سعد الله حرب
&

ستمائة محامٍ من بلد واحد تطوعوا - حتى الآن - للدفاع عن (حارس البوابة الشرقية)، بطل الإبادة الجماعية والجرائم الإنسانية بكل صنوف الأسلحة، بما فيها الأسلحة الكيماوية.
ومع أن العبرة والأهمية للنوعية والكيفية، ولم يعد للكمية والعدد أي وزن أو قيمة، إلا أن هذا الرقم يعطي فكرة واضحة ومؤلمة على عمق الهوة التي سقطت فيها النفوس، وضبابية الرؤية، واختلال الموازين، والانحدار المخيف لقيم الخير والشر والحق والعدالة والجمال، وانهيار المبادئ والمثل.
إن الفكرة النمطية السائدة عن المحامين أنهم لا يهتمون بالحق والباطل ولا يعنيهم إن كان المتهم بريئا أم مذنبا، وأن المال همهم الأول والأخير، وعليه فإنهم مستعدون للدفاع عن الشيطان طالما كانت الأتعاب مجزية.
ومع أن هذا التعميم مجحف بحق بعضهم إلا أن بعضهم الآخر يأبى إلا أن يعزز هذا المفهوم السائد في أذهان الناس، ويجعله حقيقة مؤكدة، ويتنادى للدفاع عن الشيطان.
&وكنت أظن أن رجال القانون يدافعون عن القيم العليا للمجتمع، ويسعون إلى تحقيق العدالة وإحقاق الحق وإنصاف المظلوم ومعاقبة الظالم المعتدي، كنت أظن هؤلاء سيدافعون عن المرأة التي يغتصبها ذويها، أو التي يطمعون في إرثها ومالها، ثم يذبحونها مدّعين غسل العار والدفاع عن الأخلاق والشرف، كنت أظنهم سيدافعون عن الفتاة التي تُزوج ولما تبلغ السن القانونية بعد، أو عن الفتاة التي تُزوج رغما عن إرادتها، وتلك التي يسومها زوجها مر العذاب ولا تستطيع الفكاك من قيوده وأغلاله، كنت أظنهم سيطالبون بقانون جديد متطور منصف للأحوال الشخصية، وسيدافعون عن حقوق الإنسان المنتهكة وبالأخص حقوق المرأة ويطالبون بالمساواة بين الجنسين، كنت أظنهم سيدافعون عن الأطفال المشردين وحقهم في المسكن والغذاء والرعاية الصحية والتعليم، كنت أظنهم سيعترضون على مصادرة الكتب ويدافعون عن حق الكتّاب في التأليف والترجمة والنشر، وعن حق الناس في التعبير عن آراءهم، وعن المعتقلين، والحريات الشخصية والعامة، وأنهم سيهبون هبة رجل واحد ضد الخرافة والتخلف والجهل والشعوذة الذين استشروا، وصاروا وباء ينخر عظام الناس، ويجتاح بلدهم والبلدان الأخرى التي يدّعون انتماءهم وحبهم لها، كنت أظنهم سيدافعون عن حق مواطنهم في المسكن والملبس والغذاء والعمل، وعن الفتيات القبطيات القاصرات اللواتي يُختطفن بدعوى أنهن سبي، ويغتصبن دون رادع من أخلاق أو ضمير، كنت أظنهم سيتنادون للوقوف ضد الطائفية والعنصرية والمذهبية والعشائرية والقبلية، وسيدافعون عن حرية الآخر وحقه واحترامه والتعاون معه، كنت أظنهم سيدافعون عن الفقراء والمحتاجين والمعوزين، عن فقراء العراق الذين سلبهم الطاغية وطنهم وأبناءهم وأرزاقهم وأموالهم، وذبح معيليهم، كنت أظنهم سيدافعون عن المدفونين أحياء في المقابر الجماعية من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، وعن الأيتام الذين فقدوا ذويهم في الحرب ضد إيران، واحتلال الكويت، وعن حقوق ستمائة أسير كويتي أُبيدوا بأمر من الطاغية في عراق صدام، كنت أظن أنهم سيدافعون عن الفتيات اللواتي اغتصبهن ذلك السادي المتخلف المقبور عدي صدام حسين على مرأى ومسمع من آباءهن وأشقاءهن وأقرباءهن، وعن الرياضيين الذين أذلهم وأهانهم وعذبهم، كنت أظنهم سيدافعون عن الأطفال والأزواج الذين اختطفَ عنوة - من أسموه حارس البوابة الشرقية - أمهاتهم وزوجاتهم وأجبرهم على تطليقهن، كنت أظنهم سيدافعون عن الآلاف الذين قضوا بالأسلحة الكيماوية، وعن أربعة ملايين عراقي تشردوا في أنحاء العالم خوفا من الموت الذي ينتظرهم في بلادهم، كنت أظنهم سيدافعون عن سجناء الرأي الذين قُضي عليهم في سجون القائد الضرورة، وعن المعتقلين الذين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب الوحشي، وعن الذين قُطعت آذانهم وألسنتهم ووشموا في وجوههم في عراق الخوف والموت والفقر والمهانة.
&كنت أظنهم يتنادون للقتال ضد المحتلين الصهاينة، وأنهم عاقدون العزم على الاستشهاد دفاعا عن القدس والخليل وغزة. كنت أظنهم سيدافعون عن شرف الوطن والمواطن أبوا إلا أن يدافعوا عن الطغيان والعار، والذل والخنوع، واللصوص وقطاع الطرق، والقبلية لكنهم والعشائرية، والقتلة والساديين، والشيطان وصدام.
&