رضا الاعرجي
&
&
&
&
سيجتهد محترفو الدجل وخبراء التضليل في البحث عن تعليلات للصور التي بدا فيها "بطل التحرير القومي" غارقا في الذل والعار والمهانة.
وستتكاتف جهود الشلة إياها من ضيوف فضائيات بعينها.. وصحف بعينها دأبت على تهييج ما يسمى بالشارع العربي و"تفجير" ما لدية من "طاقات" الجهل والغباء والبلادة والغوغائية، للبحث عن مخرج لمأزقها وتبرير خيبتها وفشل رهانها على الجواد الخاسر.
&والأمر لن يطول كثيرا .
&فقد استجمع أفراد هذه الشلة من "المحيط الهادر إلى الخليج الثائر" يوم أمس وراحوا، عبر تلك الصحف والفضائيات، يفسرون ما حدث في يوم الثالث عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ميلادية على أنه مؤامرة أمريكية جديدة القصد منها إهانة الأمة العربية وضرب شرفها في الصميم.
&قال أحدهم: إن الأمر كان حصيلة تعاون مخابراتي إيراني ـ إسرائيلي.
&وتنطع آخر فقال: العملية تمت غيلة، وربما كان وراءها قنابل تشل الحركة أو مواد مخدرة.
&وأدلى ثالث بدلوه وهو يسرح وراء مخيلته الخصبة قائلا: إن الصور ليست لـ "القائد الضرورة" بل لواحد من أشباهه الكثيرين.
&وملأ شاشة التلفزيون وجه كالح عابس مكفهر وبلحية لا تختلف من حيث رثاثتها عن لحية "حارس البوابة الشرقية" وهو يقول بما يشبه النواح: حقارة أمريكية..
&
حقارة أمريكية.
&وتلاه رئيس دائم وثابت لا يتزعزع لاتحاد "قطري" للأدباء داعيا العراقيين إلى المقاومة، وواصفا الاحتلال الأمريكي للعراق بـ "الاحتلال البغيض" لكنه نسي أن يذكر إن "مرتفعات" بلاده محتلة منذ عقود، وان النظام القومي الاشتراكي التقدمي الذي يلهج بمدحه ليل نهار لم يطلق طلقة واحدة صوب المحتل البغيض.
&وخرجت صحف لم يعرف عنها سوى اهتمامها بسباقات الهجن بعناوين خبيثة لئيمة: الكويت وإسرائيل والأكراد يبتهجون ..!!
&أما أبناء ما يسمى بالشارع العربي.. وهم في غالبيتهم أبناء شوارع فعلا وحقيقة، فقد تراوحت ردود أفعالهم حيال الصور المخزية التي ظلت تتناقلها تلفزيونات العالم من أقصاه إلى أقصاه بين "الحزن" و"الصدمة" بل إن كثيرين منهم لطم خديه وضرب رأسه أو انهار باكيا كالأرملة الثكلى.
وعجبي...
عجبي من أناس يضعون طاغيةً وضيعا ومن أصل وضيع في كفة وشعباً بعراقته وجذوره الضاربة في العمق في كفة أخرى!!
&انه الخواء والفقر المدقع. فقر نفسي وروحي وفكري وأخلاقي وإنساني.
&كيف تكون "الجيفة" عراقية والنادبون من جنسيات أخرى؟
&ولماذا يفرح أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها ويرقصون طربا بينما يولول الغرباء؟
&لماذا يرى العراقيون ما حدث في غرة يوم الثالث عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ميلادية عيداً.. بينما يراه أردنيون وفلسطينيون ومصريون ولبنانيون ومغاربة يوما أسود وهزيمة لا تقل وطأتها عن هزيمة حزيران 1967؟
&أعترف، وقد اعترف كثيرون من قبل، أنني فقدت الشعور بأخوتي المفترضة مع أبناء الشعوب العربية، وأجزم انه لم يعد هناك عراقيون كثر يشعرون بالانتماء إلى عربهم ولا أقول عروبتهم، فنحن اليوم أعداء متورطون جميعا في حروب غير مقدسة تفتقد أبسط معاني الشرف والفروسية. الجزائريون جزائريون عندما تثار قصة المليون شهيد، والمغاربة مغاربة كلما جرى الحديث عن الصحراء، والمصريون مصريون حد النخاع إذا ما خدش أحدهم "حياء" راقصة في شارع الهرم، والسوريون سوريون حين تنتقد الجمهوريات الوراثية على الرغم من بقائهم يسيطرون على تجارة الشعارات المعلبة بالجملة والمفرق. كما فقدت الثقة بـ "المثقفين العرب" مادام هؤلاء يجرون وراءهم عربة مثقلة بحمولتها من المواقف المسبقة والأيديولوجيات والشعارات الرنانة.
&ولكن اللهم لا شماتة
&لقد سقط طاغية.. وسقط فكر.. وسقطت حقبة طويلة مرعبة تسيدها العبيد.. واستأسدت فيها الأرانب.. واختلط الحابل بالنابل حتى أصبح المجرم العتيد بطلا.. والمناضل خائنا وعميلا!!
&لقد سقط طاغية وغد.. وسقط فكر متوحش.. وسقطت مرحلة قاتمة تجرع فيها العراقيون مر العذاب، إذ امتهنت كرامتهم وديست رؤوسهم وأفقروا وأذلوا تحت الجزمة الصدامية، فيما اغتنى "الأشقاء" وامتلأت جيوبهم بالمال والسحت الحرام باسم الشعارات التي طالما أصمت آذاننا، وما زالت تصمها اليوم تحت راية ما يسمى بـ "المقاومة العراقية" التي يريد منها المتباكون على العراق أن تكون الطبل الذي يغطي على نايات المقابر الجماعية، لأن هؤلاء "الأشقاء" لم يمتلكوا الجرأة على إدانة روح الانتقام لدى الطغمة الفاشية التي حكمت العراق طيلة 35 عاما، بل رأوا في حروبها وجرائمها من الإعدام الجماعي والتمثيل بالجثث وتعليقها في الميادين العامة ضرورة قومية لتحرير فلسطين من البحر إلى البحر.
&لقد سقط طاغية وغد حقير.. وسقط فكر متوحش شرس.. وسقطت مرحلة سوداء كان فيها الضباط الأجلاف والثوريون المزيفون والناطقون الكذبة باسم الأمة المنكودة يشرعون القسوة ويقننون الانتقام المخزون داخل قلوبهم الفظة.
&ولسنا بحاجة إلى تفسير كي ندرك أن من مارس بانتظام انتهاك حرمة الحياة الإنسانية المقدسة سيتعرض للمصير نفسه عاجلا أم آجلا، فثمة سر مكنون أسمه "عدالة السماء" يسخر دائما من أكذوبة الأمة التي يجب أن تغسل أرضها الدماء من أجل وحدتها، وما عداه ليس سوى تهريج رخيص يجيده المولعون بالأكاذيب والدجل وتحضير الأرواح.
التعليقات