"إيلاف" من القاهرة: في ما بدا للوهلة الأولى أن نفوذ مصر الاستراتيجي على نهر النيل بات مهدداً أمام تحالف دول إفريقيا الشرقية التي تقودها كينيا، لكن المراقبين أكدوا فشل محاولات هذا الائتلاف طالما أن حلفاء القاهرة في واشنطن لا زالوا يساندون حقوق مصر بشأن أطول نهر في العالم.
في هذا السياق استبعد الدكتور محمد أبو زيد وزير الري المصري اندلاع أي حرب بسبب مياه النيل التي تثير جدلاً في المنطقة هذه الأيام، وقال ليس هناك ما يدعو إلى القلق أو المخاوف من حرب مائية تلوح في الأفق من جراء ذلك، إلا أن الوزير المصري دافع عن حق بلاده التاريخي في مياه النيل طبقاً للاتفاقيات الموقعة بين دول الحوض، وأعرب عن دهشته من الحديث المبالغ فيه من قبل بعض الأطراف عن كمية المياه التي تفيد منها مصر وطالب وسائل الإعلام بعدم إثارة الموضوع وإعطائه أبعاداً أخرى، واستدرك الوزير المصري قائلاً إن من يعتقد أن مصر سوف تذهب إلى الحرب عندما تقوم إثيوبيا مثلاً ببناء بعض السدود على النيل مخطئ في تقديراته بلا شك.
يذكر أنه في ظل سلسلة المعاهدات المسنودة من بريطانيا, تنازلت أثيوبيا عن السيطرة على النيل الأبيض لمصر في عام 1902. وبعد قرابة 27 سنة, وافقت كل من كينيا, أثيوبيا وأوغندا - تحت حكم الاستعمار البريطاني في ذاك الوقت- على السماح لمصر بالاستعمال الكامل لمياه النيل. وفي عام 1959, بعد بناء سد أسوان, توصلت القاهرة إلى اتفاقية مع الخرطوم، خُصصت في إثرها 55.5 بليون متر مكعب من الماء لمصر و 18 بليون متر مكعب للسودان سنويا. واستنكر الوزير المصري متساءلاً : كيف توقع مصر اتفاقا مع دولة في المصب كالسودان ويؤثر ذلك على دول المنبع؟ وقال: بل العكس ان إثيوبيا الموجودة في أعلى الهضبة وقعت اتفاقاً مع دول مجاورة وكان يمكن أن يضر ذلك بالمصالح المصرية في الماء، مشيراً إلى وجود فهم مشترك بين إثيوبيا وبقية دول حوض النيل يقوم على التوزيع العادل لمياه النيل، وأن الاتفاقيات الموقعة العام 1929 بين دول الحوض هي التي تدعم هذا التفاهم وتبدد الشكوك التي تحوم هنا وهناك.
ونفى أن تكون مصر قد تقدمت بأي مشروع على النيل حتى الآن، موضحاً أن السودان وإثيوبيا هما الدولتان اللتان تقدمتا بمقترحات حول إقامة مشروعات على النيل، إلا أنه قال ان مصر تؤمن بأهمية قيام مثل تلك المشروعات لمصلحة الجميع، مشيراً إلى ان البنك الدولي الذي تعهد في وقت سابق تقديم 140 مليون دولار لتمويل مشروعات على النيل لم يف حتى الآن بتعهداته، لأنه يبدو غير مقتنع برغبة وتطلعات دول حوض النيل، وكشف عن دراسات تجرى حالياً بين دول الحوض ستستغرق سنوات عدة قبل وضعها موضع التنفيذ.
وترغب مصر في السماح ببعض مشروعات تطوير النهر، وستعطي في النهاية بعض الدول -مثل أثيوبيا- نصيبا في استخدام الماء. لكن معركة مصر مع كينيا ليست حول تطوير محطة الكهرباء, ولكن حول السيطرة على النيل بالكامل، ومن منظور القاهرة, فإن حيلة نيروبي تعتبر بمثابة إعلان حرب عليها ذلك لأنها تمس أهم مواردها المائية على الإطلاق.
وأوضح الوزير المصري أن الثروات الهائلة لمياه النيل وغزارتها كافية وتفيض عن حاجة دول الحوض، الأمر الذي يشكل صمام أمان من وقوع أي اصطدامات مستقبلية حول هذه المسألة، واعتبر اتفاقية العام 1959 بين السودان ومصر حول مياه النيل من النقاط الرئيسية التي تثير جدلاً واسعاً وفهماً مغلوطاً وأزمة ثقة بين الأطراف في حوض النيل، مشيراً أن لمصر حقا تاريخيا باعتبارها إحدى دول المصب وهي تنسق في ذلك مع دول المنبع.
واختتم أبو زيد تصريحاته معرباً عن دهشته حيال الحديث الدائر حول نسبة 5% أو 6% التي تستفيد منها مصر ولم يتناول المحللون ال 96% الباقية من المياه والتي تذهب أدراج الرياح دون أن يستفيد منها أي طرف في منظومة الحوض، مشيراً أن لإثيوبيا حق في إقامة سدود على النيل وان لأي طرف من دول الحوض الحق في الاستفادة من الكمية الهائلة المهدرة، وأن المشروعات التي تقيمها مصر هي للاستفادة من نسبتها الضئيلة من مياه النيل. وقال انه ومنذ العام 1959 حين كان تعداد السكان في مصر 20 مليوناً وحتى اليوم الذي بلغ فيه عدد سكان مصر 70 مليوناً لا تزال نسبة المياه كما هي.