عبدالله الحكيم
&
قبل بضعة أيام قلائل عرض التلفزيون الاسرائيلي صورة لأحد عناصر قيادة المقاومة الفلسطينية وهو قابع في زنزانته لقضاء فترة عقوبة. ومن قبل أن يتجرأ الاسرائيليون على عرض مشهد لا علاقة له بمعاملة سجين سياسي، كان الأمريكيون يتلذذون بمشاعر الأنفة العريقة وهي تتراجع في ذاكرة أمة مغلوبة على امرها.
لقد وضعوا مشهد صدام في الاسر عرضة لاقتباسات الشاشة العربية، ومن بعد ذلك ومن قبل فالأمريكيون يعرفون مسبقا نوعية التعليقات التي تواكب حدثا عملاقا بهذا الحجم، دع عنك بمنتهى اللطف& نظرية التمر والرطب ونظرية أن الذي ظهر بين أيدي الامريكيين ليس هو صدام، لأن صداما كان له بين الاذن والصدغ الأيسر شامة وعلى قدر من الأناقة والوسامة.
اذا تركنا هذين الموقفين وقرأنا الشريط الاخباري، فسوف تجد أن قنواتنا العربية العزيزة تكتب لنا قصصا اخبارية قصيرة، ولكنها في الوقت نفسه تضع الميديا العربية بكل امكاناتها لخدمة صانع الميديا الأمريكية، وبالتالي منح الروح الأمريكية زخما ترويضيا ربما يختصر الكثير من وقت وجهد صانع اتحاد السياسة الانجلوأمريكية.
انهم يقولون لنا، على نحو الموجزات السردية في وقت هم يعرفون فيه أن لقطات دقائق محدودة تغني عن بقية القصة، كيف أن صداما بصق على جندي أمريكي أثناء أعتقاله، فرد عليه الجندي بلكمة.
وكذلك تنقل الينا الميديا العربية أقوال أحد أعضاء مجلس الحكم العراقي بذكر أن لقاءه مع صدام كان مثيرا للاشمئزاز.
الاعلام الأمريكي باستعراضه صور النصف دقيقة يعرف ماذا يفعل، وهو يعرف أن عرض هذه الصور من جانب القنوات العربية يوفر عليه نقلات وظيفية شتى لمشروع الميديا العملاقة. توجد رسالة أمريكية أكبر من توقعات الشارع العربي، وهي تقربيا ربما تمثل رسائل واضحة باستخدام اتصالات القيادة الأمريكية لاجراءات مساندة تتمثل في اتصالات الخارجية الأمريكية بزعامات عربية لابلاغهم عبارة: (لقد قبضنا على صدام حسين)، وفي احوال أخرى حسب المقام ربما يقول صانع القرار الأمريكي أو من ينوب عنه لزعيم عربي آخر& لا بأس اذن سوف نحاول من جانبنا أن نضمن له محاكمة عادلة .
ولكن من الطرف المقابل هل كانت الميديا العربية تعرف ماذا تفعل اذ تتناول الحدث بشحمه ولحمه حسب تفاصيل أمريكية.
ربما كانت الميديا العربية لا تزال تعيش الطور الوظيفي، وهي بعد لم تبلغ العمر المهني، والا كيف نفسر دخول الميديا العربية نفقا ينتمي بتراكيبه وتصاريفه الاعلامية الى الذاكرة الأمريكية.
الأمريكيون ضالعون في ممارسة الاستخدام الميديوي لترويض الجماعة.
والترويض هو أول درجات التدجين التي تهدف من ورائها الدولة العظمى الى اخضاع آخرين للايمان بقيم هي تعرف أنه لا يوجد لدى الطرف الآخر استعداد للتجاوب معها. ومع ذلك لا يتوقف الطرف الأول عن غسل واحتواء قناعات الطرف الآخر، واذا لم يتسن له الاحتواء، فهو قطعا سوف يغتصب تلك القناعات لابدالها عبر التأثير الميديوي أو بقوة السلاح اذا لزم الامر بقيم ومسلمات أخرى.
والترويض هو أول درجات التدجين التي تهدف من ورائها الدولة العظمى الى اخضاع آخرين للايمان بقيم هي تعرف أنه لا يوجد لدى الطرف الآخر استعداد للتجاوب معها. ومع ذلك لا يتوقف الطرف الأول عن غسل واحتواء قناعات الطرف الآخر، واذا لم يتسن له الاحتواء، فهو قطعا سوف يغتصب تلك القناعات لابدالها عبر التأثير الميديوي أو بقوة السلاح اذا لزم الامر بقيم ومسلمات أخرى.
وطبعا فالميديا الامريكية ليست سوى وكيل سياسي مسؤول لادارة الترويض، لأن هذه الميديا نفسها هي التي ساهمت عبر أحد مراحلها الوظيفية في صناعة أسطورة البطل القائد حامي الجبهة الشرقية.
وبعكس هذه الروح العمياء التي لم يكن يفترض على وعي الشارع العربي تناولها بسخاء، مهدت الميديا الأمريكية لاحقا لصناعة سيناريو آخر لا يجيش لصدام بمشاعر الكراهية، وانما حيال الشعب العراقي.
وبعكس هذه الروح العمياء التي لم يكن يفترض على وعي الشارع العربي تناولها بسخاء، مهدت الميديا الأمريكية لاحقا لصناعة سيناريو آخر لا يجيش لصدام بمشاعر الكراهية، وانما حيال الشعب العراقي.
نحن هنا أمام تدابير مزدوجة من نوع آخر بحيث يلقح الفكر الأمريكي توجهات الرأي داخل العالم العربي باستخدام الصحافة، عدا كون نفس هذا الفكر يدير بتبريرات ذرائعية (عربيا) من خلال هذه الميديا صناعة العاطفة السياسة المتناقضة.
أنظر كيف كانوا يتعاملون مع الفكر الجهادي ابان الغزو السوفياتي لافغاستان، وتأمل لاحقا معنى كلمة جهاد في تصريف السياسة الأمريكية.
لقد قلبوا الطاولة رأسا على عقب في أقل من ربع قرن زمان، وكأن الجهاد خرج من بنات الفكر الامريكي لخدمة مرحلة يحتاجها القرار الامريكي لتمويل ورقة أعماله، ولاحقا فقد صار التوجه خطر يهدد الحرية الأمريكية.
هانحن قد خلصنا من مرحلة الترويض عبر الفرجة، ومن الواجب علينا التفاعل مرحليا مع فضاء التدجين بما يتفق مع احتياج الحاكم العسكري، وللواقع نحن نقرأ الشواهد من غير ان نبتكر شئيا جديدا من عند أنفسنا، فقد أنضم الى أحد هذه المشاهد القصيرة جدا كاردينال ايطالي.. وعلى الفور من خلال قراءة المشهد القصير قال الكاردنيال الايطالي أنهم يعاملونه كبقرة.
وطبعا فالبقرة هي أحد عناصر التدجين في البيئة، والرسالة معناها: أنظروا.. وتأملوا بمنتهى الهدوء حكمة العدالة الأمريكية، وأما الخطاب في صيغته الرسمية فقد كان موجها الى بعض القيادات في المنطقة على نحو: أعترفوا بما لديكم من اسلحة دمار شامل، والا سوف نضطر لنزع الاعتراف منكم بالقوة.
شخصيا أعتبر قائدا مطيعا مثل السيد معمر القذافي انسان يتمتع ببعد نظر وبحكمة، فسرعان ما تقدم باعترافات مجانية، وأملي كبير أنه يعكف حاليا على تدوين مذكرات كثيرة لعله يقر في بعضها بخصوصويات شخصية.
لقد فهم الخطاب الأمريكي بسرعة فائقة، ومن الواضح أنه تابع كثيرا درجة الملل قنوات الاعلام منذ الاعلان الأمريكي عن استضافة صدام بمنطقة غير معروفة داخل العراق. ولذلك فاعترافاته بالنسبة اليه وبالنسبة لمن يعنيه الخطاب من عدمه لم تكن بأكثر من اعلان عن رغبته في الا يكون كبش فداء آخر،
وطبعا القصة لا تزال في بداياتها الأولى، ولسوف تصبح المنطقة معزولة من السلاح النووي ومن كاريزما الطواويس وربما لاحقا من اعتمادات التسليح الكلاسيكي، لأنه لا يوجد اعداء لهذه القيادات يستحقون الضرب بسلاح نووي او بقنبلة نووية، فلماذا يتسلحون ولأي حرب يخططون.. ومع ذلك نأمل من الله الا تكون المرحلة القادمة في هذا العالم الوديع هي مرحلة الحاكم العسكري بحيث تتكئ فيها الميديا الأمريكية منذ الآن وفق مرجعيات الحرب النفسية أولا على اهمية الترويض بوصفه ممارسة هادئة تسبق& اراقة ماء الوجه والتدجين السياسي وما الى ذلك من عناصر تسفر عنها مخاض العاصفة.
التعليقات