ابراهيم البطوش
&
&

نتذكر أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي ـ حيث التحولات الكبيرة في شرق القارة الأوربية ــ والتي أحدثت تغييرا عالميا لا زالت أصداءه ونتائجه تتفاعل في مختلف بقاع العالم، وهي الأحداث التي اتخذت من سقوط جدار برلين رمزاً زمنياً وفكرياً لها. وعلى نفس منهج التحليل، هل يمكننا اعتبار سقوط أسوار بغداد في 9/4/2..3 ( على عكس ما كان يتوقع ويأمل البعض ) بداية لمرحلة التحول العالمي الثاني أو مكملة للتحول الأول؟ لا شك ان سقوط أسوار بغداد لم يكن مجرد عملا عسكريا تقليديا أو صراعا بين دولتين، محدود الأثر والتأثير. ولكننا نراه لا يقل في النتائج عن سقوط جدار برلين إن لم يكن مكملا له، ولكن المهم ان نتساءل في أعماق الصراع الخفية. بل ونفترض ان سقوط جدار برلين قد قضى على الثنائية العسكرية والايدولوجية التي كانت سائدة والسقوط الثاني يهدف من جملة ما يهدف الى القضاء على الثنائية الحضارية، كما نحاول ان نستنتج أو ـ نتكهن على الأقل ـ لصالح من ستأتي النتائج؟ نتائج سقوط أسوار بغداد. تغير مَنْ لصالح مَنْ؟ وهل ذلك السقوط كان تطورا منطقياً داخلياً لبداية الثورة العربية الجديدة أفرزته قوانين التطور والتناقض الداخلي للمجتمع العربي جريا على منهج صراع الأضداد ونجاح الأفضل؟ وهل سقوط النظام العراقي كمنهج يعني انبثاق نظام جديد أفضل منه؟ أم إننا نسير مع منهج نظرية المؤامرة ونسارع الى القول إن الغرب أجهض الثورة العربية المرتقبة منذ سنوات قبل أوانها للقضاء عليها، وهذا ما يعتقده بعض الإسلاميين على الأقل. ثم نتسأل وهل مفاصل التغير: الديمقراطية، حقوق المرأة، نُظم التعليم، المشاركة السياسية، محاربة الإرهاب... وهي الخطوط العريضة للإصلاح مطالب فرضها التطور المنطقي للإحداث وتشكل ترجمة لنظرة علمية تحليلة شخصت الداء والدواء وشاركت فيها جماهير الأمة العربية ونخبها المثقفة وتُرجمت من خلال نضال الشعوب العربية؟ أم انها عاصفة ترابية هبت على منطقتنا الساكنة من غبار برجي نيويورك؟ غطتها أمريكيا بغطاء أيدلوجي لتسهيل اقتحامها للأسوار العربية الإسلامية.
&إننا كغيرنا نؤمن بالصراع الدائم بين المثال والواقع، ومع ان سقوط بغداد بأي شكل من الأشكال هو كارثة سياسية وحضارية لكن يمكننا ان نبحث عن ـ لا ان ننتظر ــ الضوء في آخر النفق. وهذا الضوء لن ينبلج صدفة من تلقاء نفسه. وإنما نجده بل نخلقه خلقاً بجهد متعدد الأطراف. ولنظل نقتبس أمثلتنا العربية فرب ضارة نافعة، فهل يمكننا الاستفادة من سقوط بغداد مع واجب الاعتذار للأخوة العراقيين؟ ان الأمر ممكن إذا كنا ننظر بتفاؤل للمستقبل العربي، ولكنه تفاؤل مشروط بفهم المرحلة واتخاذ القرارات من قبل القاعدة العريضة من الجماهير العربية. وهذا يتطلب دورا اكبر للمثقفين والمفكرين وسائر قوى المجتمع العربي في تأسيس وتأصيل المستقبل العربي، وان لا يكتفوا برشق الواقع العربي بالمزيد من الأوصاف. وإنما الخروج من هذه الصياغة الرثائية الى الصياغة العقلانية المستقبل من خلال كسر محرمات ايدولوجية وفكرية على مختلف المستويات وفي مختلف الميادين والمجالات.والأردن كما يتضح قد بدأ خطواته الأولى التي تحتاج الى تشجيع وترشيد ومشاركة أوسع من قبل الجميع فعلاً لا قولاً.
الأردن / عمان
mailto:[email protected]