عبدالله الحكيم
&
&
يميل بعض كتاب الرواية الأمريكية في تناولاتهم الأدبية لمدينة بانكوك بتصويرها عاصمة للملذات الرخيصة، بحيث يمكن للأمريكي بقليل من النقود تناول أطعمة فاخرة ذات قيمة غذائية عالية. وبعد فترة استرخاء بامكانه ترويض عضلاته بمساج دافئ ولاحقا تتويج متعته الحسية بجنس رخيص. وفي مرويات أدبية نجد أن بانكوك ليست بأكثر من مدينة تدمن البغاء.
اذا قرأت رواية حقول الزبدة لجون أوهارا، فسوف تجد أن تلك رواية تتناول مومس تايلندية من بانكوك تتوق الى الاستقامة. لكن رواية بانكوك 8 للروائي جون بيرديت لا تناقش موقفا مصيريا لعاهرة واحدة في طريقها الى الاستقامة، بل تصور الرواية بانكوك أنها مدينة متكاملة للبغاء. وفي حين أنه تبعا لأدبيات المتاب الانساني يمكن لمومس واحدة أن تتوق الى الاستقامة، نجد أن رواية بانكوك 8 تؤكد أن الاستقامة هي آخر شيئ يمكن أن تتوق اليه المومسات. |
غير أن الرواية تقترح علينا من خلال سيناريوهات المكان مشاهد تاريخية تعود الى فترة ما بعد نهاية الحرب الفيتنامية، ولذلك فهي تعتمد من ناحية الشخصيات على انعدام الضمير الأخلاقي في الشارع التايلندي، اذ لا يوجد خيرون مطلقا، فرجال الشرطة بمختلف رتبهم العسكرية فاسدون الى العظم.
وأما الناس العاديون فهم أيضا يتعايشون مع تشكيلة كبييرة من عاهرات على رأس الخدمة ومومسات متقاعدات وتجار مخدرات، فيما يطل علينا أروع (مشهد مثالي) عبر الرواية لموظفين من سلك التحريات وصلوا للتو قادمين من واشنطن الى مدينة الملذات.
وأما الناس العاديون فهم أيضا يتعايشون مع تشكيلة كبييرة من عاهرات على رأس الخدمة ومومسات متقاعدات وتجار مخدرات، فيما يطل علينا أروع (مشهد مثالي) عبر الرواية لموظفين من سلك التحريات وصلوا للتو قادمين من واشنطن الى مدينة الملذات.
ولا تسقط رواية (بانكوك 8) من المشهد الروائي توظيفا عابرا لجراح تايلندي ماهر يمتهن بمقابل مادي مجزي تحويل فتيات الى شباب وتدجين الشباب باضافة لمسات أنثوية الي مؤخراتهم وصدورهم حسب الطلب تمهيدا لتكريسهم الى الشارع التايلندي بترويج تجارة الجنس لأنصاف السيدات.
وللوهلة الأولى كما هو معمول به في أساليب الخداع السينمائي يطل علينا في الفصول الأولى للرواية الأمريكية ضابط بحرية يقود سيارة مرسيدس فارهة ويتعقبه أثنان من البوليس السري، وفجأة& يفلت من كمين صغير مخبأ داخل السيارة بعناية بحيث يتفادى خروج ثعابين لتلدغه لكي يموت سريعا بمجرد سريان السم في دمه.
أمثال هذه السيناريوهات تصلح نموذجا جيدا لاستهلال فيلم أمريكي عبر اشتقاقات روائية، بحيث تنكب السينما عبر تفاصيل مسكونة بالاثارة على صناعة مشاهد وتدجين المتلقي الأمريكي بحبكة ترضي فضوله، اذ هو يقرأ الرواية ويكتشف مناطق مسكونة بفنتازيا اللذة وتدجين حواسه الجنسية.
غير أن الروائي بيرديت هو في النهاية كاتب أمريكي وهو يريد اغراء المتلقي الأمريكي بالتفكير على النحو النقيض الذي أعتادت عليه العقلية الغربية بتكريسها العلاقة بين الدافع والنتيجة على أمل أن يجرب القارئ الامريكي التفكير على طريقة بوذي تعيس يتعايش مع مصيره الذل آل اليه دون ربط مقدمات بالنتائج.
هنا يلجأ الروائي الأمريكي الى أدبيات الخداع المثير فيستعير صوتا محليا من البيئية التايلندية لكي يوهمنا أنه غير متحامل من نواح أخلاقية في تجريمه المجتمع الشرق الأسيوي، ولذلك فهو يخترع لنا راويا محليا في صيغة بوليس سري يتولي مهمة القص نيابة عنه من داخل السيناريو الروائي نفسه.
ولكون الروائي الأمريكي يحسب نفسه وفكره في عداد النزاهة فهو أيضا يخترع بديلا روائيا لا يقل نزاهة عنه، بل يذهب أبعد من ذلك حيث يوحي للقارئ أن الرواي المحلي سوتشي جيتبلسشيب هو آخر تايلندي نزيه لا يزال باقيا على عهده بالنزاهة، بعد أن فقد زميله الوحيد في اداء الواجب الأمني بلدغة ثعبان كوبرا داخل السيارة.
هنا يستعير الروائي الأمريكي منعطفات الدراما الهندية لكي يرسم لنا من خلال فصل آخر ساتشي التعيس، وهو يقسم بالانتقام لزميله الشرطي في اداء الواجب حيال اليد التي دست له ثعبان الكوبرا داخل السيارة.
لكن الأكثر من هذا وذاك أن ذاكرة سوتشي تعود به الى الوراء لكي يتكشف لنا كيف ألتقى بمواطنه الزميل في اداء الواجب، اذ أنه تعرف عليه من خلال والدته التي تمتهن مع أمه الدعارة جنبا الى جنب، فقد جاءت المرأتين أساسا برسم زمالة مهنية وحميمية من قرى مجاورة الى مدينة بانكوك للعمل فيها عاهرتين في أوكار البغاء التي أفرزتها نهاية الحرب الفيتنامية.
لكن المشكلة لا تنتهي هنا بحسب وميض الفلاش باك الذي يكثف مواجع درامية بمباركة اللمسة الأمريكية، بل على العكس فقد قرأ هذه الرواية محرر الشأن الأدبي في جريدة النيويورك فكتب معلقا الآتي: (لا يوجد شيئ يثير الاشمئزاز حول الطريقة التي تقدم لنا من خلالها الرواية الأمريكية شخصية والدة الشرطي التايلندي النزيه أو أيا من العاهرات الأخريات في تايلند. أن تايلند هي عبارة عن بلاد تقل فيها فرص المعيشة للنساء، وقد وجدت المرأتان في ممارسة البغاء عملا يكفل لهما الرخاء والاستقلال. وللواقع، والكلام هنا أيضا متصل للناقد الأمريكي، محرر الشان الأدبي، ديفيد مكلوخ، تعتبر تلك المرأتين نموذجين لرأسمالية خصبة ومفعمة بالتجارة الحرة.
أنه يشير دون مواربة الى كون هاتين العاهرتين اللطيفتين تختلفان كثيرا في موقفهما حيال ممارسة الدعارة من مومسات روسيات يعشن في بانكوك وهن يتجهمن نكدا بسبب أنهن قبلن بالرضوخ لادارة القوادين ممن يشرفون على ادائهن الدعارة.
أنه يشير دون مواربة الى كون هاتين العاهرتين اللطيفتين تختلفان كثيرا في موقفهما حيال ممارسة الدعارة من مومسات روسيات يعشن في بانكوك وهن يتجهمن نكدا بسبب أنهن قبلن بالرضوخ لادارة القوادين ممن يشرفون على ادائهن الدعارة.
ولا يتوقف الناقد الامريكي عن تناوله مسوغات رائعة لادبيات الاستقلال فهو مثلا يذكر لنا من واقع سرديات روائية كيف أن والدة الشرطي النزيه أستطاعت تسويق المهيجات الجنسية بين فئة الضامرين جنسيا واستطاعت لاحقا تطوير أرباحها عندما أفتتحت ناديا للدعارة بشراكة مدير مركز الشرطة الذي يعمل أبنها تابعا اليه.
ولكي تصبح الرواية أكثر تشويقا، يقدم لنا الروائي الشرطي النزيه الذي هو ابن المومس البورجوازية بملامح شقراء وأنف مدبب، لأن الشرطي النزيه يكتشف بحسب تفاصيل الرواية انه ليس سوى نتاج أمريكي من ناحية أبيه الذي هو أساسا مواطن أمريكي تعرف على والدته والتقى بها ذات يوم وكان سببا في انجابه، ومع ذلم فلم ير الشرطي التايلندي التعيس والده لوقت طويل مكتفيا بأن يقبل مصيره كنقطة مضيئة بحسب الطرح الأمريكي وسط مدينة عاهرة تعج ليل نهار بالمخدرات والفاسدين وأعمال البغاء.
تلك هي أعمال الايديولوجيا الأمريكية من خلال الأدب. انها ترفض مساواة العاهرة الروسية بعاهرة أخرى من تايلند، فالأولى تستجيب لمبدأ الرأسمالية الذي يمنح الاستقلال للعاهرة، وأما العاهرة الروسية فلا تزال تمارس المهنة بدواع مركزية. انها لا تملك حق الاختيار، ولذلك فلا يمكن لها أن تكون مومسا فاضلة، وأما الشرطي سوتشي فهو مثال للنزاهة لأنه من نواح جينية يعتبر هبة مجانية من مواطن أمريكي قبل بأن يكون شريك متعة لتلك المومسة التي بفضل لمساته السحرية حصلت لاحقا بعد انجابها الشرطي على حقوق الملكية الفكرية لأعمال الفضيلة برعاية أمريكية غائبة.
&








التعليقات