&
أحمد نجيم من الدارالبيضاء: منذ أسابيع تغير سوق " درب عمر" بمدينة الدار البيضاء، بوصول "العرق الأصفر ". هذا السوق كان حكرا على الأمازيغيين المغاربة ويعد المركز التجاري الأهم في البلاد. أصبح الصينيون مكونا من مكوناته وسط الدار البيضاء. في هذا السوق تباع عدة أنواع من المواد من الأثواب إلى الأواني المنزلية مرورا بالكتب والمواد الغذائية بكل أنواعها. كان الحضور الصيني في المغرب يقتصر إلى حدود سنوات قليلة على مجموعة من الأطباء المختصين في العلاج بواسطة الوخز بالإبر، واشتهر مستشفى بمدينة سطات (جنوب الدارالبيضاء) في توظيف تقنية التداوي هذه، وهكذا أرتبط الصيني في ذهن المغربي بهذه الطريقة التقليدية في العلاج، بيد أن ظهور التجار الصينيين كشف عن "التاجر الذي يبيع "سلعا جيدة بأثمنة رخيصة وذات جودة عالية" كما يقول أحد زبناء المركز التجاري الصيني بالدار البيضاء.
&
&الطريق إلى المركز التجاري الصيني
كل باعة سوق درب عمر يدلون السائل عن "الشينوا" كما يسميهم المغاربة وهو تحريف لاسمهم بالفرنسية،بعضهم يفعل ذلك بطريقة عفوية وآخرون حذرون من هيمنة محتملة على تجارة
&توارثوها منذ عقود. اختار الصينيون موقعا استراتيجيا في "درب عمر" إذ استأجروا زقاقاً يتكون من مجموعة من المحلات التجارية، وكتبوا عليها "المركز التجاري الصيني" بثلاث لغات الفرنسية والعربية والصينية. أكثر من نصف المحلات مازالت تنتظر الإعداد، الصينيون الذين انتقلوا إلى الدار البيضاء جاء عدد قليل منهم من السنغال، كما يقول تاجر بالجملة بدرب عمر، هؤلاء متحفظون جدا في الحديث مع المغاربة، معرفتهم باللغة تقتصر على جمل محدودة جدا باللغة الفرنسية.
&
لغة الإشارة
يتحدث الصينيون في المركز التجاري لسوق الجملة بدرب عمر مع المغاربة بلغة الإشارة، فكل سائل عن أثمنة المنتوجات يجيبونه بلغة فرنسية ركيكة أو بالإشارة إلى علامات كرتونية&كتب
&عليها ثمن كل منتوج على حدة أو بكلمة من العامية المغربية، حتى في محاولاتهم إقناع الزبون باقتناء أكثر من منتوج يستعملون إشارات تدل على جودة المنتوجات وجماليتها. المغاربة العاملون معهم يقولون إن أخلاقهم طيبة "إنهم أناس طيبون غير أنهم بخلاء" " كما يقول أحد العاملين المغاربة مع تاجر صيني.
هذا المركز أصبح قبلة للزبائن والتجار المغاربة الباحثين على منتوج صيني بثمن رخيص إلى تجار بعض الأسواق بالدار البيضاء وخارجها. قطاعات مغربية مهددة
حتى الآن لم ينزعج تجار الجملة المغاربة من هذا الدخول الصيني إلى أكبر سوق تجاري، "تأثيرهم مازال محدودا لأنهم يعرضون سلعا غير موجودة في السوق" يقول أحد تجار الأواني المنزلية بدرب عمر، بينما تحدث تاجر آخر عن "بركة" حملوها معهم"مجيئهم كان في صالح هذا الزقاق المنسي بدرب عمر أصبح الكل يعرفه، وكان لهذا انعكاس على رواج سلع تجار الزقاق إنهم نفعونا أكثر مما أضروا بنا ".
غير أن الترحيب بالصينيين في درب عمر لا يحظى بإجماع التجار المغاربة، "إنهم لا يشكلون خطرا علينا في الوقت الحاضر، لأنهم أذكياء، اختاروا إدخال سلع غير موجودة أو قليلة في السوق، بيد أن الأمر سيختلف مستقبلا، عندما يعرضون سلعا موجودة وبسعر منخفض، خاصة الأثواب والشاي، آنذاك سيختفي التجار المغاربة من هذا السوق حتما".
هناك قلق آخر عبر عنه تاجر للأواني المنزلية البلاستيكية "إنني أبيع الأواني المصنعة محليا وإدخال الصينيين لأواني صينية سيؤدي في المستقبل القريب إلى إغلاق ليس محلي فقط بل عددا من المصانع التي تزودنا بالسلع وتشغل يدا عاملة مغربية مهمة".
&ويهدد الإنتاج الصيني كذلك السيراميك والرخام المنتجان في المغرب وكان مستثمرون مغاربة عبروا عن قلقهم الشديد لولوج المواد الصينية المصنوعة من السيراميك والرخام للسوق المغربية بأثمنة منخفضة، وأكدوا أن هذا ينذر بانهيار تام للصناعة المغربية لهاتين المادتين. وكان حسن الشامي رئيس اتحاد رجال الأعمال المغاربة عبر عن قلقه من هذا "الغزو الصيني" واعتبر أن رجل الأعمال المغربي يعيش منافسة غير متكافئة مع غزو هذه المواد للسوق المغربية، فيدرالية صناعة مواد البناء أكدت بدورها في دراسة نشرت في صحيفة ليكونوميست المغربية المختصة في الاقتصاد، أن الاستهلاك الوطني من السيراميك سيصل إلى 100 ألف متر مربع في العام مقارنة ب37حوالي ألف متر مربع في السنوات السابقة وتحدثت عن منافسة الإنتاج الصيني للإنتاج المغربي من السيراميك. تجدر الإشارة إلى أن قطاع السيراميك في المغرب قوي، إذ يحتل المغرب الرتبة 23 عالميا ويصل إنتاجه إلى 37 مليون متر مربع، في حين بلغ إنتاج المغرب من الرخام في العام الماضي قرابة 374 مليون درهم. الصينيون يصلون أسواق تجارية بأحياء الدار البيضاء
بعيدا عن درب عمر وقرب القصر الملكي في حي " الحبوس " في درب السلطان بدأ الصينيون يهتمون بهذا المركز، شابة صينية في الثلاثين من عمرها تتخذ عربة خشبية في ركن استراتيجي. تجار هذا المركز يعرفون الشابة الصينية، ولكنهم لا يتعاملون معها، "كنت البائعة الوحيدة في هذا المكان منذ ثلاث سنوات بعد فترة قصيرة أعتدى علي عدد من الباعة المتجولين" تقول الصينية بلغة فرنسية ممزوجة بعربية ركيكة. جاءت هذه الصينية التي ترفض الإدلاء باسمها وبمعلومات عن الأرباح التي تجنيها، إلى المغرب لدارسة التجارة في معهد مختص، بيد أن القدر جعلها تتزوج مغربيا وتقيم في المدينة القديمة بالدار البيضاء.محاولة منها للاندماج في محيط ظل حكرا على أبناء الحي، تعلمت الشابة القادمة من بكين الدارجة المغربية "أعرف كلمات محدودة تتعلق بالإجابة على أسئلة الزبناء".
الصينيون يستغربون من أن الباعة المتجولين في المغرب من الفقراء تقول الفتاة الصينية" التجارة في الصين قرب المراكز التجارية وفي الأزقة عملا محترما يقوم به أناس ليسوا فقراء كما في المغرب". الصينيون ظهروا كذلك في بعض الأحياء بمدينة الدار البيضاء مثل "الحي الحسني" وليس مستبعدا أن تظهر "تشاينا تاون" بأحد أحياء الدار البيضاء في المستقبل القريب، خاصة مع ظهور مطاعم مختصة في الطبخ الصيني أو الطبخ الأسيوي، فمدينة الدار البيضاء تشهد ولادة جالية صينية يتزايد عددها باستمرار.

&
الوسطاء في خبر كان
التجار الوسطاء أول المتضررين من غزو المواد الصينية للأسواق المغربية، ذلك أن دخول التجار الصينيين تم بطريقة مدروسة، فبعد أن وقف الصينيون على حجم الإقبال على المنتوجات المصنعة في المدن الصينية
من قبل المغاربة في المعرض التجاري الصيني أواسط يناير ( كانون الأول) من العام الماضي أقدم أرباب العمل وغرف التجارة الصينية على افتتاح مركز تجاري بالدار البيضاء، هؤلاء التجار يبيعون سلعهم بالجملة حيث تأتيهم مباشرة من السوق الصينية وبدون وسيط. وكانت شركات صينية ظهرت في المغرب تقوم بالوساطة بين التاجر المغربي والسوق الصينية، هذا أثر بشكل كبير على الوسيط المغربي الذي يفقد يوما بعد يوم دوره، من بينها "مكتب الاتصال لتشجيع المنتوجات الصينية في الشمال الإفريقي" المسمى "تشاينا توليندو" ويعرض هذا المكتب مواد مختلفة على التجار المغاربة من الشاي الأخضر والمواد الكيماوية والنسيج ومواد استهلاكية ومعدات طبية، وأنشأ رجل أعمال صيني هذا المكتب ليس فقط للهيمنة على جلب المواد الصينية للمغرب، ولكن ليتخذ منه الأخير لبلوغ أسواق المغرب العربي.
هذا الغزو الصيني جاء بعد زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس للصين في فبراير (شباط) من عام 2002 وزيارة الرئيس الصيني جانع زيمينغ للمغرب عام 1998، وانعكس هذا التعاون السياسي اقتصاديا على التعاون بين البلدين، وبلغ حجم المبادلات بينهما عام 2002 ما مجموعه 573 مليون دولار.