"ايلاف"&لندن: دافع وزير الداخلية البريطاني ديفيد بلانكيت عن التعليمات الصادرة عن حكومته أمام مجلس العموم في شأن إبعاد عدد كبير من طالبي اللجوء عن الأراضي البريطانية وجلهم من العراقيين.
والتعليمات الجديدة التي تقضي بإبعاد من لم لهم أهلية في طلب اللجوء تشير على أن الحكومة البريطانية ستبعد هؤلاء قسرا، مع الاحتفاظ بأطفالهم القصر تحت رعاية بريطانية.
وقال وزير الداخلية البريطاني أن القوانين الجديدة في شأن طالبي اللجوء ستلجم "العنصرية المتزايدة على الساحة البريطانية ضد استقبال هؤلاء اللاجئين، خصوصا وأن بلدانهم التي فروا منها آمنة الآن في غالب المعايير".
وقرار إبعاد اللاجئين يخص جنسيات كثيرة، لكنه على ما يبدو هذه المرة يخص لاجئين عراقيين، حيث تتقد الحكومة البريطانية أن العراق أصبح آمنا الآن وأنه بمقدور طالبي اللجوء العودة إلى حياة آمنة وخصوصا في كردستان العراقية والإسهام في فعاليات إعادة إعمار بلدهم.
وجوبهت القوانين الجديدة في شأن تجريد عائلات طالبي اللجوء من أبنائهم الأطفال ووضعهم تحت الرعاية البريطانية كشرط لمغادرة هؤلاء الأراضي البريطانية موجة من الاستنكار على صعد جماعات حقوق الإنسان، حتى البرلمان نفسه، حيث وقع 30 عضوا من مجلس العموم مذكرة مناهضة للتعليمات الجديدة.
ومن جانبها أصدرت قالت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) ومقرها لندن بيانا في وقت سابق أعربت فيه عن شورها بالقلق بشأن الخطط التي تعدها دول مثل الدانمرك وألمانيا والمملكة المتحدة لإرغام اللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين على العودة على وطنهم، حيث تدهور الوضع الأمني هناك بشكل كبير خلال الشهور الأخيرة، وحيث تُعد ظروف العودة معاكسة.
وفي البيان، قالت أمنيستي إن "عودة العراقيين يجب أن تكون طوعية تماماً، فإرغام أشخاص مادياً على العودة، أو حرمانهم من حقوقهم بطريقة لا تدع لهم خياراً آخر سوى العودة، يُعد خرقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين، كما أنه يخالف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483".
يذكر أن قرار مجلس الأمن رقم 1483، الصادر& في مايو (أيار) الماضي، يؤكد على أن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية أساسية في ضمان أن تكون عودة النازحين آمنة ومنظمة وطوعية.
وما زالت منظمة العفو الدولية تشعر بالقلق العميق بشأن الوضع المتدهور في العراق. فما برح الوضع الأمني يمثل مصدراً كبيراً للقلق، مع انهيار القانون والنظام، وتزايد مخاطر التعرض للاضطهاد. كما قُتل كثير من المدنيين العراقيين على أيدي جماعات مسلحة، أو قوات التحالف أو عصابات إجرامية مسلحة في أنحاء مختلفة من البلاد، بما في ذلك المناطق الشمالية. وكان من الطبيعي أن تتضاعف حدة المشكلة بسبب رحيل الموظفين الدوليين من أغلب المنظمات غير الحكومية ومن الهيئات الدولية، وإغلاق عدد كبير من المشاريع التي كانت تمد العراقيين بمساعدات ومعونات منتظمة. ولا يزال هناك نقص في الخدمات الأساسية والمساكن، بينما تتزايد معدلات البطالة.
وكان وزير الداخلية البريطاني ديفيد بلانكيت، كشف النقاب في وقت سابق من الأسبوع الحالي عن خطط لترحيل عدد من طالبي اللجوء العراقيين، مشيرا إلى أن شمال العراق "آمن في معظمه بشكل عام". وفيما يبدو تناقضاً مع تصريحه هذا، قال بلانكيت أيضاً إن "الإدارة التي تقودها الولايات المتحدة مترددة للغاية في الوقت الحالي أن تعلن أن شمال العراق متاح "لعودة أي شخص، بخلاف العائدين طوعاً".
وتعليقاً على ذلك، قالت منظمة العفو الدولية إن "خطط بلانكيت وزملائه تمثل سابقةً بالغة الخطورة في النظام الدولي لحماية اللاجئين بوجه عام. فمن الواجب على بلدان غرب أوروبا أن تفي بالتزاماتها بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان لا أن تقدم مرةً أخرى على إلقاء ما تبقى من تركة انتهاكات حقوق الإنسان في العراق على كاهل الضحايا أنفسهم".
ودافع ديفيد بلانكيت عن قراراته بالقول أنه "عندما لا يصبح المرء عرضةً للتهديدات فإن ثمة واجباً أخلاقياً يحتم عليه العودة والمساعدة في إعادة بناء بلده"، وهو قول لا يأخذ في الاعتبار أن الهجمات على المدنيين لا تزال مستمرة، وأن الوضع السياسي في البلاد غير مستقر، وأن ثمة مخاوف من اندلاع العنف على نطاق واسع. وتقع على عاتق المملكة المتحدة وغيرها من الدول مسؤولية قانونية في حماية اللاجئين العراقيين الذين توجهوا إليها طلباً للحماية.
واستطردت منظمة العفو الدولية تقول "إنه أمر خطير في كل الأحوال أن تحاول الدول التنصل من تلك المسؤولية من خلال القول بأن اللاجئين وطالبي اللجوء ملزمين أخلاقياً بالعودة إلى البلد الذي فروا منه لكي يشاركوا في إعادة بنائه. بل ويصبح هذا القول غير مسؤول على الإطلاق بالنظر إلى الوضع المتفجر حالياً في العراق، فهو لا يأخذ في الحسبان الأسباب المحددة التي دفعت هؤلاء اللاجئين إلى الفرار من وطنهم، وليس من شأنه سوى بث الخوف في أوساط اللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين في نفس البلدان التي ظنوا أنهم سيجدون فيها الأمان".
كما أعلنت الحكومية الدانمركية في وقت سابق من هذا الأسبوع أنه ستُمنح مهلة 14 يوماً لنحو 300 من طالبي اللجوء العراقيين الذين رُفضت طلباتهم لكي يقرروا ما إذا كانوا سيغادرون البلاد طوعاً، وإذا لم يفعلوا فسوف يُحرمون من كل الإعانات التي يحصلون عليها باستثناء الطعام. وتبحث الحكومة الدانمركية أيضاً إمكان الإعادة قسراً لطالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم.
وأعلنت ألمانيا يوم الجمعة الماضي عن خطط لإعادة لاجئين من العراق، تبدأ مع مطلع العام القادم. وبينما تبدو خطط ألمانيا وكأنها تهدف إلى تشجيع اللاجئين العراقيين عل العودة طوعاً، فقد أشارت أيضاً إلى أنها تدرس إمكان إعادة اللاجئين العراقيين قسراً.
وبالإضافة إلى الدول التي تركز جهودها على التخلص من اللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين أو إبقائهم خارج حدودها، تدعو منظمة العفو الدولية جميع أعضاء المجتمع الدولي إلى التركيز على ضمان توفر مساعدات كافية وفعالة، من الناحية المادية والمالية، لإعادة الإعمار في العراق، وضمان توفر مستوى فعال من الأمن في جميع أرجاء البلاد، وضمان أن تتمكن المؤسسات المحلية في مجالات القضاء والشرطة والإصلاح الاجتماعي من ممارسة نشاطها على نحو يحترم حقوق الإنسان بشكل كامل. فتحقق هذه الشروط هو وحده الكفيل بأن يتيح إنهاء دوامة النزوح، ويدفع اللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين إلى البدء في العودة إلى أماكنهم الأصلية بطريقة طوعية ودائمة حقاً.
يذكر أنه في وقت سابق من الشهر الجاري، أهابت "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة بالدول التي تستضيف عراقيين من طالبي اللجوء أن "تواصل حتى إشعار آخر العمل بالحظر المفروض على الإعادة القسرية إلى العراق، بما في ذلك إعادة من رُفضت طلباتهم للجوء".
كما قالت المفوضية إن إجلاء جميع موظفي الأمم المتحدة الدوليين من بغداد قد قلص إلى حد كبير من قدرتها على رصد عمليات العودة والقيام بأنشطة لإعادة اندماج العائدين في المجتمع.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها من فرض العودة الإجبارية على اللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين. والجدير بالذكر أن منظمة العفو الدولية لا تعارض عودة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم، بشرط أن تكون قد أُتيحت لهم إجراءات عادلة ومرضية لطلب اللجوء.
لكن المنظمة ترى في الوقت نفسه أن أي عودة يجب أن تتم بشكل آمن وكريم في ظل احترام كامل لحقوق الإنسان.
وختاما، قال بيان أمنيستي أنها تشعر بالقلق من احتمال ظهور نمط يتمثل في إقدام الدول التي تستضيف لاجئين من دول تُعد مصدراً كبيراً للنازحين، مثل أفغانستان والعراق، على الضغط من أجل العودة المبكرة إلى تلك البلدان، "حيث أنه من الضروري تقييم أوضاع الأمن وحقوق الإنسان بشكل أكثر حرصاً في مثل هذه الظروف التي يؤدي فيها تغيير نظام الحكم بالعنف إلى تغير الأحوال في البلاد التي فروا منها".