل عناية بمصالحها الوطنية وبكرامة المواطن السوري. هذا ليس بجديد، بل ممارسة تمتد إلى الخلف ما يقرب من ثلاثة عقود. فمنذ أكثر من ثلاثين سنة وهي تقتطع 60 بالمائة من الميزانية العامة لبناء جيش، ولم تفلح بعد هذا الزمن وهذا التفقير للشعب من أن تبني جيشاً له فاعلية حزب الله أو انتفاضة الحجارة، ولم تستطع أن تطور أسلحة رادعة، وهذا حق لا يحتاج إذناً أمريكياً. بل لم تحقق الحد الأدنى من القدرة على الردع العسكري الذي قد يمنع الطائرات الإسرائيلية من التحليق فوق القصر الجمهوري والرئيس في داخله. إن العناية بالمصلحة الوطنية تعني العناية بالمواطن وبكرامته قبل كل شيء وأكثر من أي شيء، الأمر الذي لا تستطيع الحكومة السورية أن تسجله لنفسها بأي حال من الأحوال. فهيبة الرئيس أهم من كرامة شعب! فالسوريون المشردون في بلدان العالم وفي مكاتب الإعانة الاجتماعية الأوروبية كثيرون، والمسجونون أيضاً كثيرون، والخائفون في بيوتهم من قوانين الطوارئ والأمزجة الطارئة كثيرون، وهم في غالبيتهم من المثقفين والمتعلمين الذين رفضوا الصمت عن حقهم في الحياة وفي القول. أصبحوا مواطنين غير صالحين بحكمة الديكتاتور! هذا بالرغم من أن المواطن الصالح ليس هو المتسلح بالرياء الحزبي أو بالصمت من أجل مصلحته الضيقة الجشعة، بل هو المواطن الذي يطالب بحقوقه كاملة وبأعلى صوته، لأنه يُطالب بالعدل، وبمطالبته تلك يساهم في بلورة منظومة حقوقية عامة مصانة ومقدسة تضمن وحدة المجتمع وتمتن مؤسساته. لكن الأنظمة الديكتاتورية القائمة على تطويع القانون وفق أهوائها ومصالحها لا تدع هؤلاء أحياء أو آمنين، بدل أن تشجعهم. العناية بالمصلحة الوطنية تعني محاربة الفساد والذي يستشري في سوريا كمرض عضال ويستنزف اقتصاد البلد ويُفلس المؤسسات الإنتاجية واحدة بعد الأخرى، والذي ما كان له أن ينمو إلى هذا الحد المُعيب، والذي دفع سوريا إلى قمة البلدان الأكثر فساداً في العالم، لولا أن للديكتاتورية عيوبها. العناية بالمصلحة الوطنية يعني الحرص على ثروات البلد إلى أبعد الحدود من خلال تجنيد الخبرات الحقيقية والآليات الرقابية الصارمة والتعامل معها بمنتهى المسؤولية والشفافية لا السطو عليها من قبل الأقرباء وأبناء العشيرة وتبذيرها في بناء إمبراطوريات مالية شخصية وتأليه فرد وبناء التماثيل. العناية بالمصلحة الوطنية تعني العناية بمؤسسات المجتمع المدني واحترامها وإعطاءها الدور المنوط بها لضبط حركة الحياة والتطور في المجتمع لا تجميع عدد ممن امتهنوا الرياء السياسي للبصم على قرارات منزلة. أما المصلحة القومية-العربية فهي شيء آخر، لا يجسدها حزب البعث بحال، لا لأن ثمة خلل في المنطلقات النظرية لهذا الحزب، وهذا احتمال وارد على الأرجح، وإنما قبل هذا وأكثر من هذا لأن غالبية البعثيين هم من الناس الذين لا يقيدهم الصدق في الموقف والذين انتسبوا إليه نفاقاً ورياءً وتطلعاً إلى مصالحهم الأنانية الضيقة، أو أن اللوائح المدرسية ضمتهم إلى حزب البعث وهم لا زالوا صغاراً، وهم غافلون، وذلك على غرار ما حصل في البلدان الشيوعية السابقة والتي ما أن انهارت حتى لم يعد الحزب الشيوعي يجد من يهتم به.
لا شك في أن القانون الأمريكي الرامي إلى معاقبة سورية هو عامل ضغط على سوريا في إطار الصراع الفلسطيني مع إسرائيل من ناحية أولى، وعامل ضغط في إطار المشروع الأمريكي المعلن وغير المعلن في الوطن العربي من ناحية ثانية. إنه قرار متحيز، وإنه قرار مؤسف بشكل خاص لأنه لن يُساعد على دفع العملية الديمقراطية في سورية. فلقد بينت التجربة المتكررة إن الأنظمة الديكتاتورية، والنظام السوري بشكل فاضح، تُجيد استخدام أوراق الضغط الخارجي لكم الأفواه في الداخل ولاستباحة القمع والقسوة والتجاوزات، ولتبرير التقصير الداخلي والفقر والقهر. بل أن سوء هذا القرار بدأ يطال بعض الشخصيات السورية المعارضة والتي باتت تشعر بالحرج عندما تتكلم عن ضرورة الديمقراطية والإصلاح والبلد في مواجهة مع أمريكا فكأن مواجهة أمريكا يمكن أن تكون بغير تفعيل المشاركة الشعبية من خلال الآليات والمؤسسات الديمقراطية! فالديكتاتوريات العربية لم تصنع في يوم من الأيام انتصاراً يُذكر إلا إذا اعتبرنا قهر المواطن انتصاراً، لكن الشعب الفلسطيني على شفا أن يصنع أعظم انتصارات القرن؛ انتصار الحجارة على الدبابة. فعلى المعارضة السورية الديمقراطية ألا تشعر بالحرج أمام هذا القانون الأمريكي فتتوقف أو تتردد أو تتقهقر في مطالبها العادلة والسامية بالانفتاح السياسي والديمقراطي في سوريا. ذلك أن الديمقراطية، بالإضافة إلى كونها سلاح فاعل في المواجهات الخارجية، هي مطلب شعبي وحضاري لا علاقة له بمشاريع أمريكا في المنطقة، ويجب ألا تتأثر المطالبة به مهما ازدادت الضغوط على سورية. بل تبدو الديمقراطية والحرية كضمان لكرامة المواطن وفاعليته والتزامه، لكرامة الوطن وقوته ووحدته ومنعته، هي اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
أما الحكومة السورية، فأنها تتملق وتنافق وتتاجر هي الأخرى بفهمها وتوضيحها لمبررات هذا القرار. فلقد ورد على لسان أكثر من مسؤول القول بأن قانون محاسبة سورية هو نتيجة لمواقف سوريا الوطنية والقومية، فكأن الدول التي لم يصدر قانون لمحاسبتها أمريكياً هي دول متخلية عن الواجب الوطني أو القومي. على أنه في الحقيقة، تبدو الحكومة السورية من بين الحكومات الأقل عناية بمصالحها الوطنية وبكرامة المواطن السوري. هذا ليس بجديد، بل ممارسة تمتد إلى الخلف ما يقرب من ثلاثة عقود. فمنذ أكثر من ثلاثين سنة وهي تقتطع 60 بالمائة من الميزانية العامة لبناء جيش، ولم تفلح بعد هذا الزمن وهذا التفقير للشعب من أن تبني جيشاً له فاعلية حزب الله أو انتفاضة الحجارة، ولم تستطع أن تطور أسلحة رادعة، وهذا حق لا يحتاج إذناً أمريكياً. بل لم تحقق الحد الأدنى من القدرة على الردع العسكري الذي قد يمنع الطائرات الإسرائيلية من التحليق فوق القصر الجمهوري والرئيس في داخله. إن العناية بالمصلحة الوطنية تعني العناية بالمواطن وبكرامته قبل كل شيء وأكثر من أي شيء، الأمر الذي لا تستطيع الحكومة السورية أن تسجله لنفسها بأي حال من الأحوال. فهيبة الرئيس أهم من كرامة شعب! فالسوريون المشردون في بلدان العالم وفي مكاتب الإعانة الاجتماعية الأوروبية كثيرون، والمسجونون أيضاً كثيرون، والخائفون في بيوتهم من قوانين الطوارئ والأمزجة الطارئة كثيرون، وهم في غالبيتهم من المثقفين والمتعلمين الذين رفضوا الصمت عن حقهم في الحياة وفي القول. أصبحوا مواطنين غير صالحين بحكمة الديكتاتور! هذا بالرغم من أن المواطن الصالح ليس هو المتسلح بالرياء الحزبي أو بالصمت من أجل مصلحته الضيقة الجشعة، بل هو المواطن الذي يطالب بحقوقه كاملة وبأعلى صوته، لأنه يُطالب بالعدل، وبمطالبته تلك يساهم في بلورة منظومة حقوقية عامة مصانة ومقدسة تضمن وحدة المجتمع وتمتن مؤسساته. لكن الأنظمة الديكتاتورية القائمة على تطويع القانون وفق أهوائها ومصالحها لا تدع هؤلاء أحياء أو آمنين، بدل أن تشجعهم. العناية بالمصلحة الوطنية تعني محاربة الفساد والذي يستشري في سوريا كمرض عضال ويستنزف اقتصاد البلد ويُفلس المؤسسات الإنتاجية واحدة بعد الأخرى، والذي ما كان له أن ينمو إلى هذا الحد المُعيب، والذي دفع سوريا إلى قمة البلدان الأكثر فساداً في العالم، لولا أن للديكتاتورية عيوبها. العناية بالمصلحة الوطنية يعني الحرص على ثروات البلد إلى أبعد الحدود من خلال تجنيد الخبرات الحقيقية والآليات الرقابية الصارمة والتعامل معها بمنتهى المسؤولية والشفافية لا السطو عليها من قبل الأقرباء وأبناء العشيرة وتبذيرها في بناء إمبراطوريات مالية شخصية وتأليه فرد وبناء التماثيل. العناية بالمصلحة الوطنية تعني العناية بمؤسسات المجتمع المدني واحترامها وإعطاءها الدور المنوط بها لضبط حركة الحياة والتطور في المجتمع لا تجميع عدد ممن امتهنوا الرياء السياسي للبصم على قرارات منزلة. أما المصلحة القومية-العربية فهي شيء آخر، لا يجسدها حزب البعث بحال، لا لأن ثمة خلل في المنطلقات النظرية لهذا الحزب، وهذا احتمال وارد على الأرجح، وإنما قبل هذا وأكثر من هذا لأن غالبية البعثيين هم من الناس الذين لا يقيدهم الصدق في الموقف والذين انتسبوا إليه نفاقاً ورياءً وتطلعاً إلى مصالحهم الأنانية الضيقة، أو أن اللوائح المدرسية ضمتهم إلى حزب البعث وهم لا زالوا صغاراً، وهم غافلون، وذلك على غرار ما حصل في البلدان الشيوعية السابقة والتي ما أن انهارت حتى لم يعد الحزب الشيوعي يجد من يهتم به.
لا شك في أن القانون الأمريكي الرامي إلى معاقبة سورية هو عامل ضغط على سوريا في إطار الصراع الفلسطيني مع إسرائيل من ناحية أولى، وعامل ضغط في إطار المشروع الأمريكي المعلن وغير المعلن في الوطن العربي من ناحية ثانية. إنه قرار متحيز، وإنه قرار مؤسف بشكل خاص لأنه لن يُساعد على دفع العملية الديمقراطية في سورية. فلقد بينت التجربة المتكررة إن الأنظمة الديكتاتورية، والنظام السوري بشكل فاضح، تُجيد استخدام أوراق الضغط الخارجي لكم الأفواه في الداخل ولاستباحة القمع والقسوة والتجاوزات، ولتبرير التقصير الداخلي والفقر والقهر. بل أن سوء هذا القرار بدأ يطال بعض الشخصيات السورية المعارضة والتي باتت تشعر بالحرج عندما تتكلم عن ضرورة الديمقراطية والإصلاح والبلد في مواجهة مع أمريكا فكأن مواجهة أمريكا يمكن أن تكون بغير تفعيل المشاركة الشعبية من خلال الآليات والمؤسسات الديمقراطية! فالديكتاتوريات العربية لم تصنع في يوم من الأيام انتصاراً يُذكر إلا إذا اعتبرنا قهر المواطن انتصاراً، لكن الشعب الفلسطيني على شفا أن يصنع أعظم انتصارات القرن؛ انتصار الحجارة على الدبابة. فعلى المعارضة السورية الديمقراطية ألا تشعر بالحرج أمام هذا القانون الأمريكي فتتوقف أو تتردد أو تتقهقر في مطالبها العادلة والسامية بالانفتاح السياسي والديمقراطي في سوريا. ذلك أن الديمقراطية، بالإضافة إلى كونها سلاح فاعل في المواجهات الخارجية، هي مطلب شعبي وحضاري لا علاقة له بمشاريع أمريكا في المنطقة، ويجب ألا تتأثر المطالبة به مهما ازدادت الضغوط على سورية. بل تبدو الديمقراطية والحرية كضمان لكرامة المواطن وفاعليته والتزامه، لكرامة الوطن وقوته ووحدته ومنعته، هي اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
التعليقات