صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن شركاء (حكومة وشعباً) في هذا الوطن، ومسئولون جميعاً عن الحفاظ على أمنه ووحدته، وعلى ازدهاره وقوته وعزته، إذن مدعوون جميعاً لتحمل مسئولياتنا ومراجعة خطواتنا سواء من كان في مركز القيادة أو هامشها، ومن كان في الصفوف الأمامية والخلفية سواء، كافة الأطياف والمناطق والمستويات.
إن الموقعين على هذا الخطاب من المثقفين والعلماء ورجال الأعمال وغيرهم من المهتمين بالشأن العام، يؤمنون بدورهم في قول كلمة الحق، بل واجبهم ومسئوليتهم، تجاه الميثاق الذي حملهم الله إياه في قوله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} من أجل ذلك يقدمون أنفسهم على أنهم دعاة للمجتمع الأهلي المدني ودعاة للإصلاح الدستوري معاً.
من أجل ذلك يعلنون ما يلي:-
أولاً: أنهم يدينون العنف بكافة أشكاله ومصادره، داخلياً وخارجياً، سواء أكان عنف دول وحكومات، أم عنف أفراد وجماعات. ويرون أن انتشار عنف الجماعات قضية مركبة تحتاج إلى تحليل عميق، يتجاوز رؤية ما ظهر فوق السطح، وما أستدعى لتبرير العنف من أفكار، لكي لا يغفلنا ذلك عن المسببات الجوهرية. ويرون أن مكونات العنف ليست ناتجة حصراً عن مناهج التعليم الديني، وإنما هي حتماً أحدى إفرازات غياب المشاركة الشعبية عن القرار الحكومي. ولن يجاروا وسائل الإعلام الصهيونية والأمريكية التي تريد أن تبرئ ساحتها من أن تعاملها في فلسطين والعالم العربي والإسلامي هو السبب الخارجي في شيوع العنف فتحاول تحميل الإسلام وقيمه ومناهج تعليمه، فاتورة الغلو والتطرف، ولن يسوقهم تباطؤ الدولة في اتخاذ خطوات أساسية لتجسيد المشاركة الشعبية المطلوبة، إلى الإحباط واليأس وتبرير مآسي العنف.
من أجل ذلك فأنهم إذ تأملوا الأحداث الجارية، وبحثوا بواعث العنف ووسائله، يودون أن يقدموا خلاصة رأيهم بياناً للسلطة والمجتمع معاً& (الدين النصيحة 000 لأئمة المسلمين وعامتهم) عسى أن يسهم ذلكrاستجابة لقول الرسول& في تدبير العلاج قبل فوات الأوان.
ثانياً: ويرون من خلال التحليل الاجتماعي والسياسي لماضي الوطن وحاضره أن المجتمع حُرِم من حقه الطبيعي في التعبير الحر المسئول عن آرائه، وهمشت حرياته التي هي رئته التي يتنفس بها، وحُرم من حقه الطبيعي في مشاركة السلطة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمصالحه ومصيره.
لقد كانت في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله أشكال بسيطة محدودة من المشاركة الشعبية أتاحت قدراً من الشورى في القرار الحكومي، وقدراً من التوازن بين السلطة والرأي العام. بيد أنه منذ خمسين عاماً تم التدرج في القضاء على هذه الأشكال البسيطة القديمة شيئاً فشيئاً حتى تلاشت، وفوق ذلك لم تسمح الدولة بنشوء أي تجمعات مجتمع أهلي مدني جديدة.
ثالثاً: إن إقصاء المجتمع عن المشاركة في اتخاذ القرار الحكومي أنتج سلبيات كثيرة عندما عطل مفهوم الشورى فأختل ميزان العدالة والمساواة، وأنتج الاختلال مفاسد شتى، وتفاوتاً في توزيع الثروة بين المناطق والأفراد، وكثرة البطالة، وعجزاً في الاقتصاد، وهدراً للمال العام، وسلبيات كثيرة في مجال التعليم والتربية الاجتماعية، والخدمات الصحية، وجر إلى النيل من الكرامة الوطنية، وقد أوصل البلاد إلى عنق الزجاجة، وعرض الوطن لمخاطر كبرى، وليس نمو العنف إلا أحد إفرازات الإقصاء.
رابعاً: إن مناخ الانفتاح للمشاركة الشعبية، ولا سيما حرية التفكير والتعبير المسئولة، هو التربة الطبيعية لنمو الاعتدال في الأفكار والأعمال، وهو المحضن الذي يسمح بانتشار خطاب ديني أصيل، عندما يعاد تأسيسه- في أفق مفتوح- على الكتاب والسنة، لأن الإسلام مشروع تقدم في الدنيا والآخرة معاً، ومشروع سمو روحي ومدني معاً، فيحقق الشورى والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والوطنية، والتواصي بالحق وكل مكارم الأخلاق، عند ذلك يتحقق في المجتمع رفض الغلو في التكفير والتبديع ونبذ العنف، وتترسخ فيه ثقافة التسامح والتعددية في إطار الهوية الوطنية الجامعة.
لن نستطيع عملياً أن نقول: لا للعنف إلا إذا قلنا: نعم للمشاركة الشعبية والتعبير الأهلي المدني السلمي، تعبيراً حراً مسئولاً وتجمعاً وإعتصاماً وتظاهرا.
خامساً: أن أي إصلاح من دون بناء دولة مؤسسات تضمن المشاركة الشعبية سريع الزوال، ولو تحقق جزء منه لما تحقق الكل، ولا يمكن أن يستقر ولا أن يستمر، كما نطقت تواريخ الدول والأمم، لأن المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار هي المناخ الطبيعي للقضاء الفعال على مظاهر الفساد الإداري وهدر المال العام، وهي مناخ توسيع القاعدة الإنتاجية، والتوزيع العادل للثروة على كافة الشرائح الاجتماعية والمناطق المختلفة، وطرح الحلول العملية لمشاكل الفقر والبطالة، والتعليم والصحة والإسكان، وتمكين المرأة من أداء دورها في الشأن العام ووظائفها الاجتماعية والاقتصادية التي قررتها الشريعة الغراء. فكل إصلاح من دون المشاركة الشعبية لا يضمن نجاحه ولو أمكن لما ضمن استقراره واستمراره، مهما خلصت النيات، وصدقت الهمم وتكاتفت الجهود وتكاثرت.
والمشاركة الشعبية، لا يمكن أن تتبلور ولا أن تُنَظم، إلا بالإصلاح الدستوري.
من أجل ذلك يوجه الموقعون نداء، إلى القيادة والشعب معاً، لأن المسئولية بين القيادة والمجتمع معاً:
أولاً: الشق الأول من النداء إلى القيادة:
أ - يطالبون القيادة السياسية بالشروع الفوري في انتهاج طريق الإصلاح الدستوري الذي هو طريق التنمية الصحيحة والقوة في جميع الدول والشعوب، الذي تنادت إليه في هذا الوطن، جهود إصلاحية كثيرة، جماعات وأفراداً من الأمراء والمثقفين والعلماء والكتاب والدعاة من المهتمين بالشأن العام منذ أكثر من خمسين عاماً ولا سيما منذ حرب الخليج الثانية.
وخطاب (رؤية [المثقفين المئة] لحاضر الوطن ومستقبله) الذي قدم إلى القيادة السياسية: ممثلة بسموكم الكريم وإخوانكم الكرام في شهر ذي القعدة 1423هـ (يناير 2003م)، إنما جاء امتدادا تراكمياً هرمياً، لما سبقه من مذكرات إصلاحية محاولاً تركيزها بالنقاط الخمس التي بلورت الإصلاح الذي يتطلبه السياق بأنه الإصلاح& الذي يشكل إطاراً لتجسيد المشاركةrالدستوري المؤسس على كتاب الله وسنة رسوله& الشعبية. إن المشاركة الشعبية لا تتجسد إلا في منظومة إصلاح دستوري شامل عناصره السياسية تتجسد في الهياكل الآتية:
1- إقرار الحقوق والحريات العامة للمواطنين ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية على اختلاف مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم، وطبقاتهم وانتماءاتهم، واتخاذ الإجراءات التي تضمن احترامها.
2- انتخاب مجلس لنواب الشعب فالنواب من أهل العلم والخبرة والرأي والإيثار الذين ينتخبهم الشعب هم الأمناء على مصالحه ومحط ثقته في الحل والعقد، ومحل إجماعه، وهم مرجعيته بعد كتاب ، وهم الذين تنطبق عليهم مواصفات (أولى الأمر) في كتاب الله، بماrالله وسنة رسوله& يضمن قيام مجلس النواب بالرقابة والمحاسبة على السياسة الداخلية والخارجية، وللحفاظ على المال العام، وتمكينه والمجالس المحلية من ممارسة المهام والصلاحيات المنوطة بهما دستورياً.
3- تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: تنفيذية ونيابية وقضائية.
4- السعي الحثيث لتعزيز استقلال القضاء عبر إجراءات وهياكل تضمن حياده ونزاهته، ولا سيما في القضايا التي تكون الدولة طرفاً فيها ، وتحديد القواعد القضائية وتوحيدها وإعلانها ، وسرعة البت في القضايا، والتنفيذ الفوري لأحكام المحاكم وإنشاء محكمة دستورية عليا تكون مرجعاً لمشروعية الأنظمة ولتفسيرها ولتلقي الطعون فيها.
5- السماح بقيام المجتمع المدني الأهلي، ثقافية واقتصادية ومهنية واجتماعية وسياسية، من نقابات وجمعيات وجماعات، والالتزام بعدم المساس بحق الناس في التجمع والاعتصام والتظاهر السلمي.
ب - يجددون المطالبة باتخاذ خطوات جدية في طريق الإصلاح الدستوري، ويبلورونها بالمطالب التالية:-
1- أن تعلن القيادة مبادرة تمثل التزاما بتطوير نظام الحكم إلى (ملكية دستورية)، تتضمن العناصر الأساسية في منظومة الإصلاح الدستوري الشامل (ذات العناصر الخمسة السابقة) وهي مبادرة وطنية ( طال على الشعب انتظارها).
2- تشكيل هيئة وطنية مستقلة لإعداد الدستور( المتضمن العناصر الخمسة السابقة) من الخبراء والفقهاء العارفين بالفقه الدستوري.
3- استفتاء الناس عليه خلال عام.
4- البدء في تطبيقه خلال فترة انتقالية لا تتجاوز ثلاثة أعوام.
ج- يثمنون لسموكم وإخوانكم المبادرة إلى الدعوى إلى الإصلاح الدستوري قبل أكثر من أربعين عاماً تلك المبادرة الرائدة الكريمة التي أدركت مبكراً أنه الأسلوب الصحيح لبناء دولة عربية إسلامية حديثة، ونعتقد أن الأمراء اليوم يجدون إن الإصلاح الدستوري ليس هو الأسلوب الصحيح لبناء دولة عربية إسلامية حديثة فحسب بل هو طوق النجاة الذي يضمن إنقاذ البلاد والعباد من مخاطر مشكلات أطلت أعناقها، وليس انفجار العنف، إلا كتلة الجليد الظاهرة من جبلها الثلجي العميق الغور تحت الماء، ويجدون أن الإصلاح الدستوري هو درع البلاد لمواجهة معضلات مستقبلية كبرى لمعت بروقها في أجواء عولمة طاغية تزيد القوي قوة والضعيف ضعفاً، وأطماع الصهيونية تزداد شراسة وعنفاً، وظلال هيمنة أمريكية متزايدة تسلب الشعوب والدول الضعيفة خصوصيتها واستقلالها.
ثانياً: الشق الثاني من النداء إلى الشعب بكافة أطيافه وشرائحه ولا سيما علماء الشريعة والفقهاء وطلاب العلم الشرعي بتأييد الدعوة إلى الإصلاح الدستوري:
أ - إن الإخلال بالشورى الشعبية أدى إلى مفاسد كبرى حاضرة على المجتمع والدولة، وسيؤدي إلى مخاطر عظمى متوقعة، وكل ما يضر بالأمة والدولة، فإنما هو مضر بالملة، وكل ما أخل بالملة، فإنما هو إخلال بأصل عظيم من أصول الدين التي صرح بها القرآن والسنة، وطبقها السلف الصالح من الرعيل الأول من هذه الأمة رضي الله عنهم.
والإصلاح الدستوري هو الذي يضمن تطبيق شريعة الحق والعدالة والحرية والمساواة والكرامة الوطنية، ويتيح قيام مؤسسات المجتمع الأهلي المدني بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كافة المصالح العامة للشعب في أموره الروحية والمدنية سواءاً، وليس الإصلاح الدستوري في الإسلام إذن من المصالح المرسلة، فضلاً عن أن يكون علمنة، بل هو من فروض الدين العظمى بل هو التطبيق الأمثل الأشمل الصحيح للحكم بالشريعة. فهو أساس كل إصلاح، وهو الضامن بعد الله لتوازن المجتمع والدولة، وقيام علاقة طبيعية بين القيادة السياسية والمجتمع، قائمة على التراضي، والتراضي هو أساس ومصدر مشروعية الدولة الذي يضمن لها الولاء، والولاء هو أساس التماسك والتآلف والتعاون بين القيادة السياسية والمجتمع. والتعاون هو أساس قوة المجتمع والدولة أمام الفتن والتحديات الداخلية والخارجية، فهو الذي يحمي ميزان العدالة الاجتماعية من الاهتزاز، وبذلك يحمي المجتمع والدولة من الأخطار، وهو الحامي بعد الله للبلاد والعباد من رياح الهيمنة الأجنبية.
ب - إن خير ضمان لنجاح الإصلاح الدستوري، أن يكون نتيجة تفاعل إيجابي بين القيادة السياسية، والفعاليات النخبوية والشعبية، من أجل ذلك نطالب ذوي التأثير الاجتماعي أن يثمنوا الإصلاح الدستوري وأهميته على حاضر البلاد والعباد، وكونه طوق نجاة من الأخطار، وأن يتحمل كل منهم تبعاته ومسئولياته الجسيمة من كافة الأطياف والمناطق والاتجاهات، سياسية وثقافية وإعلامية، واقتصادية واجتماعية، من مثقفين وكتاب وأدباء ورجال أعمال وتعليم، ولا سيما النخبة من أهل العلم الشرعي، من علماء وفقهاء ودعاة ومرشدين، ويطالبونهم بتهيئة التربة الاجتماعية للإصلاح الدستوري، بالدعوة إليه في كافة المنابر، في المجالس والمساجد والجوامع، والمنابر والنوادي والمجامع، لكي ينضج رأي عام متفاعل، يدعم القيادة السياسية ويحفزها ويعينها على الإصلاح الدستوري.
ويدعون كافة الفعاليات ولا سيما الاجتماعية والثقافية والإعلامية، إلى دعم هذه الوثيقة، بالمشاركة في توقيعها وجمع تواقيع المشاركين وإعلانها عبر كافة الوسائل المتاحة ليكون النداء عريضة شعبية تجسد رأياً عاماً واعياً فعالاً يحفز على الإصلاح الدستوري، ويدعم توجه القيادة الإصلاحي.
ونسأل الله أن يوفق القيادة السياسية ممثلة بكم وإخوانكم، وأن يوفق المجتمع السعودي بكافة فعالياته إلى التعاون على البر والتقوى، وأن يكف عن الوطن شر الفتن ما ظهر منها وما بطن { وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون}
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن شركاء (حكومة وشعباً) في هذا الوطن، ومسئولون جميعاً عن الحفاظ على أمنه ووحدته، وعلى ازدهاره وقوته وعزته، إذن مدعوون جميعاً لتحمل مسئولياتنا ومراجعة خطواتنا سواء من كان في مركز القيادة أو هامشها، ومن كان في الصفوف الأمامية والخلفية سواء، كافة الأطياف والمناطق والمستويات.
إن الموقعين على هذا الخطاب من المثقفين والعلماء ورجال الأعمال وغيرهم من المهتمين بالشأن العام، يؤمنون بدورهم في قول كلمة الحق، بل واجبهم ومسئوليتهم، تجاه الميثاق الذي حملهم الله إياه في قوله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} من أجل ذلك يقدمون أنفسهم على أنهم دعاة للمجتمع الأهلي المدني ودعاة للإصلاح الدستوري معاً.
من أجل ذلك يعلنون ما يلي:-
أولاً: أنهم يدينون العنف بكافة أشكاله ومصادره، داخلياً وخارجياً، سواء أكان عنف دول وحكومات، أم عنف أفراد وجماعات. ويرون أن انتشار عنف الجماعات قضية مركبة تحتاج إلى تحليل عميق، يتجاوز رؤية ما ظهر فوق السطح، وما أستدعى لتبرير العنف من أفكار، لكي لا يغفلنا ذلك عن المسببات الجوهرية. ويرون أن مكونات العنف ليست ناتجة حصراً عن مناهج التعليم الديني، وإنما هي حتماً أحدى إفرازات غياب المشاركة الشعبية عن القرار الحكومي. ولن يجاروا وسائل الإعلام الصهيونية والأمريكية التي تريد أن تبرئ ساحتها من أن تعاملها في فلسطين والعالم العربي والإسلامي هو السبب الخارجي في شيوع العنف فتحاول تحميل الإسلام وقيمه ومناهج تعليمه، فاتورة الغلو والتطرف، ولن يسوقهم تباطؤ الدولة في اتخاذ خطوات أساسية لتجسيد المشاركة الشعبية المطلوبة، إلى الإحباط واليأس وتبرير مآسي العنف.
من أجل ذلك فأنهم إذ تأملوا الأحداث الجارية، وبحثوا بواعث العنف ووسائله، يودون أن يقدموا خلاصة رأيهم بياناً للسلطة والمجتمع معاً& (الدين النصيحة 000 لأئمة المسلمين وعامتهم) عسى أن يسهم ذلكrاستجابة لقول الرسول& في تدبير العلاج قبل فوات الأوان.
ثانياً: ويرون من خلال التحليل الاجتماعي والسياسي لماضي الوطن وحاضره أن المجتمع حُرِم من حقه الطبيعي في التعبير الحر المسئول عن آرائه، وهمشت حرياته التي هي رئته التي يتنفس بها، وحُرم من حقه الطبيعي في مشاركة السلطة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمصالحه ومصيره.
لقد كانت في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله أشكال بسيطة محدودة من المشاركة الشعبية أتاحت قدراً من الشورى في القرار الحكومي، وقدراً من التوازن بين السلطة والرأي العام. بيد أنه منذ خمسين عاماً تم التدرج في القضاء على هذه الأشكال البسيطة القديمة شيئاً فشيئاً حتى تلاشت، وفوق ذلك لم تسمح الدولة بنشوء أي تجمعات مجتمع أهلي مدني جديدة.
ثالثاً: إن إقصاء المجتمع عن المشاركة في اتخاذ القرار الحكومي أنتج سلبيات كثيرة عندما عطل مفهوم الشورى فأختل ميزان العدالة والمساواة، وأنتج الاختلال مفاسد شتى، وتفاوتاً في توزيع الثروة بين المناطق والأفراد، وكثرة البطالة، وعجزاً في الاقتصاد، وهدراً للمال العام، وسلبيات كثيرة في مجال التعليم والتربية الاجتماعية، والخدمات الصحية، وجر إلى النيل من الكرامة الوطنية، وقد أوصل البلاد إلى عنق الزجاجة، وعرض الوطن لمخاطر كبرى، وليس نمو العنف إلا أحد إفرازات الإقصاء.
رابعاً: إن مناخ الانفتاح للمشاركة الشعبية، ولا سيما حرية التفكير والتعبير المسئولة، هو التربة الطبيعية لنمو الاعتدال في الأفكار والأعمال، وهو المحضن الذي يسمح بانتشار خطاب ديني أصيل، عندما يعاد تأسيسه- في أفق مفتوح- على الكتاب والسنة، لأن الإسلام مشروع تقدم في الدنيا والآخرة معاً، ومشروع سمو روحي ومدني معاً، فيحقق الشورى والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والوطنية، والتواصي بالحق وكل مكارم الأخلاق، عند ذلك يتحقق في المجتمع رفض الغلو في التكفير والتبديع ونبذ العنف، وتترسخ فيه ثقافة التسامح والتعددية في إطار الهوية الوطنية الجامعة.
لن نستطيع عملياً أن نقول: لا للعنف إلا إذا قلنا: نعم للمشاركة الشعبية والتعبير الأهلي المدني السلمي، تعبيراً حراً مسئولاً وتجمعاً وإعتصاماً وتظاهرا.
خامساً: أن أي إصلاح من دون بناء دولة مؤسسات تضمن المشاركة الشعبية سريع الزوال، ولو تحقق جزء منه لما تحقق الكل، ولا يمكن أن يستقر ولا أن يستمر، كما نطقت تواريخ الدول والأمم، لأن المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار هي المناخ الطبيعي للقضاء الفعال على مظاهر الفساد الإداري وهدر المال العام، وهي مناخ توسيع القاعدة الإنتاجية، والتوزيع العادل للثروة على كافة الشرائح الاجتماعية والمناطق المختلفة، وطرح الحلول العملية لمشاكل الفقر والبطالة، والتعليم والصحة والإسكان، وتمكين المرأة من أداء دورها في الشأن العام ووظائفها الاجتماعية والاقتصادية التي قررتها الشريعة الغراء. فكل إصلاح من دون المشاركة الشعبية لا يضمن نجاحه ولو أمكن لما ضمن استقراره واستمراره، مهما خلصت النيات، وصدقت الهمم وتكاتفت الجهود وتكاثرت.
والمشاركة الشعبية، لا يمكن أن تتبلور ولا أن تُنَظم، إلا بالإصلاح الدستوري.
من أجل ذلك يوجه الموقعون نداء، إلى القيادة والشعب معاً، لأن المسئولية بين القيادة والمجتمع معاً:
أولاً: الشق الأول من النداء إلى القيادة:
أ - يطالبون القيادة السياسية بالشروع الفوري في انتهاج طريق الإصلاح الدستوري الذي هو طريق التنمية الصحيحة والقوة في جميع الدول والشعوب، الذي تنادت إليه في هذا الوطن، جهود إصلاحية كثيرة، جماعات وأفراداً من الأمراء والمثقفين والعلماء والكتاب والدعاة من المهتمين بالشأن العام منذ أكثر من خمسين عاماً ولا سيما منذ حرب الخليج الثانية.
وخطاب (رؤية [المثقفين المئة] لحاضر الوطن ومستقبله) الذي قدم إلى القيادة السياسية: ممثلة بسموكم الكريم وإخوانكم الكرام في شهر ذي القعدة 1423هـ (يناير 2003م)، إنما جاء امتدادا تراكمياً هرمياً، لما سبقه من مذكرات إصلاحية محاولاً تركيزها بالنقاط الخمس التي بلورت الإصلاح الذي يتطلبه السياق بأنه الإصلاح& الذي يشكل إطاراً لتجسيد المشاركةrالدستوري المؤسس على كتاب الله وسنة رسوله& الشعبية. إن المشاركة الشعبية لا تتجسد إلا في منظومة إصلاح دستوري شامل عناصره السياسية تتجسد في الهياكل الآتية:
1- إقرار الحقوق والحريات العامة للمواطنين ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية على اختلاف مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم، وطبقاتهم وانتماءاتهم، واتخاذ الإجراءات التي تضمن احترامها.
2- انتخاب مجلس لنواب الشعب فالنواب من أهل العلم والخبرة والرأي والإيثار الذين ينتخبهم الشعب هم الأمناء على مصالحه ومحط ثقته في الحل والعقد، ومحل إجماعه، وهم مرجعيته بعد كتاب ، وهم الذين تنطبق عليهم مواصفات (أولى الأمر) في كتاب الله، بماrالله وسنة رسوله& يضمن قيام مجلس النواب بالرقابة والمحاسبة على السياسة الداخلية والخارجية، وللحفاظ على المال العام، وتمكينه والمجالس المحلية من ممارسة المهام والصلاحيات المنوطة بهما دستورياً.
3- تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: تنفيذية ونيابية وقضائية.
4- السعي الحثيث لتعزيز استقلال القضاء عبر إجراءات وهياكل تضمن حياده ونزاهته، ولا سيما في القضايا التي تكون الدولة طرفاً فيها ، وتحديد القواعد القضائية وتوحيدها وإعلانها ، وسرعة البت في القضايا، والتنفيذ الفوري لأحكام المحاكم وإنشاء محكمة دستورية عليا تكون مرجعاً لمشروعية الأنظمة ولتفسيرها ولتلقي الطعون فيها.
5- السماح بقيام المجتمع المدني الأهلي، ثقافية واقتصادية ومهنية واجتماعية وسياسية، من نقابات وجمعيات وجماعات، والالتزام بعدم المساس بحق الناس في التجمع والاعتصام والتظاهر السلمي.
ب - يجددون المطالبة باتخاذ خطوات جدية في طريق الإصلاح الدستوري، ويبلورونها بالمطالب التالية:-
1- أن تعلن القيادة مبادرة تمثل التزاما بتطوير نظام الحكم إلى (ملكية دستورية)، تتضمن العناصر الأساسية في منظومة الإصلاح الدستوري الشامل (ذات العناصر الخمسة السابقة) وهي مبادرة وطنية ( طال على الشعب انتظارها).
2- تشكيل هيئة وطنية مستقلة لإعداد الدستور( المتضمن العناصر الخمسة السابقة) من الخبراء والفقهاء العارفين بالفقه الدستوري.
3- استفتاء الناس عليه خلال عام.
4- البدء في تطبيقه خلال فترة انتقالية لا تتجاوز ثلاثة أعوام.
ج- يثمنون لسموكم وإخوانكم المبادرة إلى الدعوى إلى الإصلاح الدستوري قبل أكثر من أربعين عاماً تلك المبادرة الرائدة الكريمة التي أدركت مبكراً أنه الأسلوب الصحيح لبناء دولة عربية إسلامية حديثة، ونعتقد أن الأمراء اليوم يجدون إن الإصلاح الدستوري ليس هو الأسلوب الصحيح لبناء دولة عربية إسلامية حديثة فحسب بل هو طوق النجاة الذي يضمن إنقاذ البلاد والعباد من مخاطر مشكلات أطلت أعناقها، وليس انفجار العنف، إلا كتلة الجليد الظاهرة من جبلها الثلجي العميق الغور تحت الماء، ويجدون أن الإصلاح الدستوري هو درع البلاد لمواجهة معضلات مستقبلية كبرى لمعت بروقها في أجواء عولمة طاغية تزيد القوي قوة والضعيف ضعفاً، وأطماع الصهيونية تزداد شراسة وعنفاً، وظلال هيمنة أمريكية متزايدة تسلب الشعوب والدول الضعيفة خصوصيتها واستقلالها.
ثانياً: الشق الثاني من النداء إلى الشعب بكافة أطيافه وشرائحه ولا سيما علماء الشريعة والفقهاء وطلاب العلم الشرعي بتأييد الدعوة إلى الإصلاح الدستوري:
أ - إن الإخلال بالشورى الشعبية أدى إلى مفاسد كبرى حاضرة على المجتمع والدولة، وسيؤدي إلى مخاطر عظمى متوقعة، وكل ما يضر بالأمة والدولة، فإنما هو مضر بالملة، وكل ما أخل بالملة، فإنما هو إخلال بأصل عظيم من أصول الدين التي صرح بها القرآن والسنة، وطبقها السلف الصالح من الرعيل الأول من هذه الأمة رضي الله عنهم.
والإصلاح الدستوري هو الذي يضمن تطبيق شريعة الحق والعدالة والحرية والمساواة والكرامة الوطنية، ويتيح قيام مؤسسات المجتمع الأهلي المدني بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كافة المصالح العامة للشعب في أموره الروحية والمدنية سواءاً، وليس الإصلاح الدستوري في الإسلام إذن من المصالح المرسلة، فضلاً عن أن يكون علمنة، بل هو من فروض الدين العظمى بل هو التطبيق الأمثل الأشمل الصحيح للحكم بالشريعة. فهو أساس كل إصلاح، وهو الضامن بعد الله لتوازن المجتمع والدولة، وقيام علاقة طبيعية بين القيادة السياسية والمجتمع، قائمة على التراضي، والتراضي هو أساس ومصدر مشروعية الدولة الذي يضمن لها الولاء، والولاء هو أساس التماسك والتآلف والتعاون بين القيادة السياسية والمجتمع. والتعاون هو أساس قوة المجتمع والدولة أمام الفتن والتحديات الداخلية والخارجية، فهو الذي يحمي ميزان العدالة الاجتماعية من الاهتزاز، وبذلك يحمي المجتمع والدولة من الأخطار، وهو الحامي بعد الله للبلاد والعباد من رياح الهيمنة الأجنبية.
ب - إن خير ضمان لنجاح الإصلاح الدستوري، أن يكون نتيجة تفاعل إيجابي بين القيادة السياسية، والفعاليات النخبوية والشعبية، من أجل ذلك نطالب ذوي التأثير الاجتماعي أن يثمنوا الإصلاح الدستوري وأهميته على حاضر البلاد والعباد، وكونه طوق نجاة من الأخطار، وأن يتحمل كل منهم تبعاته ومسئولياته الجسيمة من كافة الأطياف والمناطق والاتجاهات، سياسية وثقافية وإعلامية، واقتصادية واجتماعية، من مثقفين وكتاب وأدباء ورجال أعمال وتعليم، ولا سيما النخبة من أهل العلم الشرعي، من علماء وفقهاء ودعاة ومرشدين، ويطالبونهم بتهيئة التربة الاجتماعية للإصلاح الدستوري، بالدعوة إليه في كافة المنابر، في المجالس والمساجد والجوامع، والمنابر والنوادي والمجامع، لكي ينضج رأي عام متفاعل، يدعم القيادة السياسية ويحفزها ويعينها على الإصلاح الدستوري.
ويدعون كافة الفعاليات ولا سيما الاجتماعية والثقافية والإعلامية، إلى دعم هذه الوثيقة، بالمشاركة في توقيعها وجمع تواقيع المشاركين وإعلانها عبر كافة الوسائل المتاحة ليكون النداء عريضة شعبية تجسد رأياً عاماً واعياً فعالاً يحفز على الإصلاح الدستوري، ويدعم توجه القيادة الإصلاحي.
ونسأل الله أن يوفق القيادة السياسية ممثلة بكم وإخوانكم، وأن يوفق المجتمع السعودي بكافة فعالياته إلى التعاون على البر والتقوى، وأن يكف عن الوطن شر الفتن ما ظهر منها وما بطن { وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون}
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات