أمين الامام
&
&
&
&
حاول صدّام حسين أن يكتب نفسه بنفسه، وذاته لذاته، مثلما حاول أن "ينقش" اسمه، و"ينفش" حجمه، إلاّ أنّ الكتابة لم تكن العمل اللائق، بالنسبة للجنرال الديكتاتور، فمن يحمل البندقيّة بـ"قلبه"، لا يمكن أن يمسك القلم بـ"عقله" (!).
الآن، اكتمل العمل الروائي، الذي تهيّأ العالم كلّه تقريباً، من أجل انتظار سطره الأخير، ليس لأهمِّية الرواية كـ"راوية"، وإنّما للترويج الأمريكي الناجح، النابع من أكاديميّة "الغرب" الإعلاميّة، حينما كتب الفصل الأخير، من تلك الرواية، بعد اعتقال الرئيس مساء السبت 13 ديسمبر 2003 (أوّل من أمس)، ومن ثمّ الانتظار لأكثر من 12 ساعة، من أجل الإعلان عن نبأ الاعتقال رسميّاً، ظهيرة الأحد (14/12)، ويجدر أن يخرج ذلك العمل الروائي، التي سيتصدّر روايات الألفيّة الجديدة، بهذا الاسم الواضح: "هدّام بغداد"، والله أعلم.
إلاّ أن القراءة "شبه الجماعيّة"، لرواية الألفيّة الثالثة، لم تلقَ ذلك الانتباه، الذي كان يجب أن تلقاه، حيث أنّ "القصّة القصيرة جدّاً" لمصرع ابني "الرئيس المخلوع"، لاقت تفاعلاً وانفعالاً شارعيّاً، أبرز ممّا لاقاه سقوط "الهدّام صدّام".
كتب الروائي والفيلسوف الفرنسي فيكتور هوجو، رواية التحوُّلات الشهيرة: "أحدب نوتردام"، وكتب التاريخ ومعه حفنة من سياسيين أمريكيين "إمبرياليين"، الرواية الراهنة التي تتصدّر الألفيّة الثالثة، بنفس نسق الانتماء للمكان/الهزيمة، وبنفس تمايز وإيقاع الاسم: "هدّام بغداد". فإذا كانت ذروة الحدث في الرواية الجديدة، هي من العالم الثالث، يأتي المشهد في نهاية الرواية ناسفاً لبذخيّة حياة القصور، حينما تمّ القبض على بطل الرواية، في قبو طيني تحت الأرض، دون بزّته الباريسيّة وسيجاره الهافاني، وإنّما بشعر أشعث أغبر، وبلحية شيباء، ووجه يكفي لكتابة أقوى "قفلة"، لأقوى رواية يتمنّى كتابتها، روائيّون نالوا جائزة "نوبل" للآداب من قبل، وآخرون يحلمون بنيلها، في السنوات الآتية (!).
يبتعد الحكماء عن تفسير أسماء البشر، وإن كانت تحمل دلالات الوصف والمعنى، ومع ذلك كان اسم الرئيس العراقي المخلوع متناسقاً، مع أوضاعه السياسيّة و"الجبروتيّة"، فهو صانع حقيقي لـ"الصدامات"، التي حدثت خلال سنوات حكمه. وبإبدال الحرف الأوّل بآخر، بغرض التحوير (النتيجة: "هدّام"!)، يفاجئنا وضعاً آخر أكثر خطورة، يشير إلى هول الهدم والتدمير. الأكثر إدهاشاً، أنّ الاستفادة البارزة من صفات الاسم، في الحالتين المذكورتين (الأصل والتحوير)، جاءت لصالح عدد من رؤساء الإدارات الأمريكيّة السابقة، ويأتي جورج دبليو بوش، في آخر تلك القائمة المحظوظة، من فرط حماقات رئيس عربي، لا يجيد الاستفادة من ذكائه كجنرال متمرِّس، وثروات بلده بوصفها من أغنى دول العالم، طبقاً لتقارير رسميّة، من مراكز اقتصاديّة اعتباريّة، مثل البنك الدولي.
ألا يكفي، أن توقيت إسقاط صدّام حسين، يأتي لمصلحة الرئيس الأمريكي الراهن، وصديقه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، خصوصاً وأنّ مؤشِّرات شعبيّتهما، وصلت إلى أدني وضع ممكن، خلال الأشهر الماضية (؟).
علمت من أحد أساتذة الاقتصاد البارزين، أنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، في الفترة من أواخر السبعينيّات وبداية التسعينيّات، من القرن الماضي (فترة حرب العراق وإيران، وغزو الكويت، ومن ثمّ تحريره)، تمكّنت من جذب مئات المليارات من الدولارات، إلى الخزينة الأمريكيّة "البراجماتيّة"، حيث تتراوح تفاصيل تلك الاستفادة، ما بين برامج التسليح والإعمار، و"تطويع" أسواق النفط والمعادن (إذا صحّ الافتراض)، وأشياء أخرى لا تخفى على نجباء الاقتصاد والمحاسبة (!).
أمّا الفوائد الاستراتيجيّة، جرّاء تلك الحقبة الحروبيّة "الخليجيّة"، فهناك شبه إجماع، من عدد من المراقبين العرب والأجانب، على سخاء مفرط، في الاستحقاقات التي جنتها القواعد الأمريكيّة، لوجستيّاً واستخباراتيّاً، وحتّى آيديولوجيّاً... ولا يزل ذلك السخاء في الفوائد الاستراتيجيّة مستمرّاً، بكلّ الحب والرعاية، من بعض حكّام المنطقة الأجلاّء (!).
إذن... لستم بصدد قراءة رواية "هدّام بغداد" فقط، وإنّما "هدّام العرب"، إلاّ أن السؤال "الأهمّ" الذي يفرض نفسه، هل كان صدّام حسين وحده "هادم اللذّات"، من بين "الأصنام" العرب (؟).
يمكنكم أن تعيدوا طرح هذا السؤال 22 مرّة، ومن ثمّ يمكنكم البحث عن "إجاباته" المتعدِّدة، التي تمتد حتماً من الماء إلى الماء (!).
مهما استبد القبح بكائنٍ ما، من مخلوقات الله، فإنّ ثمّة ملامح جماليّة طفيفة، تتراوح بين روحه وجسده. ومهما استبد الطغيان بشخصيّة حاكمٍ ما، من حكّام الأرض، فإنّ ثمّة محاسن صغيرة، يترجهما نذرٌ يسير من أعماله. لهذا وإن كان واضحاً صبغ اسم "الهدّام"، على شخصيّة الرئيس صدّام، من فرط الهدايا المجّانية، التي قدّمها للحكومات الإمبرياليّة الغربيّة، فهناك أمرٌ يُحسب له، وهو شأن اهتمامه بالعلم والعلماء، حتّى أن العراق أصبح من أبرز الدول الشرق أوسطيّة، في حقل صناعة العلماء، في مختلف المجالات... أينما تتزايد الثروات الطبيعيّة والبشريّة، في أي موقع من العالم العريض، تكثر المطامع "الإمبرياليّة"، ولكم أن تسألوا بوش وتشيني ورامسفيلد وآخرين (!).
المدهش أنّ سقوط "الهدّام صدّام"، لم يجد ذلك الاهتمام والانتباه، الذي يجب أن يحوزه. والمدهش أكثر أنّ عمليّات المقاومات في بغداد ومحيطها، استمرّت كأقوى ما يمكن، قبل وبعد الإعلان الرسمي لاعتقاله، من قبل الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، حيث سبقت الإعلان بنحو ساعتين تقريباً، عمليّة أسفرت عن مقتل 17 من أفراد الشرطة العراقيّة، قرب مركز في بلدة الخالديّة غرب الفلّوجة. كما قام انتحاري بتفجير سيّارة، قبالة فندق أغادير (بعض المحطّات الفضائيّة تقول فندق فلسطين!)، بعد إعلان خبر الاعتقال، بنحو 6 ساعات فقط.
شخصيّاً، أجزم أنّ بالعراق تعقيداتٌ مستمرّة، لا تتعلّق بإبقاء صدام أو إسقاطه، أو حتّى بوجود حاكم أمريكي أو إسرائيلي أو غيره، أو بتداول رئاسة "الشهر الواحد"، بين كلّ سحنات وثقافات ومعتقدات العراق، أو حتّى ببعث نبوخذ نصر من قبره... هذا والعهدة عند "رواية الألفيّة" (!).
الآن، اكتمل العمل الروائي، الذي تهيّأ العالم كلّه تقريباً، من أجل انتظار سطره الأخير، ليس لأهمِّية الرواية كـ"راوية"، وإنّما للترويج الأمريكي الناجح، النابع من أكاديميّة "الغرب" الإعلاميّة، حينما كتب الفصل الأخير، من تلك الرواية، بعد اعتقال الرئيس مساء السبت 13 ديسمبر 2003 (أوّل من أمس)، ومن ثمّ الانتظار لأكثر من 12 ساعة، من أجل الإعلان عن نبأ الاعتقال رسميّاً، ظهيرة الأحد (14/12)، ويجدر أن يخرج ذلك العمل الروائي، التي سيتصدّر روايات الألفيّة الجديدة، بهذا الاسم الواضح: "هدّام بغداد"، والله أعلم.
إلاّ أن القراءة "شبه الجماعيّة"، لرواية الألفيّة الثالثة، لم تلقَ ذلك الانتباه، الذي كان يجب أن تلقاه، حيث أنّ "القصّة القصيرة جدّاً" لمصرع ابني "الرئيس المخلوع"، لاقت تفاعلاً وانفعالاً شارعيّاً، أبرز ممّا لاقاه سقوط "الهدّام صدّام".
كتب الروائي والفيلسوف الفرنسي فيكتور هوجو، رواية التحوُّلات الشهيرة: "أحدب نوتردام"، وكتب التاريخ ومعه حفنة من سياسيين أمريكيين "إمبرياليين"، الرواية الراهنة التي تتصدّر الألفيّة الثالثة، بنفس نسق الانتماء للمكان/الهزيمة، وبنفس تمايز وإيقاع الاسم: "هدّام بغداد". فإذا كانت ذروة الحدث في الرواية الجديدة، هي من العالم الثالث، يأتي المشهد في نهاية الرواية ناسفاً لبذخيّة حياة القصور، حينما تمّ القبض على بطل الرواية، في قبو طيني تحت الأرض، دون بزّته الباريسيّة وسيجاره الهافاني، وإنّما بشعر أشعث أغبر، وبلحية شيباء، ووجه يكفي لكتابة أقوى "قفلة"، لأقوى رواية يتمنّى كتابتها، روائيّون نالوا جائزة "نوبل" للآداب من قبل، وآخرون يحلمون بنيلها، في السنوات الآتية (!).
يبتعد الحكماء عن تفسير أسماء البشر، وإن كانت تحمل دلالات الوصف والمعنى، ومع ذلك كان اسم الرئيس العراقي المخلوع متناسقاً، مع أوضاعه السياسيّة و"الجبروتيّة"، فهو صانع حقيقي لـ"الصدامات"، التي حدثت خلال سنوات حكمه. وبإبدال الحرف الأوّل بآخر، بغرض التحوير (النتيجة: "هدّام"!)، يفاجئنا وضعاً آخر أكثر خطورة، يشير إلى هول الهدم والتدمير. الأكثر إدهاشاً، أنّ الاستفادة البارزة من صفات الاسم، في الحالتين المذكورتين (الأصل والتحوير)، جاءت لصالح عدد من رؤساء الإدارات الأمريكيّة السابقة، ويأتي جورج دبليو بوش، في آخر تلك القائمة المحظوظة، من فرط حماقات رئيس عربي، لا يجيد الاستفادة من ذكائه كجنرال متمرِّس، وثروات بلده بوصفها من أغنى دول العالم، طبقاً لتقارير رسميّة، من مراكز اقتصاديّة اعتباريّة، مثل البنك الدولي.
ألا يكفي، أن توقيت إسقاط صدّام حسين، يأتي لمصلحة الرئيس الأمريكي الراهن، وصديقه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، خصوصاً وأنّ مؤشِّرات شعبيّتهما، وصلت إلى أدني وضع ممكن، خلال الأشهر الماضية (؟).
علمت من أحد أساتذة الاقتصاد البارزين، أنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، في الفترة من أواخر السبعينيّات وبداية التسعينيّات، من القرن الماضي (فترة حرب العراق وإيران، وغزو الكويت، ومن ثمّ تحريره)، تمكّنت من جذب مئات المليارات من الدولارات، إلى الخزينة الأمريكيّة "البراجماتيّة"، حيث تتراوح تفاصيل تلك الاستفادة، ما بين برامج التسليح والإعمار، و"تطويع" أسواق النفط والمعادن (إذا صحّ الافتراض)، وأشياء أخرى لا تخفى على نجباء الاقتصاد والمحاسبة (!).
أمّا الفوائد الاستراتيجيّة، جرّاء تلك الحقبة الحروبيّة "الخليجيّة"، فهناك شبه إجماع، من عدد من المراقبين العرب والأجانب، على سخاء مفرط، في الاستحقاقات التي جنتها القواعد الأمريكيّة، لوجستيّاً واستخباراتيّاً، وحتّى آيديولوجيّاً... ولا يزل ذلك السخاء في الفوائد الاستراتيجيّة مستمرّاً، بكلّ الحب والرعاية، من بعض حكّام المنطقة الأجلاّء (!).
إذن... لستم بصدد قراءة رواية "هدّام بغداد" فقط، وإنّما "هدّام العرب"، إلاّ أن السؤال "الأهمّ" الذي يفرض نفسه، هل كان صدّام حسين وحده "هادم اللذّات"، من بين "الأصنام" العرب (؟).
يمكنكم أن تعيدوا طرح هذا السؤال 22 مرّة، ومن ثمّ يمكنكم البحث عن "إجاباته" المتعدِّدة، التي تمتد حتماً من الماء إلى الماء (!).
مهما استبد القبح بكائنٍ ما، من مخلوقات الله، فإنّ ثمّة ملامح جماليّة طفيفة، تتراوح بين روحه وجسده. ومهما استبد الطغيان بشخصيّة حاكمٍ ما، من حكّام الأرض، فإنّ ثمّة محاسن صغيرة، يترجهما نذرٌ يسير من أعماله. لهذا وإن كان واضحاً صبغ اسم "الهدّام"، على شخصيّة الرئيس صدّام، من فرط الهدايا المجّانية، التي قدّمها للحكومات الإمبرياليّة الغربيّة، فهناك أمرٌ يُحسب له، وهو شأن اهتمامه بالعلم والعلماء، حتّى أن العراق أصبح من أبرز الدول الشرق أوسطيّة، في حقل صناعة العلماء، في مختلف المجالات... أينما تتزايد الثروات الطبيعيّة والبشريّة، في أي موقع من العالم العريض، تكثر المطامع "الإمبرياليّة"، ولكم أن تسألوا بوش وتشيني ورامسفيلد وآخرين (!).
المدهش أنّ سقوط "الهدّام صدّام"، لم يجد ذلك الاهتمام والانتباه، الذي يجب أن يحوزه. والمدهش أكثر أنّ عمليّات المقاومات في بغداد ومحيطها، استمرّت كأقوى ما يمكن، قبل وبعد الإعلان الرسمي لاعتقاله، من قبل الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، حيث سبقت الإعلان بنحو ساعتين تقريباً، عمليّة أسفرت عن مقتل 17 من أفراد الشرطة العراقيّة، قرب مركز في بلدة الخالديّة غرب الفلّوجة. كما قام انتحاري بتفجير سيّارة، قبالة فندق أغادير (بعض المحطّات الفضائيّة تقول فندق فلسطين!)، بعد إعلان خبر الاعتقال، بنحو 6 ساعات فقط.
شخصيّاً، أجزم أنّ بالعراق تعقيداتٌ مستمرّة، لا تتعلّق بإبقاء صدام أو إسقاطه، أو حتّى بوجود حاكم أمريكي أو إسرائيلي أو غيره، أو بتداول رئاسة "الشهر الواحد"، بين كلّ سحنات وثقافات ومعتقدات العراق، أو حتّى ببعث نبوخذ نصر من قبره... هذا والعهدة عند "رواية الألفيّة" (!).
التعليقات