"إيلاف" من القاهرة: كشف ديفيد وولش سفير الولايات المتحدة لدى القاهرة عن زيارة من المقرر أن يقوم بها وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأميركي لشئون الشرق الأوسط إلى مصر مطلع كانون الثاني (يناير) القادم، حيث سيبحث خلال زيارته التفصيلات الخاصة بالحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن، في اطار الزيارة المرتقبة للرئيس حسني مبارك إلى الولايات المتحدة المقررة خلال شهر آذار (مارس) المقبل، والتي وصفها السفير الأميركي بأنها تخلق دائما الاطار الأفضل للعلاقات الثنائية.
وأعرب وولش عن ثقته في إحراز تقدم خلال المباحثات القادمة لاقامة منطقة التجارة الحرة بين القاهرة وواشنطن، مشيراً إلى أن وفدا اقتصاديا مصريا سيقوم بزيارة للولايات المتحدة لهذا الغرض.
ويأتي استئناف الحوار الاستراتيجي بين البلدين بعد فترة توقف أثارت عدة تساؤلات حول العلاقات المصرية الاميركية.
وأوضح مصدر دبلوماسي في القاهرة أن الحوار الاستراتيجي سيتناول أربعة محاور هي قضية الشرق الأوسط، والعراق والسلام في السودان، إضافة إلى العلاقات الثنائية، لافتاً إلى أن الجانبين المصري والاميركي اتفقا على بحث خلافاتهما في إطار شفاف ومن خلال حوار صريح يستهدف تعزيز نقاط الاتفاق وتضييق مساحة الخلاف، على حد تعبير المصدر المصري.
قوى الاعتدال
ويرى مراقبون أنه لا تكفي لفهم تفاعلات العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة إلا في ظل وجود طرف ثالث& يلعب دوراً مؤثراً في توجيه تلك العلاقات، هذا الطرف هو اسرائيل، والحقيقة أن العامل الاسرائيلي في العلاقات المصرية الأميركية خصوصاً، والعلاقات العربية الأميركية عموماً يندر أن تكون له سابقة أو لاحقة في العلاقات الدولية وفي العلاقات الأميركية الدولية بصفة خاصة، ويؤثر هذا العامل الاسرائيلي على السياسة الاميركية في الشرق الأوسط، وبالتالي على العلاقات بين واشنطن والقاهرة وفقاً للأنماط التالية:
1- أسبقية الالتزام الأميركي تجاه اسرائيل على كل ما عداه من التزامات نحو الأصدقاء الآخرين في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك أقرب الأصدقاء الى واشنطن أي مصر والسعودية.
2- وجود قوى داعمة لاسرائيل داخل دوائر السياسة الأميركية هي بطبيعة الحال منظمات اللوبي الإسرائيلي، وهي عادة لا تكتفي بضمان المساندة الأميركية لاسرائيل، ولكنها تتعدى ذلك الى الحد من المساندة الأميركية للدول العربية بما فيها مصر، إذا ظهر لها أن آليات السياسة الخارجية الأميركية تتجه الى تبني منهج التوازن بين مصالح اسرائيل والعرب.
3- وجود تيار فكري وسياسي في الولايات المتحدة يعتبر اسرائيل جزءاً من الحضارة الغربية، ويرى في الدول العربية بما فيها مصر دائرة حضارية أخرى تتعارض قيمها في أحيان كثيرة مع القيم الحضارية الغربية، ويعبر هذا التيار عن نفسه في الأحوال المعتدلة بالدعوة الى الحوار بين الحضارات لتعظيم مجالات الاتفاق، أما في الأحوال المتطرفة فيعبر هذا التيار عن نفسه في مذهب صراع الحضارات، وهو في كل الأحوال ينتج نمطاً من التحيز الأميركي المسبق لاسرائيل.
4- من ناحية أجهزة صنع السياسة الخارجية الأميركية، فقد نجحت اسرائيل عبر عشرات السنين في إقامة أجهزة حوار وتنسيق استراتيجي على المستوى الرسمي مع الولايات المتحدة، فهناك لجان أميركية - اسرائيلية مشتركة بين وزارات الدفاع، والخارجية في البلدين، وكذلك بين أجهزة المخابرات الأميركية والاسرائيلية، ومن هيئتي أركان القوات المسلحة في اسرائيل والولايات المتحدة وهناك كذلك اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وأخيراً هناك نمط مستقر من العلاقات بين اسرائيل ومنظمات اللوبي الإسرائيلي الأميركي، وبين الكونغرس الأميركي ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، والشركات الأميركية الكبرى المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية.
وأشارت تقارير أعدتها دوائر بحثية في القاهرة إلى أن الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي مازال متعثرا، إذ لم تعقد في إطاره سوى دورة واحدة على مستوى وزيري خارجية البلدين، ودورتان على مستوى مساعدي وزيري الخارجية، ولم يسفر عن نتائج مهمة، كما أن مشروع اتفاق التجارة الحرة بين مصر والولايات المتحدة هو الآخر متعثر، والمدهش أن أسباب هذا التعثر تعود الى الادارة الأميركية نفسها، وليس الكونغرس كما كان يفترض في البداية.
ومضت ذات الدوائر موضحة أن النمط المتكرر في العلاقات المصرية الأميركية هو انها علاقة لا يستغني عنها الطرفان، ولكنها لن تخلو من الأزمات المحدودة، وفي الوقت ذاته فسرعان ما تكتشف القاهرة وواشنطن أهمية حصار هذه الأزمات، والعودة الى التفاهم مجدداً، فالولايات المتحدة من جانبها هي الطرف الدولي الأكثر حضوراً في الشرق الأوسط، ومن ثم فهي بحاجة الى مصر لتشجيع قوى الاعتدال في المنطقة، ومصر نفسها في حاجة الى التعاون مع هذا الحضور الاميركي لأن مواجهته لن تفيدها بشيء، ولأن الانعزال عنه يعزلها عن مصالحها في المنطقة، ويضر بوضعها الإقليمي أيضاً.