&
كنت قد قرأت خبراً في صحيفة الشرق الأوسط عن قانون جديد أعد في بريطانيا لحماية الأطفال ليساند المشروع الذي أقامته سلطات الخدمة الاجتماعية وذلك بإعداد قاعدة معلومات إلكترونية سرية تتضمن أدق التفاصيل عن الحياة الشخصية والعائلية لأي طفل في بريطانيا منذ ولادته وحتى بلوغه الثامنة عشرة، ولا يحق لأي أحد الاطلاع عليها حتى الوالدين، ويهدف هذا المشروع إلى الحفاظ على الأطفال من الاستغلال بكافة أنواعه أو الإساءة.
فكيف هي حال الطفل السعودي؟
لا تستعجلوا الإجابة ودعونا نفكر ملياً، وندرس ما حولنا قبل أن نجيب. وحتى لو أردنا أن نجيب فإنه قد يصعب علينا ذلك، لانعدام المصادر الدقيقة والمعلومات الموثقة التي يمكن أن نعتمد عليها في تقييم الأوضاع التي يمكن أن ينشأ فيها الطفل السعودي في الطبقات المختلفة.
وذلك بسبب عدم وجود مؤسسة حكومية متخصصة لدراسة وتتبع واقع الطفل وحالته في أسرته، ومدى رعاية الأسرة له الرعاية الصحيحة وعدم إساءتها له أو تقصيرها معه.
وعندما نبحث في حالات الجرائم والإدمان والاكتئاب أو الانتحار وغيرها من الانعطافات والاضطرابات النفسية لأي فرد من المجتمع سنجد أن كثيراً منها يبدأ في مرحلة الطفولة.
أذكر أن زميلة لي تعمل طبيبة في إحدى المستشفيات جاءها طفل في حالة إسعافية وبه كدمات ورضوض وجروح ادعى والده أن سببها هو سقوط الطفل من الدرج ولأن سن ذلك الطفل لا تتناسب مع هذا النوع من الإصابات، وكذلك توزيع الكدمات وشكلها لا يتناسب مع الرواية التي ذكرها والده، ونظرات الطفل المذعورة وتعامل الأب القاسي، فقد شكت الطبيبة بأن الطفل قد أصيب وتأذى لسبب آخر قد يكون والده أو أي فرد من عائلته وراءه.
تقول تلك الطبيبة: فكرت كثيراً بأن أبلغ عن هذه الحالة المؤسفة وأنا استمع لدقات قلب ذلك الطفل المسكين وهي تكاد تقفز من صدره من شدة الخوف والألم، ولكني ترددت خشية على الطفل من عاقبة ما سأفعله، فقد يثير بلاغي عن الحالة حنق الأب وغضبه فيصب جام غضبه على الطفل ووالدته، كما انه قد يمتنع عن إحضار الطفل للإسعاف في حال تكرار الموقف حتى لا ينكشف أمره، والأمرّ من ذلك كله أني كنت في شك من مدى الكفاءة المتوفرة لدينا في التعامل مع مثل هذه الحالات ومتابعة وضعه في أسرته وضمان حقه وسلامته.
حالات كثيرة يعلم بها البعض ويشاهدها آخرون للإساءة للأطفال نقف صامتين أمامها وحائرين حيالها. فهل يمكن أن يبلغ أي شخص عن قريب له يسيء معاملة أهله وأطفاله؟
وهل يمكن أن يبلغ جار عن مشاهد متكررة للإساءة للأطفال وضربهم يقوم بها جاره؟
في معظم الأحيان تكون الإجابة لا...
هل لأننا نخشى التدخل في شئون الآخرين ؟ أم لأننا لا نرى لنا أي حق في حماية المستضعفين من أفراد مجتمعنا؟
والآكد من ذلك أننا نفتقر للمؤسسة الاجتماعية المتخصصة التي لها كادرها المدرب والمتخصص في علاج مثل هذه الحالات وتتبع أحوال الأسر، ودراسة مدى استقرارها العاطفي وتوفر شروط الرعاية فيها يمكن أن نستعين بها أو نطلب تدخلها إذا احتجنا لذلك.
قد يستغرب البعض هذا النوع من المطالبات وهو يرى أولاده من حوله وهم ينعمون بالرعاية والاهتمام والدلال.
فهنالك أطفال آخرون يتأذون ويبكون لا أحد يسمعهم، ضعفهم وتخاذل من حولهم يزيد من معاناتهم وألمهم، ليحيلهم مع الوقت إلى أشباح حائرة تحمل الحقد في جوفها أو الألم والهروب من ظلال الماضي، ليشبوا ويترعرعوا كمجرمين حاقدين أو مدمنين ضائعين أو مرضى نفسيين مهملين، وجميع هؤلاء طاقات مهدرة يخسرها الوطن وتتعطل فاعليتها وتضيع مواهبها، بسبب الغفلة والإهمال والتقاعس عن الإرشاد للحق وتصويب أي خطأ في المجتمع.
فما الذي يمكن أن نقدمه لنضمن حق وسلامة هؤلاء.