أجرى الإستفتاء وقدّم له:
أحمد عبد الحسين

&

هذه اسطورة عراقية جديدة، شيء أشبه ما يكون بماكوندو ماركيز التي انبثقت من عدم وانتهت الى عدم، لكنها حقيقية. كنا نرفب من بعيد، وبأسى يائس، كيف ان جموعاً من الناس الذين وجدوا أنفسهم ثائرين ضد أبشع سلطات القرن العشرين، انتهى بهم الأمر الى ان يجدوا في الصحراء ملجأ لهم من الدبابات والطائرات التي أطلقتها أوامر قائد مهزوم وباركتها دول بعيدة وقريبة. رأيناهم وراء أسلاك شائكة في صحراء على مدّ البصر يصنعون مدينتهم، مدينة عراقية بأحزاب وطوائف، قوميات وأديان، أسواق ومنتديات، مدارس ومقابر!
هذا السجن الرمليّ الفسيح الذي وُضع فيه أبناء الماء كان ضاجّاً بالحياة، صاخباً، ودموياً في أحيان كثيرة.
وبالضدّ من غلظة الصحراء وقسوة ساكنيها كانت المدينة ـ المخيّم (رفحاء) تترقرق شعراً. كانت قطعة من شعر العراق، ولكلّ جيل فيها حصة. ببطء وشدّة يأس نمت شجرة شعرية عراقية جديدة، لكنها غريبة.
لا أذكر اني قرأت دراسة عن الشعر العراقيّ في المنفى كان لرفحاء نصيب فيها، اذا استثنينا إشارات كانت، على ندرتها، مكتوبة من قبل شعراء هذه التجربة أنفسهم.
الناقد العراقيّ (لكن أين هو؟) مثقل بواجبات تفرضها عليه عبادته للمناهج التي يتبارى وأقرانه في اللهاث وراءها، تلك المناهج التي يستلمها الناقد هي وظواهرها جاهزة من بلد المنشأ، فلا يجد في نفسه الأهلية ولا القدرة على تتبع الظواهر الشعرية التي تحدث أمام أنفه. ثم أن نقادنا وأشياعهم تواصوا منذ عقود على أن الحديث عن كلّ ماله أدنى ارتباط بواقعة خارج واقعة النصّ المكتوب سيفسد مزامير النظريات الجديدة (هل مازالت جديدة؟). أضف الى ذلك كله ان الكلام عن شعر المنفى العراقيّ توقف (لسبب لا يعلمه الا الله وبعض الأحزاب العراقية) عند من غادروا أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات بعد الهتك الذي تعرض له مثقفو اليسار، الى الحدّ الذي سمح بعض الشعراء لأنفسهم أن يسحب صفة المنفيّ من شاعر سبعيني قضى أكثر من عشرة أعوام مشرداً في بلاد الله، وكان كلما ذكره يورد اسمه باعتباره من (أدباء الداخل).
كان لمنفانا أباطرته الذين يملكون صكوك الغفران، وبأيديهم لا بأيدي سواهم الختم المقدّس لهذه المنافي السعيدة.
شعراء (رفحاء) كانوا رهائن هذه المحابس، ولهذا نسينا تجربتهم التي هي بكل تأكيد أقسى من تجربة سائر الشعراء المنفيين الآخرين الذين كانت نعمة المنفى تخالط غربتهم، وأضواء الإعلام وبروقه تقطع ليل حنينهم الى وطنهم، والإعتراف بهم كمنفيين يجعل المنفى ذاته برداً وسلاماً.
هل يمكن الكلام عن الشعراء أنفسهم بعد الآن دون أن نساءل هذه التجربة المريرة التي مروا بها؟
هل بمستطاع ناقد أو باحث أن يتناول نصاً لأحد هؤلاء الشعراء دون أن يكون حاضراً في ذهنه انه نضج عميقاً على هضاب رملية قلّبته على مجامرها حتى عاد الينا مثقلاً بأغانٍ ليست كأغانينا وان كانت لنا وعنّا.
اندثرت (جمهورية رفحاء) الآن. تفرّق مواطنوها في الأقطار وعادت البقية الباقية منهم الى العراق.
اختفت ... المدينة التي أسسها منفيون أبناءُ ماء، عادت الى أصلها: صحراء قاحلة.
وظل الشعر. كما جاء في الوحي الهولدلريني (ما يبقى يؤسسه الشعراء).
اليهم توجهنا بأسئلة أردناها مفاتيح محرضة على خلق مناخ للقول وليست لغرض الإستنطاق، فمنهم من وقف على حدود السؤال واكتفى به، ومنهم من أعانته الأسئلة على القاء سؤاله الشخصيّ وجوابه معاً.
&
أسئلة الاستفتاء:
القسوة اسم آخر للمنفى.
غير ان القسوة تكون مضاعفة ان كان المنفى صحراء والمنفيّ شاعراً.
ولقد عشت أنت هذه التجربة المريرة.
وعليه أتوجه اليك بهذه الحزمة من الأسئلة التي يراد منها استجلاء تجربة النفي الصحراويّ الذي عشته في مخيمات رفحاء:
&
ما أثر التيه الصحراويّ على قصيدتك؟
&بم يحتفظ شعرك من تلك السنين القاحلة؟
هل كتبت هناك أم توقفت عن الكتابة؟
ان كنت توقفت فلمَ؟
وان كتبت فهل كنت تعمل على جعل نتاجك المكتوب في تلك السنوات ذا جنبة توثيقية؟
هل تعتقد ان سنوات الصحراء خلقت سمات مشتركة لدى الشعراء الذين عاشوها؟
كيف تنظر الآن الى تلك التجربة بعد أن أصبحت ذكرى؟

&
الحلقة الأولى من الأجوبة&الجمعة المصادف 26 أذار
حميد حداد وشعلان شريف

&
ملاحظتان:
ليأذن لي الشاعر طارق حربي باستعارة عنوان كتابه "جمهورية رفحاء".
ترتيب الإجابات بحسب التسلسل الألفبائي لأسماء الشعراء