بُرهان شاوي
&
&
&الفضائيات العربية طائفية، ومذهبية، يتجلى موقفها الطائفي والمذهبي في موقفها السياسي من الشيعة في العراق، والذين هم بالنسبة لها ليسوا بعراقيين، وانما ايرانيين، من حيث ان (التشيع) ارتبط عندها، وعند معظم العرب، بايران، وانها الدولة الاسلامية الوحيدة تقريبا،التي اتخذت من التشيع، وبالتحديد المذهب الجعفري الأثنى عشري، مذهبا رسميا للدولة.
&لكن من المؤكد تاريخيا ان أصل التشيع عربي قح، أوليس الامام علي بن ابي طالب هو بن عم الرسول، وان الحسن والحسين هما من صلب الأمام علي وابنة رسول الله السيدة فاطمة الزهراء!..أليس عمار بن ياسر ومالك الأشتر النخعي، ومحمد بن ابي بكرالصديق، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وابوذرالغفاري، وابو الأسود الدؤلي والطرماح، والفرزدق، والمتنبي، وابوفراس الحمداني، وبنو حمدان، وبنو همدان، وبنو تميم، وغيرهم، هم من أقحاح العرب، وهؤلاء كانوا أشياع علي بن ابي طالب، وحاملوا لواء التشيع في التاريخ الاسلامي.
&لا نريد هنا ان ندخل في تفاصيل تاريخية يمكن مراجعتها باطمئنان في المصادر التاريخية، بما في ذلك المصادر التي كتبها علماء السنة ومؤرخوهم، قديما وحديثا، لنؤكد بان شيعة العراق هم عرب اقحاح، ومن قبائل الجزيرة المهاجرة، ولولا ذلك لما نقل الامام علي بن ابي طالب، دار الخلافة الى الكوفة في العراق ليكون بين ظهرانيهم..!!... إلا ان مقتل الأمام علي، ووصول الخلافة الى معاوية بن ابي سفيان وبني أمية، دفع هؤلاء الى تعيين ولاة موالين له، مناهضين للشعب العراقي، ولشيعة العراق اتباع آل البيت، وكان هؤلاء الولاة ياتون معهم بجند وحاشية موالية لهم ولبني امية، ولنا في عبيد الله بن الزياد، قاتل الحسين، والحجاج بن يوسف الثقفي امثلة تضرب للإثبات، اي ان الوجود العربي الشيعي في العراق كان سابقا وقديما، وليس عابرا وخارجيا ومعينا من قبل خلفاء بني أمية،الى جانب ان الكثير من القبائل العربية في غرب العراق إضطرت الى مولاة بني أمية في الشام مركز الخلافة الأموية فمنحتهم الولاء خوفا من بطشها، ومن هنا نجد التقسيم التاريخي المذهبي لعرب العراق حيث نجد الجنوب والوسط العراقي شيعيا بينما غربه سنيا.
&إن الحقيقة التي لا تريد الفضائيات العربية، للأسف، الإقرار بها، هي ان عرب العراق هم شيعة أصلا، وان سنة العراق من العرب تشكلوا عبر أستقرار سلطة بني أمية في البلاد الاسلامية، بما فيها العراق، وهم يشكلون أقلية قياسا الى العرب الشيعة، وان السنة حاليا بكل مجموعهم، بما فيهم اكراد كوردستان العراق، يشكلون ثلث نفوس العراق!! ولا اريد هنا أفاضل بين العراقيين فالعراق للجميع، والجميع يجب ان يتساوون أمام القانون وان تكون لهم نفس الحقوق. وما توقفت عند هذه المعلومة التاريخية إلا لأنبه الى طبيعة خطاب الفضائيات العربية التي تشكك في عروبة شيعة العراق، وتؤكدعلى ولائهم لايران، وكأنما الجنود مئات الالاف من الضحايا في هذه الحرب لم يكونوا من الشيعة، أو كانما هذه الحرب لم تجر أصلا في المناطق التي يعيش فيها الشيعة..!!
&لا اريد ان اثير المواجع العراقية في هذه القضية لأنها لا تمت لموضوعنا بصلة، لكن ما يحز في النفس حقا ان تصل الفضائيات العربية الى هذا الدرك من الاسفاف الفكري والابتذال الاعلامي، فما ان سقط نظام البعث الدموي الذي حول العراق الى سجن كبير، والى مقبرة جماعية مهولة، حتى تعالى عويل الفضائيات العربية حول ضياع العراق وسقوطه بيد الشيعة (العجم)، وان هذه الجموع الشيعية ما هي زحف ايراني على العراق.
&مع سقوط نظام البعث العفلقي بدأ الدس والأفتراء على العراق والعراقيين، في البرامج الحوارية، وتعليقات الأخبار، لاسيما بعد رجوع الشهيد محمد باقر الحكيم وبقية قيادي الاحزاب الدينية الشيعية الى العراق، ودخول العراقيين في الوسط والجنوب الى مشهد الحكم، وبروز دور مرجعية النجف في ترجيح كفة الصراع والموازنة في تهدأة الوضع الداخلي وضبط الحالة الاجتماعية من الانفلات والنزوع الى الحرب الأهلية..
&لقد راهنت الفضائيات العربية على الحرب الأهلية في العراق كثيرا، ولدي تسجيلات لمعظم البرامج والحوارات التي كانت تبث من القنوات الخليجية حول ما تقدم من كلامي أستطيع ان اقدمها كاثبات على ذلك..وبالأسماء.
&ولأن هذه الفضائيات أدركت الدور الحاسم للشيعة في العراق العربي باعتبارهم الأكثرية المطلقة وان مسالة الوجود الأميركي في العراق لا يستطيع احد ان يحسمها دون تدخلهم، فقد اخذت هذه الفضائيات تزرع النعرات والفتن بين الشيعة انفسهم، وتوتر الأجواء بينهم، وتبرز بعض الوجوه الشابة لتغيب مرجعيات اخرى، عبر مراسلين اقل ما يمكن ان يقال عنهم ان سنهم وثقافتهم لا تؤهلهم للتقرير والتعليق عن وضع الشيعة ودورهم في العراق الجديد..
&ان بعض الفضائيات كان تتشفى بوجود هذا الكم من المقابر الجماعية التي دفن نظام البعث الفاشي الدموي شباب العراق فيها، بل وهناك فضائيات شككت في ان تكون هذه المقابر للعراقين، وانما للقتلى الايرانيين الذين سقطوا داخل العراق اثناء الحرب..!
&ان هذا الدور التضليلي للفضائيات العربية في تشويه صورة الشيعة امام المشاهد العربي، واثارة النعرات الطائفية داخل العراق، يقود الى نتائج خطيرة. فالفضائيات العربية طرحت مصطلح (المثلث السني)، وكأنما كل اهل الفلوجة، او الرمادي، او سامراء والموصل مع صدام وانهم هم الذين (يقاومون) بينما على الضد من ذلك يتحالف الشيعة مع الأميركان..، وهنا نجد مغالطة كبيرة مقصودة لتشويه المجتمع العراقي.
&
&صحيح ان النظام البعثي، بل والسلطة في العراق عموما، منذ تاسيس الدولة العراقية، كانت إمتدادا للدولة العثمانية التي أصرت على التدخل في تشكيل الدولة العراقية الحديثة، وفي تسليم السلطة للسنة الذين كانوا امتدادا لها، الا ان النظام البعثي تطرف في مذهبيته، فاعطى زمام السلطة لأبناء السنة، سواء في الوظائف المدنية أو العسكرية، بل وحتى السنة وضعهم في دوائر وحلقات ودرجات، كلما اقتربت منه ضاقت على أهل تكريت والعوجة والدور، لكن هذا لايعني ان كل اهل السنة كانوا من مدللي صدام، فالنظام كان يقضي بشكل شرس على كل من يشك في عدم ولائه سواء كان سنيا او غير سني، من الرمادي او من تكريت، وقد أجرم صدام بحق الاكراد وهم من أهل السنة ايضا، وكذلك اهل سامراء الذين اذلهم صدام، وكذا الأمر مع بعض عشائر الدليم في الرمادي..
&
&صحيح ان النظام البعثي، بل والسلطة في العراق عموما، منذ تاسيس الدولة العراقية، كانت إمتدادا للدولة العثمانية التي أصرت على التدخل في تشكيل الدولة العراقية الحديثة، وفي تسليم السلطة للسنة الذين كانوا امتدادا لها، الا ان النظام البعثي تطرف في مذهبيته، فاعطى زمام السلطة لأبناء السنة، سواء في الوظائف المدنية أو العسكرية، بل وحتى السنة وضعهم في دوائر وحلقات ودرجات، كلما اقتربت منه ضاقت على أهل تكريت والعوجة والدور، لكن هذا لايعني ان كل اهل السنة كانوا من مدللي صدام، فالنظام كان يقضي بشكل شرس على كل من يشك في عدم ولائه سواء كان سنيا او غير سني، من الرمادي او من تكريت، وقد أجرم صدام بحق الاكراد وهم من أهل السنة ايضا، وكذلك اهل سامراء الذين اذلهم صدام، وكذا الأمر مع بعض عشائر الدليم في الرمادي..
&وبالتالي فان هذه التوصيفات المذهبية للمجتمع العراقي خطيرة جدا، ولها آثار أخطر من مجرد تردديها،لأنها قد تؤدي فيما بعد، ونتيجة للتكرار لتكريس الحالة الطائفية في العراق وتهيئة المقدمات النفسية لتقسيم العراق العربي على أساس طائفي، بحيث تنفصل المحافظات الوسطى والجنوبية عن بقية العراق، وينفصل (المثلث السني) كذلك، وتنفصل كوردستان، ليؤكدوا ما في نفوسهم من ان النظام السابق كان ابقى لوحدة العراق. علما ان الشيعة والاكراد والسنة قد فوتوا هذه الفرصة على الفضائيات، ولولا غياب السلطة المركزية، ووجود الأميركان، لكانت هذه الفضائيات قد طردت من العراق منذ فترة طويلة.
&إن طائفية خطاب الفضائيات العربية لا يكمن فقط في مضمون تقاريرها عن الوضع في العراق، وتشويهه لموقف الشيعة في العراق فحسب، وانما في نشره للفكر الأصولي المعادي للتشيع، والذي يزيد الفرقة بين المسلمين، علما ان الكثير من المفكرين المسلمين المعتدلين يسعون الى إسلام بلا مذاهب، او على الأقل الى التقريب بين المذاهب..!
&إن وقفة عند بعض البرامج الدينية، لا سيما تلك التي لها علاقة بالأحكام والشريعة والتي تبثها هذه الفضائيات يكشف لنا عمق الخراب الذي وصلنا اليه، ففي احد البرامج الدينية الذي نقلته احدى الفضائيات التي استقرت في دبي الآن سؤل الشيخ الجليل الذي يفتي بالاحكام عن شرعية زواج الرجل السني من إمرأة شيعية، فكان الجواب مرعبا..حيث ادلى سماحة شيخ الاسلام المفتي الجليل بان الزواج من يهودية او مسيحية ارحم من الزواج من امراة شيعية..فعلى الأقل ان المسيحية واليهودية يمكن ان تقر بافضلية الدين الاسلامي وتقر بالشهادتين او ان تبقى على دينها، اما الشيعية فهي لا تريد الا ان يكون عقد الزواج على مذهبها.. ومذهبها كفر وبطلان..!!!!!! ومثل هذا الأمر تكررفي احدى الفضائيات المصرية، رغم ان الاعلام المصري، والشعب المصري معتدل وليس لديه اية مشكلة مع التشيع وآل البيت.. فتاريخ مصر الاسلامي عرف التسامح الديني بين المذاهب، كما ان الآف المساجد في مصر تعود الى الفترة الفاطمية.. وان حياة المصريين اليومية مجبولة على حب النبي وأل البيت.
&إن رصدا دقيقيا، وتحليلا صارما، وتفكيكا متبصرا، لمفردات الخطاب الاعلامي في الفضائيات العربية، الخليجية خصوصا، توضح بما لا يقبل اللبس، مذهبية وطائفية خطابها الديني..وقد انعكس هذا كله على موقفها من العراق والقضية العراقية..فلا مشكلة لهذه الفضائيات مع الأميركان..أليس معظم برامجها لها علاقة بأميركا.. أليس معظم برامجها وحواراتها تجري في واشنطن، وتروج لوجهة النظر الأميركية..!!
&إن مشكلة هذه الفضائيات يكمن في اصولية خطابها، وموقفها الطائفي، وحقدها الدفين على الشيعة ورعبها من إنتقال السلطة الى الأكثرية الشيعية في العراق. أما موقف هذه الفضائيات العنصري والشوفيني من الاكراد والقوميات الأخرى في العراق فسيكون موضوع وقفتنا القادمة.
&
&
&
التعليقات