محمد الحنفي ولد دهاه
&
&
كنت، منذ دخول "الانترنت" إلى بلدي موريتانيا، مفتونا بهذا الجهاز السحري العجيب، الذي يجول بك أنحاء المعمورة، وأنت جالس على كرسي مكتبك الهزاز. ولأنني بطبيعتي البدوية أنسان رحلة، لا أكاد ألقي عصا تسياري في مكان حتى تحلق بي "عنقاء مغرب" إلى مكان ءاخر.. هكذا أنا في حياتي وأفكاري وهواياتي وأحلامي.. لا يقر بي قرار.. أتنتقل، ما بين غمصة عين وانتباهتها، من حال إلى حال.. هكذا أورثني أجدادي البداة الرعاة، الذين أفنوا حياتهم في أنتجاع الرعي، وفي تتبع مساقط المطر.. رأيت في هذا الجهاز العجيب ضالتي المنشودة.. ناقتي التي أمتطيها فتطلق رجليها لرياح سليمان، أطأ بفضلها كل سهب وجبل، كل حدب وصوب، كل نجد ووهد، كل كثيب وأكمة.. أسرح طرفي، وأعمل فكري.. فكان انهماكي كبيرا على "الانترنت"، أدمنتها، فلم أعد أصبر على بعدها، لقد أخذت بمجامع قلبي وأمسكت بنياطه.. كنت عندما أسافر إلى بوادي "برينه"، القرية النائمة في حضن الصحراء، حيث مسقط رأسي ومناط تمائمي، أجد نفسي غريبا شارد الذهن، لأنه لا يوجد هنالك "انترنت"، ورغم حبي لهذه القرية الوادعة إلا أنني لم أعد أطيل بها المقام، لهذا السبب، فكنت كما عبر أحد الشعراء في قوله:
كالظبية الأدماء نغص عيشها أن لا تضم قرينها وكناسها
طالت رحلاتي في هذه الشبكة، كنت كل يوم "أكرع في حياضها فلا أبصع" كما يقول المثل العربي، كأني أريد الإحاطة بها في وقت واحد: أخبارها،& وثقافتها. شعرها وأدبها، منتدياتها، وطرائف النكت وغرائبها، سياستها، وأقتصادها...
وبمحض الصدفة كنت أطالع إحدى المجلات العربية، وقد أوردت قائمة بعناوين بعض المواقع، وكان من ضمنها موقع "ايلاف".. كان بإمكان هذا العنوان أن يمر علي، كما مر غيره من العناوين، مرور الكرام، ولكن تعريفه الذي ورد فيه اسم الصحافي اللامع عثمان العمير، جعلني أتوقف لديه.."لن يكون الموقع عاديا لأن العمير صحافي غير عادي.. سيكون أيضا موقعا لا يتثاءب"، وفعلا كان كذلك.
&التقيت حبيبتي "ايلاف"،& فوافق شن طبقة، كنت كبدوي رعى أعواما من المحل والقحط، ثم فتح عينيه على خميلة غناء لم تطأها قدم راع سواه.. فهكذا كنت أحس وأنا أتصفح "إيلاف".. لا تصدق مدى تدلهي وحيرتي.. قرأت بنهم.. تصفحت بشره، كأنني كجائع في مأدبة كرام، أنتقي ما أشاء من المواضيع كما ينتقي المرء أطايب الرطب من الطبق.. كنت اتابع "الأخبار" طازجة ساخنة، أقرأ تحاليل من نور الله بصائرهم في فهم مدارك السياسة ومقاصدها، أطالع آراء المستنيرين ومعالجاتهم للحدث.. وفي الفن اتابع ءاخر أخبار الفنانين: مسرحيات عادل امام، ومسلسلات نور الشريف، وتهافت ذباب الموهوبين على عسل الشهرة.. كنت أتسلى حين اتابع جنون هوليود: صرعات جون ترافولتا، ونجاحات براد بتر، وتقاليع& دينزل واشنطون، وحرارة وطيس الأوسكار.
.. وفي الأدب والثقافة قرأت كل شيئ: قرأت عن نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف والطيب صالح ومحمد شكري، وجان دمو وغارسيا ماركيز وايزابيل اليندي.. وقرأت عن التكنولوجيا والتطور العلمي والمعلوماتية والسيارات.. وكل شيئ، ولأنني من بلد يطلقون عليها في المشرق "أرض المليون شاعر" فقد سجنت هذا الإنطباع شعرا، فقلت:

& إيلاف يا ياقوتة الأصداف&&& & &يا غادة في ثوبها الشفاف
& يا نظرة من عاشق متلهف&& &&لحبيبة من بعد طول تجاف
& يا موقعا في القلب عندك موقع& متمكن بهواه بين شغافي
&قيدت كل شوارد وفرائد&&&&& & &للعلم بالغايات والأهــداف
& أسعدت إذ أسعفت كل مطالع&&&& يحتاج للإسعاد والإسعاف
&"ايلاف" أصبح للصحافة جامعا.& "ايلاف" افضل ما اقتناه صحافي


.. مكثت كثيرا أدمن تصفح "ايلاف"، وأحلم بأن تتاح لي فرصة الكتابة فيها، كنت أقدم رجلا واؤخر أخرى.. فهل سأجد من أصحاب الموقع صدورا متسعة لجنوني وهذياني، وأنا من تعودت المصادرة في جرائد بلدي "الديمقراطي"، إلى
أن قررت أخيرا أن أحاول.. قلت: المحاولة أجدى.. فأرسلت مقالة إلى باب "أصداء"، فإذا بها تنشر في اليوم التالي.. أعددت الكرة، ونويت أن أواصل الكتابة في موقع عشقته وأغرمت به.
&
&كاتب من موريتانيا
&[email protected]