كان الرئيس العراقي السابق "صدام حسين غاية في الذكاء عندما استسلم للقوات الأمريكية، ورفض أن يموت بشرف على يد "الأعداء"! وأظن أن هذا الرأي أثار دهشتك، فالغالبية العظمي من حملة الأقلام انتقدوا حاكم بلاد الرافدين السابق للطريقة التي سلم بها نفسه للمحتل الأجنبي! فكيف يأتي واحد مثلي ليقول إن ما فعله صدام ضربة معلم!
وأشرح لك وجهة نظري، ثم أترك الحكم لمصلحتي أو ضدي!! والبداية تكون بذكر الطريقة الرائعة التي استشهد بها أولاده ومعهم أحد أحفاده! حاصرتهم قوات أمريكا بعد وشاية من أحد المقربين، لكنهم رفضوا الاستسلام وقاتلوا حتي النهاية، حتي أن القوات الغازية استعانت بالطائرات وضربتهم بالصواريخ وهكذا ذهبوا إلي ربهم بموتة مشرّفة ربما تغفر لهم بعض الجرائم التي ارتكبوها!! وإلي هؤلاء الشهداء "قصي وعدي" ومعهم الحفيد العزيز كل الاحترام رغم ما أذاقوه للناس من ويلات في حياتهم! لكنهم ماتوا بطريقة رفعت رؤوسنا عاليا!! ومع ذلك طويهم النسيان بسرعة ولم يعد لهم ذكر! ولذلك رفض صدام أن يموت بهذه الطريقة البطولية!.. يريد أن يظل ملء السمع والبصر حتي آخر لحظة! وبالفعل تحقق ما أراده منذ القبض عليه، والمشاكل التي سيثيرها للأمريكان وعملائهم وهو حي، كثيرة جدا، ولو كان قد مات لأراح واستراح! والمعضلة الحقيقية الخاصة بمصيره تتعلق بطريقة محاكمته.. يمكنك من الآن أن تطلق عليها محاكمة القرن، ستكون عالمية تتم وأنظار الدنيا تتابعها، سواء أكانت محكمة عراقية أو يتولي محاكمته قضاة دوليون.. وبالطبع سيتاح للرئيس العراقي السابق فرصة للدفاع عن نفسه! وهو ذكي وماكر، والخوف أن ينجح في كسب قلوب العديد من العراقيين، خاصة البسطاء منهم الذين لم يتعرضوا مباشرة لظلم "صدام"! وتأكد أن التعاطف معه سيتسع إذا استمر العم سام الأمريكاني في تنكيله بالشعب العراقي! وبالطبع سيتولي الدفاع عنه نخبة من المحامين الدوليين، ليس حباً في الرئيس السابق، ولكن رغبة في الشهرة الدولية! وإذا كنت تظن أن محاكمة صدام ستكون عادلة لأن أمريكا تحب العدل فأنت في هذه الحالة مخطئ تماما!! وانظر إلي موقفها من الأسري التي ألقت القبض عليهم في أفغانستان، ليتأكد لك أن السلوك الأمريكاني بعيد جداً عن كل معايير العدالة! والمئات من هؤلاء موجودون حاليا في معتقل "جوانتنامو" منذ أشهر طويلة دون توجيه أي اتهامات لهم! ولم يقدموا للمحاكمة وتتم معاملتهم بطريقة مهينة تماماً كما يحدث في دول العالم الثالث المتخلّف! وقد وصل سوء أوضاع هؤلاء أن بعضهم شرع في الانتحار مع أنهم من المجاهدين السابقين!! وقد تتساءل ولماذا سيختلف مصير صدام حسين؟ وهل أمريكا تكيل بمكيالين؟؟ فما هي الدوافع لمعاملته بطريقة أفضل، ومحاكمته بعدالة؟
وفي يقيني أن سجنه لن يكون خمس نجوم! بل سيتعرض لكثير من المضايقات! ولكن ليس إلي درجة الانتحار! وأمريكا تريد من الناس أن تنساه! لذلك قالت إن محاكمته لن تتم قبل ستة أشهر علي الأقل! والمشكلة الكبري في هذا الموضوع أن الولايات المتحدة اتهمت دوماً النظام العراقي السابق بالاستبداد! فلا يعقل بعد ذلك أن تسلك مسلكه وتتم معاملته ومحاكمته علي الطريقة "الصدامية"! بل ستحرص علي أن تقول للعالم: العدالة موجودة عندنا! وحتي إذا تولي قضاة عراقيون محاكمته فسيكون هناك حرص علي العدالة ليظهروا الفارق بين العهد الذي يتسم بالديموقراطية، والنظام الديكتاتوري البائد!! ألم أقل لكم، منذ أول لحظة: استسلام صدام ضربة معلم!
احتفالات خصوم الرئيس العراقي.. لمصلحته!!
وفي التلفاز شهدت العديد من مظاهر الابتهاج والفرحة العراقية احتفالاً بالقبض علي "صدام حسين"! وبعضها كان لمصلحة الرئيس العراقي وتعاطف شعب العراق معه!! خذ عندك مثلا المظاهرة التي قام بها الشيوعيون في بغداد ورفعوا خلالها أعلامهم الحمراء! أظن أن العديد من العراقيين قد ترحموا علي رئيسهم السابق في تلك اللحظات قائلين: الله يرحمك يا صدام" في عهدك لم يكن لهؤلاء وجود!! وفي شمال العراق رأينا مظاهرات للأكراد الذين تعاونوا طويلاً مع الأمريكان رغم أنهم أحفاد صلاح الدين! وأظن أن موقف العرب الذين يعيشون في تلك المناطق مختلف! ولم يعجبني في مظاهرات الشيعة أنهم رفعوا صور زعمائهم المحليين، وهذا بالطبع يثير مخاوف أهل السنة ويحسب في النهاية لمصلحة الرئيس العراقي السابق!
ومن حقك أن تسألني! ماذا جري لك يا أستاذ؟؟ هل أصبحت متعاطفاً مع صدام حسين بعدما كنت تهاجمه في عنفوانه!
وألخص ردي علي تساؤلك في عدة نقاط أعتقد أنها تعبّر عن قطاع عريض من الجماهير:
1 كنت أتمنّي أن يتم القبض علي حاكم العراق السابق بواسطة العراقيين أنفسهم، وليس عن طريق الجنود الأمريكان! وقد أكد هؤلاء بفخر أن القبض علي الدكتاتور عملية أمريكية 100%! وفور ضبطه نقلوا إليه تحيات الرئيس الأمريكي علي سبيل السخرية والتشفي والحقد والشماتة!
2 العراق حاليا يعيش في محنة حقيقية، ولا يعود السبب إلي الانقلاب الأمني كما تظن! فهو نتيجة طبيعية للاحتلال الذي يعمل بهمة ونشاط علي تقسيم بلاد الرافدين إلي شيع وطوائف متناحرة طبقاً للسياسة الاستعمارية من قديم الزمان "فرق تسد"! وبالفعل أعطيت للشيعة حصيلة الأسد سواء في مجلس الحكم المعين من قبل قوات الاحتلال أو في الحكومة! وتساوي أهل السنة والأكراد فيما تبقّي من مقاعد! وإذا كانت الديكتاتورية قد حكمت العراق سابقا: فإن الاحتلال يحكمها الآن! وهي مرشحة في الغد لحكم طائفي رأينا نموذجاً سيئاً له في لبنان التي شهدت حرباً أهلية دمرت الأخضر واليابس واستمرت سنوات عدة! فهل سيلقي العراق الحبيب ذات المصير؟ أتمني ألا يحدث ذلك، لكن هناك دلائل عدة تثير مخاوفي!
3 هل يعقل أن "يحتل" الأمريكان جزءاً عزيزاً من وطننا العربي، ويتركون الشعب العراقي يختار "بكامل حريته" نظامه الجديد؟ أمر غير معقول بالطبع، فالاحتلال والحرية لا يتفقان! ويخطئ جداً من يظن أن الأمريكاني كما تصوره أفلام "السينما" سوبرمان! أو رامبو! أو جيمس بوند.. إنسان يتمتع بذكاء حاد ومواهب خارقة، مبعوثاً من السماء لإنقاذ الشعوب المستضعفة، فهو عندما يحتل بلدا، إنما يفعل ذلك لمصالحه بالدرجة الأولي! والعراق غني بثرواته، ومكانته الاستراتيجية بالغة الأهمية! والبلطجي الأمريكاني يحقق مكاسب ضخمة عندما يضع يده علي بلاد الرافدين، ويقيم نظاماً موالياً له هناك! فإذا أسفرت الانتخابات الحرة عن حكم إسلامي أو نظام وطني حر، فلا حرية ولا يحزنون! والحكم الديكتاتوري علي الطريقة الصدامية أفضل في هذه الحالة من وجهة نظر الأمريكان ما دام سيكون مواليا لهم!.. أحلم بعراق قوي حر، فيه تداول سلطة، وحريات حقيقية، وأحزاب تعبر عن الشارع العراقي، وفي ذات الوقت بعيد عن الطائفية والمصالح الضيقة!! فهل يمكن لهذا الحلم أن يري الواقع، أم أنه يصطدم بعقبات كأداء علي أرض العراق تجعله مستحيلا؟! وتداعيات الأحداث في المستقبل المنظور كفيلة بالإجابة! وإلي أن يتحقق ذلك، ويتم جلاء الاحتلال، فالمقاومة هناك مشروعة! وكذب من قال إنها ارهاب!!
&