رضا الأعرجي


&& نفاجأ كل يوم بمواقف عربية مخزية حيال العراق الجديد وهو يحاول أن يتعافى من جراح الدكتاتورية وحكم الحزب الفاشي، وليس موقف نقابة المحامين الأردنيين في استبسالها للدفاع عن الطاغية الجرذ إلا واحدا من هذه المواقف التي يبدو أنها لن تتوقف مادام مجلس الحكم العراقي لا يمارس دوره المطلوب في الرد عليها وفضح أهدافها ودوافعها أمام الرأي العام في العراق والعالم.
&&فلم يمض وقت طويل على إعلان موقف المحامين الأردنيين حتى طلعت علينا الأمانة العامة لاتحاد المحامين العرب بخبر يقول أنها تعكف حاليا على تشكيل لجنة دولية تضم عددا من المحامين المتخصصين في القانون الجنائي والقانون الدولي على رأسها المحامي الفرنسي جاك فيرجيس، والموضوع هو أيضا الدفاع عن الطاغية الجرذ.
&& وبالأمس تحدث وزير خارجية الأردن مروان المعشر عن معاناة سنة العراق على نحو يدعو للتساؤل عن أسباب هذا الحديث وتوقيته، فالسيد المعشر ليس مسلما حتى يحاول الانتصار لطائفة مسلمة على طائفة أخرى، ولا بد أن يكون من أراد وضع الثوم في فمه أن يتجنب رائحته الكريهة، فمن هو الذي وضع الثوم في فم المعشر؟ هل هو القصر أم حكومة الفايز؟
&&&& حتى "اتحاد الكتاب العرب" الذي يفترض انه منظمة مستقلة عن سياسات الدول وأهوائها ينجرف وراء هذه المواقف ذات النبرة السياسية المكشوفة، حين رفض مؤتمره الثاني والعشرون الذي عقد في الجزائر حضور وفد الكتاب والأدباء العراقيين، رغم أن الوفد جاء تحت رئاسة الناقد الكبير فاضل ثامر وهو اليساري المعروف وصاحب الأعمال النقدية التي لا يجادل أحد ممن شارك في هذا المؤتمر في قيمتها وأهميتها ورصانتها.
&&&& إن ما حدث في مؤتمر الجزائر يمثل أكثر المواقف العربية خزيا كونها مثلت مشاركة أكثر من طرف عربي لا سيما الجزائر وسوريا، وهو موقف لا ينبغي السكوت عليه سواء من مجلس الحكم العراقي أو من الأدباء والكتاب العراقيين،& ليس لأن "النخبة العربية المثقفة" خذلت كتاب العراق وأدباءه فقد خذلتهم باستمرار أيام الطاغية الجرذ، بل لأنها تعمدت فرض العزلة على العراق تماما كما فعلت من قبل مع مصر بعد زيارة السادات للقدس، لأن وراء مثل هذا المشروع التآمري محاولة لتصفية الحساب مع الأقلام العراقية المتألقة الجسورة، ومنعها من الوصول إلى الساحة العربية، بما يحقق لأشباه الكتاب والأدباء فرصة الظهور مثلما حصل بعد فرض العزلة على الكتاب والأدباء المصريين بعد قمة بغداد 1978، حين تعملقت أقلام قزمة، وتطاولت قامات كانت تلامس الأرض.
&&&& إنني لا بالغ في الحكم على الأهداف المبيتة لمؤتمر الجزائر، فثمة من الشواهد ما يكفي لدعمه وتأييده، ولنا أن نذكر كيف ظهرت في أعقاب فرض العزلة على مصر أسماء ما كان لها أن تظهر في مناخ غير المناخ الذي هيأته تلك القمة، وكمثال ساطع على ذلك، بروز الدكتور محمد عابد الجابري والذي كان مجرد باحث في التراث لا أكثر، على انه المفكر العملاق الذي لا يتجاوزه أحد في مشرق العرب ومغربهم، بينما حكم على مفكري مصر الكبار بالتجاهل والنسيان، ولم تشفع لهم مواقفهم المعلنة من زيارة السادات، لأن الهدف كان إسكاتهم وإفساح المجال للمتطلعين البائسين كي يتصدروا المواقع الفكرية الأولى.

&&&& لا أريد بهذا أن أظلم الجابري أو أن أبخسه حقه، فلكم أن تعودوا إلى أعماله الصادرة في الحقبة الماضية لتروا بأنفسكم كيف كانت مليئة بالفجاجة والتبسيط، أما مقالاته السياسية التي ما زال يدأب على نشرها فهي نموذج للسذاجة والتسطيح الفكري. والمفارقة، أن الجابري الذي يحرص على جمع كتاباته الصحفية في كتب مستقلة ويختار لها العناوين المثيرة، امتنع عن نشر السلسلة التي كتبها بعد غزو الكويت ونشرتها صحيفتا "المحرر" المغربية و"القدس العربي" اللندنية عن "النبي الجديد" و"القيادة العراقية الملائكية" و"الحزب ـ الرسالة الخالدة إلى العرب كافة والتي حفلت بالمقارنات العجيبة الغريبة بين النبي محمد وصدام، ليخلص منها إلى نتائج لم تخطر على بال أحد من رواة السير والمغازي.
&&&& من يتذكر الجابري هذه الأيام؟ أعني، ماذا تبقى لهذا الباحث المغربي ليقوله حتى يشغل أذهان القراء، كما ظل يشغلها طوال عقد الثمانينات؟
&&&& لا أغامر إذا قلت: لا شيء
&&&& صحيح انه ما زال يكتب في هذه الصحيفة الخليجية وتلك المغربية إلا أن ما يكتبه لا يكاد يختلف عما يملأ به غيره رقاع الصحف العربية بمواضيع إنشائية لا تسمن ولا تغني عن جوع، ولم يعد يحظى بتلك الهالة التي كان يتمتع بها لأنها كانت بالون هواء انفجر أخيرا من شدة النفخ السياسي.
&&&&& وبعد، فان محاولة مؤتمر الجزائر فرض العزلة على العراق ليس مجرد فرضية، فالنتيجة التي يراهن عليها المؤتمرون أو المتآمرون لا فرق هو إسكات الأقلام العراقية وعزلها عن محيطها العربي لتطفو من جديد على السطح فقاعات الأسماء المهملة وأشباه الكتاب.

صحفي عراقي ـ كندا
&&&&&&