د. فلاح اسـماعيـل حاجم
&
&
&
الاهتمام بالشأن العراقي دفع الكثيرين من الكتاب و السياسيين الخوض في موضاعات مختلفة ، بعضها ذو صلة مباشرة بالعلوم القانونية. وهذه ، دون شك ، مسألة صحية ، فبالاضافة الى مردودها الايجابي في رسم السياسة العامة للدولة ، لها مردود تربوي ايضا ، حيث تسهم بزيادة الوعي الحقوقي لدى العراقيين سيما ونحن على ابواب متغيرات كبيرة على شاكلة اجراء الانتخابات الحقيقية و الاسهام الشعبي في تشكيل اجهزة الدولة العراقية من القمة الى القاعدة ، وهي ظاهرة غريبة على مجتماعتنا المغيبة سياسيا.
&ان تصفح نماذج من تلك الكتابات تؤكد ، ما يمكن ان يطلق عليه ، الاخطاء الشائعة اذ تستخدم مصطلحات مثل شكل الدولة و شكل الحكم على انها مترادفات ، في حين انهما مفهومان مختلفان و لكل منهما معناه القانوني الخاص. وهذا ينطبق ايضا على نظام الحكم الذي يتم الخلط بينه وبين شكل الحكم. لذا ارى من الظروري التوقف عند المعاني القانونية لبعض من هذه المصطلحات:
&1- شــكل الدولــة : هناك انواع مختلفة للدولة ، فعلماء القانون الدولي قسموا الدول على اساس ما تتمتع به من سيادة الى دوّل كاملة السيادة و اخرى منقوصة السيادة (العراق حاليا) ، فيما ذهب علماء القانون الدستوري الى اعتماد شكل الدولة للتقسيم ، فصنفوها الى الدولة البسيطة( الموحدة) و الدولة المركبة او الاتحادية. ففي حين نرى ان مساحة الدولة البسيطة تتألف من وحدات ادارية و لها سلطة واحدة تقوم بادارة شؤنها الداخلية و الخارجية ، تتكون مساحة الدولة الاتحادية(الفيدرالية) من مساحة عدد من الدول التي اتحدت لتنشئ دولة واحدة ، اي ان الدوّل او الدويلات المكوّنة للدولة الفيدرالية فقدت باتحادها استقلالها السياسي (سيادتها على مستوى العلاقات الدولية) ، محتفضة بالاستقلال نسبي في ادارة الشؤن المحلية. على ان حجم هذا الاستقلال مرتبط بشكل(نوع) الحكم ، ففي الدول الديمقراطية تكون استقلالية الاطراف اكثر مما هي عليه في الدول اللاديمقراطية.
ويرى بعض فقهاء القانون الدستوري ان الدولة التي لديها كيانات ذات حكم ذاتي (مقاطعات ، اقاليم ، مناطق ، دوائر...الخ) يمكن اعتبارها دولا معقدة. و على خلاف الاطراف الفيدرالية لا تتمتع الكيانات ذات الحكم الذاتي باختصاصات واسعة ، اذ ان قرارات اجهزتها المحلية تكون خاضعة في معظم الاحيان الى السلطات المركزية. ان اهم ما يميز الدول المركبة (الفيدرالية) هو ازدواجية النظام الحقوقي و منظومة اجهزة الدولة. بالاضافة الى ذلك لابد من الاشارة الى الاتحاد الاستقلالى كشكل من اشكال الدولة ، اي ما يطلق عليه الشكل الكونفيدرالي ، الذي يتم انشاءه على اساس معاهدة بين اطراف تحتفظ لنفسها بالسيادة الكاملة ، فيما يتم تأسيس اجهزة مشتركة ( برلمان ، سلطات تنفيذية...الخ) لتنفيذ برنامج مشترك ، عادة ما تكون قراراتها استشارية و ليست ملزمة للاطراف.
2- شـــكـل الحـــكـم: يعرف علماء القانون الدستوري شكل الحكم على انه اسلوب تنظيم اجهزة الدولة العليا وتحديد العلاقة فيما بينها. ان تحديد شكل الحكم يمنحنا امكانية تحديد هرم السلطة و حدود صلاحياته. ان التصنيف هنا يتم على اساس طريقة اختيار رئيس الدولة. اذ تم تقسيمها الى ملكية و جمهورية ، فيما ذهب بعض المنظرين في السنوات الاخيرة الى ادراج نوع ثالث ( الجمهوريات الملكية) وذلك على اثر انتقال السلطة من رؤساء الجمهوريات الى اولادهم ، بعد اجراء انتخابات شكلية ، و لأن ر ئاسة الجمهورية تمارس مدى الحياة ، وهما ميزتان للدوّل الملكية.
وتصنف الملكية الى مطلقة و شبه مطلقة و برلمانية. فالملكيات المطلقة لا زالت تجد مكانها في الشرق العربي و في دول الخليج تحديدا. و تتميز تلك الملكيات بغياب اي مظهر من مظاهر الديمقراطية ، اذ تتركز جميع السلطات في يد الملك الذي يعيّن الحكومة ( من افراد العائلة المالكة طبعا) . وعادة ما يكون البرلمان ذو صلاحيات استشارية فيما تخلو الدولة من الاجهزة المنتخبة ، حتى المحلية منها.
اما الملكيات شبه المطلقة فتتميّز بوجود برلمان منتخب ، يساهم مع الملك في تشكيل الحكومة التي تكون مسؤلة امام الملك و البرلمان في نفس الوقت ، و هذا ما دفع بعض فقهاء القانون تسميتها بالملكية المزدوّجة. و ممكن تصنيف كل من المغرب و الاردن و الكويت ومن ثم قطر و البحرين على انها ملكيات شبه مطلقة ، مع ان دساتيرها تنص على انها ملكيات برلمانية. ما يميّز الملكيات شبه المطلقة ايضا هو تمتع الملك بصلاحيات واسعة من ضمنها حقه في حل البرمان ، وهذا ما ميّز الملكيات شبه المطلقة الشرق-اوسطية ، اذ لم تتمتع ايّ من تلك الدوّل بحياة برلمانية سليمة منذ استقلالها السياسي و لحد الآن.
اما الملكيات البرلمانية فتتميّز بشكلية صلاحيات الملك ، حيث يملك برلمان الدولة الاختصاصات الاساسيةابتداءا بتشكيل الحكومة و الاشراف عليها و انتهاءا برسم السياسة الداخلية و الخارجية للدولة و الاشراف على تنفيذها. ومع ان رئيس الدولة في الملكيات البرلمانية يملك حق النقض على قرارات البرلمان الا ان هذا الحق لا يعدو ان يكون شكليا ، بخلاف الملكيات شبه المطلقة التي تبالغ باستخدام هذا الحق.
&اما الجمهورية ، كشل للحكم فيتميز بانتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر( عن طريق الاستفتاء الشعبي ) او غير مباشر ( عن طريق البرلمان في الجمهوريات البرلمانية ، او عن طريق هيئة منتخبة خصيصا لذلك ، كما في الولايات المتحدة الامريكية). ثم ان الجمهورية تتميز عن الملكية بمسؤلية رئيس الدولة عن افعاله المتعلقة بوظيفته. وكلا المبدأين( مبدأ الانتخب و مبدأ المسؤلية) يتم خرقهما في جمهوريات الشرق الأوسط ، حيث( انتخابات) الرئيس لا تعدو ان تكون تكريسا لسلطة الرئيس مدى الحياة و عدم تحمله ، من حيث المبدأ اية مسؤلية& ، كما يثبت الواقع.
&ويقسم علماء القانون الدستوري الجمهوريات الى ثلاثة انواع : الجمهوريات الرئاسية ، التي تتميّز بتشكيل رئيس الجمهورية للحكومة و قيادته لها ، و خلو السلطة من منصب رئيس الوزراء وتمتع السلطتين التشريعية و التنفيذية بالاستقلال التام ، فيما يملك البرلمان سلطات قضائية بالعلاقة مع الوزراء اذ يقوم احد مجلسي البرلمان بالاتهام فيما يقوم المجلس الآخر بالمحاكمة ( كما هو الحال في الولايات المتحدة ).
&اما الجمهورية البرلمانية ، فهي من حيث المبدأ مشابهة للملكية البرلمانية سوى ان رئيس الدولة ينتخب من قبل البرلمان و يتمتع باختصاصات شكلية ، وتقوم الاغلبية الحزبية في البرلمان بتشكيل الحكومة باساليب مختلفة ، لسنا الآن بصدد الحديث عنها.
النوع الثالث من الجمهورية هو الجمهورية المزدوّجة ، اي النصف برلمانية و النصف رئاسية ، حيث تجمع خصائص النموذجين المذكورين ، اذ يوجد في الشكل المزدوّج للجمهورية منصب رئيس الوزراء الذي يتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس الجمهورية ( فرنسا& ، سري لانكا مثالا) اما في جمهوريات الشرق الاوسط المزدوّجة ، فرئيس الوزراء لا يعدو ان يكون موضفا في ديوان تشريفات رئيس الجمهورية.
&انني ارى ان التطوّر السياسي في العراق يشير الى رجحان الجمهورية البرلمانية على الاشكال الاخرى ، وذلك برأييي سيكون ضمانة لعدم الولوج في الدكتاتوريات الرئاسية ذات التراث السلبي في منطقتنا العربية.
3- نــظــام الحــكــم : يمكن اعطاء تعريف قانوني لنظام الحكم على انه مجموعة الاساليب التي تتم بواسطتها ادارة الدولة. ويجمع علماء السياسة و القانون على تصنيف اسلوبين لادارة شوؤن الدولة ، هما الاسلوب الديمقراطي و الاسلوب اللاديمقراطي ، يستند الاول الى اشراك الشعب مباشرة (عن طريق الاستفتاء و الانتخابات) بتشكيل اجهزة الدولة ، او بشكل غير مباشر (عن طريق مؤسسات المجتمع المدني و الكتل البرلمانية) ، فيما يتميّز الاسلوب اللاديمقراطي بانفراد الحاكم (الملك المطلق& ، الرئيس الدكتاتور) ، او احتكار الحكم من قبل حزب واحد ، يكرس الدستور دوره القيادي لاضفاء الشرعية و القدسية عليه.
ان حكما برلمانيا ديمقراطيا في دولة فيدرالية سيكون الشكل الانسب لبناء دولة القانون في عراق الغد.&
&
موسكو روسيا