أسامة عجاج المهتار&
&
"الطريق إلى جهنّم معبّد بالنيّات الحسنة". هذا المثل الإنجليزي يختصر الحالة التي نحن فيها وتلك المقبلون عليها انطلاقًا من خطابي نتنياهو و شارون الأخيرين في مؤتمر "هرتزليا".
باختصار شديد نقول إنه فيما يدعو نتنياهو في خطابه لتنظيف "إسرائيل" من أقليّتها الفلسطينيّة فإن شارون يهيئ الرأي العام الدولي لتنظيف الضفة الغربيّة من أكثريتها الفلسطينيّة، بموافقة إن لم يكن بمباركة الولايات المتحدة الأميركيّة، وفيما السلطة الفلسطينيّة تنتظر تحقيق الوعود الأميركيّة بقيام دولتها العتيدة.
خطاب شاورن يعلن للمرة العاشرة ربما - نهاية مرحلة أوسلو ويبدأ عمليّة العدّ العكسي لضم حوالي الخمسين بالمائة من الضفة الغربيّة إلى إسرائيل. وحيث أن الهدف النهائي كما عبّر عنه الخطابان، هو الإبقاء على أكثريّة يهوديّة بين المتوسط ونهر الأردن، فلا بد وأن يرافق عمليّة قضم الأرض عمليّة تنظيفها من سكانها الأصلييّن. وقد حدد شارون موعدًا زمنيًا لذلك لا يتجاوز الستة أشهر من تاريخه أي حزيران القادم، في خضم المعركة الانتخابية الأميركية حيث يتوقع شارون أن ينهي كتابة الصفحة الأخيرة في سجله الدموي دون رادع.
يدرك شارون أن هذه هي آخر حكومة إسرائيليّة يرأسها. وهو سيعمل كل ما بوسعه لدفع الحلم الصهيوني خطوة متقدمة جدًا في تهويد فلسطين عبر قضم نصف الضفة الغربيّة وتعطيل موارد الحياة فيها وفتح أبواب المغادرة باتجاه الأردن لمن يرغب من الفلسطينييّن. في هذا السياق لا يرى شارون مانعًا من أن يتحمل هو وزر هذه العمليّة، فسمعته الدوليّة تحت الصفر وهو لا يرى ضيرًا في ذلك طالما أنه يدخل التاريخ كأحد كبار القادة الصهاينة، بل "ملك إسرائيل" كما يحلو لغلاة اليمين الإسرائيلي مناداته.
نحن على الطريق إلى جهنم من العنف لا نهاية لها ولا يمكن لنا رؤية سبيل لوقفها. هذا الطريق معبّد بحسن نوايا بعض الفلسطينييّن الذين صدقوا "أوسلو" وما تبعه من مؤتمرات، ولا يزالون يراهنون على مصداقيّة الولايات المتحدة كراعٍ شريف للسلام. لقد كتبنا في السابق عن الإبادة كونها قمة الإرهاب والرعب، وكتبنا عن العمليّات الاستشهادية بصفتها وسيلة فلسطينيّة لتحقيق توازن من الرعب مع العدو. إن الترجمة العمليّة لخطاب شارون في هرتسليا تسد باب الأمل للفلسطينييّن بأية إمكانية لقيام سلام مع إسرائيل. بل إنها في الواقع تطلق رصاصة الرحمة على جميع ما قامت عليه ونادت به السلطة الفلسطينيّة منذ "أوسلو" ولغاية اليوم. إن خطاب هرتسليا هو وصفة لليأس القاتل للفلسطينييّن ونتيجته ستكون عنفًا مدمرًا في جميع الاتجاهات: فلسطينيًا وإسرائيليًا، عربيًا ودوليًا.
في المائة سنة الماضية وما يزيد قليلاً، كانت الحركة الصهيونيّة تتقدم في خطوات فاصلة تفصل الواحدة عن الثانية حوالي العشرين سنة مع خطوات أصغر بينها: المؤتمر الصهيوني عام 1897، وعد بلفور سنة 1915، الانتداب سنة 1922، تقسيم فلسطين 1947، حرب حزيران 1967، اجتياح لبنان 1982، واليوم قضم ما بقي من الضفة الغربيّة سنة 2003. مع كل خطوة كان العنف الصهيوني يتزايد وحشية مع ارتفاع تقنية سلاحه. الرد الفلسطيني كان يأخذ وقتًا طويلاً لينطلق قبل أن يُضرب ويعود لتنظيم نفسه في مراحل متباعدة: الثلاثينيات، فالخمسينيات، فانطلاقة الثورة عام 1965، أحداث عمان 1970، فلبنان الحرب الأهلية فالانتفاضة.
لن تستطيع البطولة الفلسطينية وقف الحلقة الجديدة من الإبادة القادمة ولكنها ستحاول رفع كلفتها إلى أقصى الدرجات لدى جميع المعنييّن من إسرائيلييّن وعرب ومجتمع دولي. نعم إننا على الطريق... إلى جهنم.
التعليقات