تيري بطرس
&

&
تناقلت الانباء اخيرا، وبككثافة الاعمال البربرية التي يتم اقترافها في ولايات دارفور في السودان، فهناك يتم اقتراف مختلف الجرائم، من التطهير العرقي المرافق بالاغتصاب والسرقة والتهديم واحراق الممتلكات، وبشهادة منظمات انسانية ودولية.
ان الحكومة السودانية التي تدعي البراءة من اقتراف مثل هذه الممارسات، مدعية ان المسألة هي حروب عشائرية، تحاول خداع العالم، فالكل يدرك ان الحكومة السودانية مشتركة بفعالية في حملة التطهير العرقي، من خلال تسليح ميليشيات العشائر العربية التي تحاول الاستيلاء على مراعي وممتلاكات اهالي دارفور.
ان عصابات الجنجويد تقترف كل الجرائم وبحماية الحكومة وجيشها، بحق سكان دارفور، بحيث ان الامم المتحدة ولاول مرة تعلن على لسان سكرتيرها السيد كوفي عنان ان الحل قد يتطلب تدخلا عسكريا، كما ان اوروبا ليست بعيدة عن هذا الرأي، وبرغم ان هذه الممارسات البشعة بحق السكان مستمرة منذ فترة، الا ان الغريب هو هذا السكوت في عالم العرب عن اثارة مثل هذه القضية، ومناقشتها او ادانتها، بعكس الصياح والزعيق الذي رافق كشف فضائع ابوغريب، وهذا يذكرنا بالمذابح التي اقترفتها الجماعات الاسلامية في الجزائر وقوبلت من العروبيون والاسلامويون بصمت القبور.
وقبل يوم انتهى اجتماع وزراء الخارجية العرب ولم تطرح المسألة للمناقشة، برغم تعلق الامر بحياة مئات الالاف من البشر، ان السكوت المريب للمؤسسات العربية عن اثارة المسألة، يعني مشاركتها في اخفاء الحقائق، لا بل المشاركة في كل فعل يمارس في دارفور، ان الجامعة العربية التي هرع ممثلون عنها بعد ارسال الولايات المتحدة الامريكية واوربا والامم المتحدة ممثلين لاستكشاف الحقائق، وتقديم التقارير والتوصيات، ماذا عملوا هؤلاء الممثلين؟، واين تقاريرهم؟ وهل ناقشها وزراء الخارجية العرب؟ وما هي توصياتهم بشأن المسألة (جريمة الابادة البشرية).
قبل ان ينتهي اجتماع وزراء خارجية العرب، في مقر جامعة الدول العربية، خرج علينا وزير خارجية السوادن الهمام، وهو يندد بكيل اميركا والغرب بمكيالين، حيث يتحدثون عن انتهاكات حقوق الانسان وهم يمارسون كل البشاعات، لقد اكتشفها جالينوس العصر، ولم ينتظر اختتام اجتماعهم المهم، فخرج بتصريحات عرت الغرب وكل قيمه، وهكذا بقدرة قادر لم تكن هناك اي تجاوزات، لن نقول ابادة بشرية في دارفور، وان كل ما هو موجود هي صراعات عشائرية تحث دائما، ولكنه لم يذكر مساندة الحكومة لعصابات الجنجويد.
ان النفاق العربي لم يعد له حدود، فمن كشف بشاعات السجانين في ابو غريب هم الغربيين انفسهم، ومن نشرها على الملاء هم الغربيين، ونرى الاعتذارات تنهال من كل المستويات بدء برئيس الجمهورية الى اصغر ضابط، طبعا هذا لا يبرر التجاوزات الفضيعة، ولكنه يؤكد ان الامريكين في الطريق لمعالجة الامر، اما من ينكر ويبرر فهذا لن يعالج اي شئ.
ان هذا الاهتمام بما حدث في ابو غريب، ليس مرده اهتماما بحقوق الانسان وكرامته، بل هو استنكارا لان مقترف الفعل هو غربي، ولو كان هناك اهتمام حقيقي بحقوق الانسان وصيانة كرامته، لشاهدنا جامعة العرب تقول شيئا ولو ادانة لفظية عمومية لما يتم ممارسته في عالم العرب، وسجون الانظمة العربية، هل استنكر العرب يوما احراق النظام العراقي 4500 قرية كردية واشورية بما كان تزمه من اديرة وكنائس وجوامع تاريخية، بل ان بعض الكنائس يعود تاريخ تشيدها الى ما قبل الف واربعمائة سنة، ان من يستنكر شئيا يجب ان لا يمارس ابشع منه، علما ان ممارسة البشاعة في عالم العروبة هي عملية منهجية منظمة وبأوامر عليا، اي ليست من الشواذ، واخر ادلتنا هي ولايات دارفور السودانية.