مجدى خليل
&
&

&قبل أن نتحدث عن دور الأقباط في الشأن العام أو الخاص هناك عدد من الملاحظات الجديرة بالاعتبار:-
أولا: الأقباط أقلية مثل كل الأقليات في العالم تنطبق عليهم كل القواعد السياسية التي تحكم الأقليات، وسواء قبل أو رفض البعض هذه الحقيقة فهذا لا يقلل من كونها حقيقية سياسية يعرفها كل دارس أو متابع لأوضاع الأقليات عالميا، ومن ثم يجب على الأقباط أن يسلكوا ويتبعوا القواعد السياسية ويستفيدوا من القوانين و المعاهدات والتراث الدولي الذي يحمي ويحافظ على حقوق الاقليات. أما مقولة أن الأقباط أقلية من نوع خاص فهذا خطأ وكلام مجامل وغير علمي، أغلب الاقليات في العالم لها ظروفها وأوضاعها وتاريخها وشخصيتها الخاصة وهذا لا يلغي كونها أقليات تصنف وتحكمها نفس القواعد. تنازل الأقباط أو تهاونهم في تصنيف أنفسهم كاقلية هو بالأساس خسارة مؤكدة لهم.
ثانيا: وبناء على ما تقدم فإن التنوع أو التعدد ليس هو الطائفية فهناك تنوع لغوي وعرقي وديني وتعدد في القوي السياسية في أغلب الدول المتقدمة وكل هذا من مظاهر قوة المجتمعات وثرائها إذا تم وفقا لقواعد واليات وقوانين تحكم وتحمي وتحافظ على هذا التعدد من أجل مزيد من الثراء والقوة للدولة . الطائفية تعني جيوب معزولة ترفض الاندماج في نسيج المجتمع وتقف ضد القانون وتعمل ضد مصالح وتقدم البلد، وتسعى بكل الطرق لفرض ايدلوجية وثقافةخاصة ضد قيم التقدم،الطائفية تعنى تقسيم صارم للسلطلة بشكل تفتيتى تحول الدول الى مجموعة دول داخل الدولة ويكون الولاء الاساسى للطائفة وليس للدولة مما ينسف بشكل كبير اسس المواطنة. والتنوع والتعدد يعني أن كل عناصر هذا التعدد تعمل وتسعي للمحافظة على شخصيتها وتعظيم الاستفادة وتقليل خسائرها على اسس حقوقهم كمواطنيين وهذا يعتبر واجب اساسى لأفرادها وأعضائها و إلا سوف تنتهي حقوقهم وأوضاعهم بداية بالتهميش وانتهاء بالإبادة . وهذا ينطبق على الأقباط كما ينطبق على غيرهم .بل ان الديموقراطية نفسها ان لم تكن ممثلة لكل اطياف المجتمع بشكل عادل تكون ديموقراطية معيبة ومنقوصة،وهناك فرق كبير بين الديموقراطية التمثيلية وبين النظام الطائفى ولاهمية هذه المصطلحات سوف افرد مقال خاص للفروق بين البيروقراطية التمثيلية والديموقراطية التمثيلية ونظام التوزيع الطائفى.
ثالثا: أن هناك مصطلحا قبيحا تداول في الخمسين سنة الماضية وهو ان كل قبطي يحاول الدفاع عن حقوقه المنتهكة ينعتونه "بالطائفية" وهذا إرهاب للإقلية وللأسف أثمر نتائج ضارة وزاد من تهميش الأقباط وانتهاك حقوقهم. كل الدارسين والمتابعين للشأن القبطي خارج مصر لا ينعتون الأقباط بالطائفية بل ينعتوهم بالتقصير. الأقباط مقصرون في الدفاع عن حقوقهم لا شك في ذلك.
فلماذا يخاف الأقباط من إرهابهم بكلمة "طائفي" وهذا التعبير مجرد مصطلح محلي لإخافتهم، ولكن العالم كله يعترف بحقهم فلماذا يخضعون للابتزاز إذن؟ لا يستطيع اى مسؤول او سياسى او باحث مصرى ان يقف فى مؤتمر علمى فى الخارج ويصف الاقباط بالطائفيةلانه سينعت نفسه بالجهل او الكذب، فهذا المصطلح مصنوع خصيصا لارهاب وتخويف اقباط الداخل.
&الدولة بكل أجهزتها التنفيذية والأمنية والتشريعية والقضائية تنتهك الحقوق الأساسية للأقباط كمواطنين ويتجرأ الرعاع ويتهجمون على أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم، ويتعرضون للتمييز الفج في كل المصالح والأعمال والمدارس والجامعات وفي كل مناحي الحياة، ويقف المجتمع صامت صمت القبور أمام كل هذه الانتهاكات ومع هذا لو تجرأ قبطي وأعترض على هذا الظلم الصارخ لنعتوه "بالطائفية" وأحيانا يسلطون عليه بعض المنحطين لمهاجمته.
لا أقول الأوربيين اوالأمريكيين، بل الباحثين العرب في مجال حقوق الإنسان يتهمون الأقباط بالسكون والخنوع المزري للابتزاز ولانتهاك حقوقهم . العالم كله يعرف أن الأقباط مقصرون وفي مصر يستكثرون عليهم حتى مجرد الاحتجاج أو مجرد الاعتراض .
رابعا: كل القوى السياسية الموجودة في مصر حاليا من أقصي اليمين إلى أقصى اليسار ومن التيار الديني إلى التيار الحكومي يختلقون حول أشياء كثيرة الا شيئا واحد، وهو الاعتراض على أي خطوة حقيقية تحرك أوضاع الأقباط نحو المساواة الكاملة . لن أتحدث عن اعتراض كل هذه القوى على أي خطوة تعزز وضع الأقباط وفقا للقوانين والمعاهدات الدولية بحجة بائسة بأن هذا تدخل مرفوض في الشأن المصري ؟؟؟!!وإنما أتحدث عن ترحيبهم واحتفاءهم بكلمات قداسة البابا عن فلسطين وغيرها من القضايا المصرية والعربية وتجاهلهم واعتراضهم بل وهجوم بعضهم على اقتراحاته ببحث آلية مناسبة تضمن التمثيل العادل للأقباط ؟!! بل وكل القوى السياسية في مصر الآن تتحدث عن تعديل الدستور ويتناول النقاش معظم مواده إلا تلك التي يعترض عليها الأقباط ورفض إضافة اى مواد جديدة تحمي حقوقهم في إطار المواطنة المصرية ووفقا لاليات اليموقراطية التمثيلية التى ذكرتها.

&ولكن السؤال الهام أيهما الأكثر فائدة للأقلية أن تعمل وتشارك بفاعلية في الشأن العام، أم تكتفي بالشأن الخاص ؟
&أن طرح هذا السؤال بهذه الصيغة كأنك تخير شخص بين حبه لأمه وحبه لزوجته أو تخيره بين أبنه وأبنته !!
&العمل الخاص مكمل للعمل العام ولا يتعارض ولا يتناقض معه، والمجتمعات الإنسانية في سعيها الدائم نحو الحرية والكرامة والمساواة انطلقت في ذلك من العام والخاص، فعندما يتم توسيع الحقوق بالنسبة للخاص فهذا يصب في العام ويتجه المجتمع كله ناحية المساواة والحرية والديموقراطية .
&لم يحدث أن طالب أحد الأقباط أن ينعزلوا عن الشأن العام وإنما نحثهم دائما أن يتفاعلوا بكل حيوية وحماس مع الشأن العام وينخرطوا في كافة الأحزاب وفقا لاتجاهاتهم ويشاركون بفاعلية في كل تنظيمات المجتمع المدني، وفي نفس الوقت واجب أساسي عليهم أن يكون لهم تنظيماتهم الخاصة التي تسعي وتناضل بكل الطرق السلمية والقانونية ضد الظلم الواقع عليهم ولانتزاع حقوقهم المهدرة .
&كولن باول وكوندليزا رايس وهم في أعلى المناصب في الإدارة الأمريكية يشاركون في صناعة القرار لأكبر دولة في العالم والتاريخ وفي نفس الوقت يشاركون ويحضرون احتفالات السود و يدعمون منظماتهم الحقوقية للارتقاء بحقوق الأقلية السوداء في أمريكا،بل ان كولن باول بصفته وزيرا للخارجية ارسل ردا للامين العام للامم المتحدة اثناء مؤتمر العنصرية بان هناك بقايا للعنصرية والتمييز ضد السود وتسعى امريكا لمحاصرته ودافع فى خطابه عن حقوق السود كاملة فى المواطنة ولم يتهمه احد بتشويه سمعة امريكا، قارن ذلك بالوزير القبطى الذى يتحول الى كائن غريب يدافع او فى افضل الاحوال يتحول الى صمت ابو الهول امام انتهاكات الحكومة التى يشارك فيها لابسط حقوق الاقباط. مقدمة البرامج الأمريكية السوداء الشهيرة أوبرا ونفري وهى من أغني أغنياء العالم وتصنف دائما في مجلة فوريس ضمن أغني أغنياء امريكا وبرنامجها يشاهده عشرات الملايين في أمريكا فقط وحصلت للسنة الثانية على التوالى على لقب افضل مذيعة امريكية ومن قبل حصلت على هذا اللقب لعدة سنوات ومع هذا في كل مناسبة تقف كالصقر دفاعا عن حقوق السود ولم ينعتها أحد بالطائفية رغم أن أوضاع السود أفضل بمراحل كثيرة من أوضاع الأقباط. كما وصلنى استضافت أوبرا ونفري مؤخرا في برنامجها مصمم الأزياء الإيطالي العالمي تامي هليفجر وسألته هل أنت قلت أنني لو أعرف أن السود سيرتدون تصميماتي لما قمت بها، ورد قائلا أنا قلت السود والشرق أوسطيين واليهود فطردته على الهواء مباشرة من البرنامج . وأنا لم أشاهد البرنامج ولا اعرف ان كان هذا حدث ام انه جزء من الحروب التجارية ولكنني تلقيت فاكس بنص الحوار والمطالبة بمقاطعة منتجاته لأنه شخص بذئ وعنصرى. ورغم دفاعها الدائم بشكل راق عن حقوق السود لم يتهم أحد أوبرا أنها تحرض على الطائفية او تشوه امريكا بل هى محل تقدير واحترام كبيرين لدى المواطن الامريكى.
&الاهتمام بالشان العام لا يلغي الخاص وإن لم يدافع الأقباط عن حقوقهم وخصوصيتهم وأوضاعهم فمن سيدافع عنها اذن؟ ستكون النتيجة ضياع حقوقهم السياسية والثقافية وابتلاعهم داخل اطارثقافى يكرس وضعهم كذميين واطار سياسى يصنفهم عمليا كمواطنيين من الدرجة الثانية.
&
&