مجدى خليل
&
&

قال لى د. سعد الدين إبراهيم إنه أنبهر بالتواجد القبطي في الحفلة الناجحة في لوس أنجلوس التي أقيمت لتكريمه، والذي بذل أ. محفوظ دوس ود. سعد ميخائيل سعد جهدا كبيرا في إخراجها بشكل مشرف ولائق. نوه لى د. سعد الدين إبراهيم إلى القوة الضخمة الايجابية الكامنة في أقباط المهجر إذا أحسن تنظيم وتوظيف هذه الكتل البشرية وهذه النجاحات الهائلة في المهجر. وقال لهم في المحاضرة أن أفضل شئ لخدمة مصر وخدمة قضاياكم أن تكونوا مواطنيين ناجحين ومتفاعلين مع مجتماعتكم الجديدة في المهجر مهنيا وسياسيا وتدعموا النجاح المهنى بالانخراط فى النشاط السياسى فى دول المهجر. وبحكم معرفتي الوثيقة بالمهجر فقد ابدي أستعداده أن يشاركني في ندوات مماثلة في أوروبا وكندا وهو ما نعد له بالفعل.
والذي أحب أن يعرفه القارئ العزيز أن الأقباط في المهجر ينمون بسرعة نحو التفاعل الناجح مع مجتماعتهم الجديدة مهنيا وسياسيا،أنني أتلقي معلومات بانتظام عن نجاحات مبهرة لأقباط المهجر في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة، والحقيقة أن الجيل الثاني في المهجر يثلج صدري بنجاحاته المميزة وبكونه جزءا من نسيج المجتمعات الجديدة في نفس الوقت.
لقد كانت موجات الهجرة الأولي من الأقباط المتميزين علميا ومهنيا وقد حرصوا على تعليم أبناءهم بشكل أكثر تميزا حتى أنه من الصعب إحصاء عدد الأطباء والمحامين بين الجيل الجديد في المهجر.
أثناء زيارتي للقاهرة مؤخرا لم ألاحظ لافتة بأسم محامية قبطية على مبانى القاهرة، ولكنني بدون مبالغة أستطيع القول أن هناك المئات من المحاميين الأقباط من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين وما يبعث على البهجة أن نسبة كبيرة منهم من النساء.
إن مهنة المحاماة في أمريكا ليست مهنة مرموقة فحسب، ولكنها مثل مصر قبل الثورة، مهنة ترتبط بشكل وثيق بالعمل السياسي في المجتمعات الغربية وهذا العدد الكبير من المحاميات والمحاميين الأقباط في المهجر يضاعف الأمل لدي في أتجاه أقباط المهجر إلي مشاركة سياسية أعمق وأوسع في مجتمعاتهم الجديدة.
إن أهتمامي بالعمل السياسي يجعلني أرصد نمو أقباط المهجر في هذا الأتجاه. إن الطريق إلى تكوين لوبي سياسي فاعل في المهجر يبدأ بتفاعل وأنخراط ونجاحات الأفراد في مجتمعاتهم الجديدة ، والواقع يعطينا دلالات مبشرة ومطمئنة نحو أتجاه العمل في الطريق الصحيح. ففي أمريكا مثلا لدينا في الخارجية الأمريكية سفيرة أمريكية من أصل قبطي فى الامارات ولدينا نائب قنصل أمريكا في اليمن وأيضا لدينا مسئول هيئة المعونة الأمريكية بواشنطن وعدد من الكوادر الهامة الذين يعملون في الخارجية الأمريكية، بالاضافة الى الموظفين الاقباط فى السفارات الامريكية حول العالم، وهناك أقباط الآن ضمن مشروع إصلاح الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية ولدينا عدد من الكوادر القبطية يعملون في الكونجرس الأمريكي من الشباب الواعد، وفي الإدارة الأمريكية نفسها أشار بوش على أن واحدة من أهم موظفى إدارته والتي تشرف على تعيين الموظفين لإداراته هي مصرية قبطية وكانت في طاقم إدارته في تكساس وأحضرها معه إلى واشنطن، وهناك قبطي رئيس لواحدة من أكبر جمعيات حقوق الإنسان في العالم "هيومن رايت واتش بنيويورك" وعدد آخر من الأقباط يعملون في جمعيات حقوق إنسان مختلفة في أمريكا، وفي الإدارات المختلفة في الأمم المتحدة، بالطبع هناك مناصب مهمة يشغلها اخواننا المسلمين المصريين فى امريكا فهذا المجتمع لا يعنيه الدين وانما كفاءة من يشغل المنصب.
في عام 2003 تمت ثلاثة مقابلات مختلفة بين جورج بوش وبين ثلاثة شخصيات قبطية أعضاء في الحزب الجمهوري، وقد حدثني كل منهم عن مقابلته مع بوش والتي دار الحديث خلالها عن مصر، وفي أحدي هذه المقابلات قال محدثي أن بوش أوقف طابور المتبرعين لمدة دقائق وبعد ان تركت الطابور نادانى بصوت مرتفع امام كل الحاضرين قائلا " دكتور أنا مهتم جدا بالموضوع الذي ذكرته"، وكان هذا الصديق قد جمع 50 ألف دولار من زملاءه الامريكيين في المستشفي ببوسطن لتقديمها لحملة تبرعات جورج بوش الانتخابية.
في عام 2004 حضر نائب الرئيس ديك تشيني وأبنته ليز تشيني حفلة لجمع تبرعات لجمعية خيرية قبطية. في مدخل كنيسة مارمرقس بواشنطن صورة جورج بوش عليها أهداء وتوقيع الرئيس الأمريكي "أهداء إلى كنيسة مار مرقس القبطية بواشنطن " والتوقيع جورج دبليو بوش. بل أن أهم شخصية تدافع عن القيم الايجابية الامريكية والحضارة الغربية في كافة وسائل الأعلام العربي على مدى سنوات واحد الاصوات المؤثرة فى العلاقات العربية الامريكية هي شخصية قبطية من المهجر أيضا. وعلى قدر معرفتى لا يوجد عربي حاليا يحمل لقب سير بريطاني سوي شخصية قبطية .
أن الأقباط يسعون بجدارة لتبوأ المناصب التي حرمهم منها النظام السياسي المصري، فهناك عدد كبير من عمداء الكليات المختلفة أقباط. في المنطقة التي أسكن فيها، أثنين عمداء لكليات التربية أقباط، وهناك أمراة عميدة لكلية طب أوهايوا، وهناك أستاذة للأدب العربي واللغة العربية في جامعة نيويورك قبطية في حين يحرم الأقباط من الألتحاق بأقسام اللغة العربية والأدب العربي في وطنهم الأم مصر.
حتى في مجال السينما فلدينا واحد من أهم المخرجيين الأمريكيين قبطي أيضا وهو أسعد قلادة، وقد أخرج أهم المسلسلات الأمريكية العالمية مثل.
&Sabrina , Who Is The Boss---Etc
طبعا ناهيك عن الآلاف من الأطباء الأقباط في المهجر الكثير منهم أساتذة في تخصصاتهم، حتى أنه من الصعب أن تخلو مدينة أمريكية أو كندية أو بريطانية أو إسترالية من طبيب أو أكثر قبطي.بالاضافة الى المئات من رجال الاعمال الاقباط الناجحين فى المهجر منهم رجال اعمال كبار مثل فايز شلبى صاروفيم فى امريكا والمصنف امريكيا ضمن اغنى اغنياء العالم وكذلك عدلى ابادير وتوفيق بباوى فى سويسرا.الشئ المؤكد اننى لا استطيع حصر الاف المراكز المرموقة التى يتبوأها اقباط المهجر فى مقالة صغيرة.
أما في مجال الدراسات القبطية فأقباط المهجر حملوا معهم ثقافتهم وتراثهم حتى أنني أعتقد أن ثقل وعمق الدراسات القبطية قد أنتقل بشكل لافت من مصر إلى الخارج، فهناك جمعية القديس شنودة رئيس المتوحدين بلوس أنجلوس، وهناك جمعية الدراسات القبطية بنيوجيرسي، وهناك مؤسسة القديس مرقس لدراسات التاريخ القبطي ومقرها أوهايو، وهناك جمعية دراسات قبطية في فرنسا تنشر مجلة دورية دورية هي "العالم القبطي"،وبالطبع لا ننسي الموسوعة القبطية الضخمة التي رأس تحريرها د. عزيز سوريال عطية مؤسس مركز الشرق الأوسط بجامعة يوتا، وهناك دار نشر كوبتولوجيا بتو رنتو، وهذه الجمعيات والهيئات تقدم دراسات قبطية عميقة ومنتظمة وتقيم المؤتمرات وتنشر الدوريات وتبني الكوادر وتنقل التراث القبطي إلى الغرب والشرق، وهناك حضور دائم لشخصيات قبطية من المهجر في كافة مؤتمرات الدراسات القبطية العالمية،بالاضافة الى عدد من المواقع الالكترونية المهتمة بالدراسات والتراث القبطى.
وهناك جهد واضح لأقباط المهجر في إضافة أقسام للدراسات القبطية في الجامعات الغربية حدث ذلك مؤخرا في سيدني وأوريجون، وكاليفورنيا، وحتى قسم الدراسات القبطية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ساهم أقباط المهجر بجهد واضح في وجوده، ليضاف إلى عشرات البرامج لدراسات القبطيات في جامعات العالم المختلفة من هونج كونج إلى روسيا إلى أيسلند إلى ألمانيا إلى فرنسا إلى أمريكا إلى إستراليا فى الوقت الذى لا تعترف فيه الجامعات المصرية بالدراسات القبطية.
أما التحويلات المالية الضخمة من أقباط المهجر لعائلاتهم وأخوانهم في مصر سواء كانت تحويلات فردية أم عبر جمعيات ومنظمات خيرية فهي تحتاج إلى مقالة خاصة بها لتوضيح عمق إنتماء هؤلاء الأقباط في المهجر لوطنهم الأم وأحساسهم الدائم بأخوانهم وأهلهم وذويهم في مصرومساهماتهم الايجابية فى الاقتصاد المصرى.
أما كنائسهم في المهجر فهي مفخرة لشعبنا في المهجر ولكنيستنا، وكل كنيسة في المهجر وراءها قصة كفاح وعمل وعرق وسهر، وهي قصص تستحق أن تروي. حتى أصبح لدينا في المهجر كاتدرائيات ضخمةرائعة مزدانة بالأيقونات القبطية، وتنطلق من داخلها الموسيقى والألحان القبطية الفرعونية معلنة عن عمق هويتنا وأنتمائنا لكنيسة عتيدة في المجد.
ما يهمني هنا هو أن أنوه إنه لا يوجد فرق بين أقباط الداخل وأقباط الخارج فكلاهما جزءا من نسيج قبطي واحد وكنيسة قبطية واحدة تحمل تراثا عميقا وأرثا ثقيلا من الالآم ومستقبل مشبع بالامال، وكلاهما يفتخر بانتمائهما إلى وطن عريق في القدم والمجد وهو مصر.
وأختتم بأنه فيما يتعلق بالعمل السياسي بالذات هناك ما يمكن تسميته "اللوبي الفردي في الخارج" فهناك الكثيرون الذين يعملون بشكل عقلاني وهادئ ومؤثر ومحترم وقانوني وسلمي وهم سفراء امناء لقضاياهم ولكنهم غير مهتمين بأن يظهروا في الصورة.
بالطبع اغلب النجاحات القبطية فى المهجر،وخاصة فى مجال العمل السياسى والعام، هى نجاحات فردية واقل كثيرا مما هو متوقع من اقباط المهجر ولكننا على كل حال يحدونا الامل فى مشاركة مستقبلية افضل واوسع.
ولكن السؤال ماذا عن البيانات الساخنة التي تظهر فى الصحف المصرية على لسان أقباط المهجر؟
الحقيقة أن هذه البيانات المستفزة ينشرها أربعة شخصيات فقط من أقباط المهجر بدوافع مريبة، وهي تنشر باللغة العربية فقط لأنها لا تصلح للنشر بالإنجليزية. وتنشر خصيصا للصحف المصرية لتشوية سمعة أقباط المهجر وتخويف أقباط الداخل منهم وتنفير الأقباط في الخارج والداخل من العمل السياسي.
إن نظرة واحدة على عناوين هذه البيانات توضح حجم العتة والجموح لدي كاتبيها، "المطالبة بدولة قبطية " العمل على تكوين جيش قبطي، "يسعي الأقباط في الخارج لأمتلاك قنبلة نووية للدفاع عن أهلهم فى مصر، وهناك إتصالات مع الهند من أجل الحصول على هذه القنبلة "، "اغتصاب خمسمائة ألف فتاة قبطية في مصر" "حصول الأربعة على وعد دولي بحكم ذاتي للأقباط"، "اعلان الجمهورية القبطية وهناك مفاوضات سرية مع الحكومة المصرية من آجل هذا الأمر". هذا بالإضافة إلى سيل من الشتائم المبتذلة تطول المسئولين في مصر والشخصيات القبطية المعروفة، بما في ذلك التطاول على رموز الكنيسة.
الحقيقة أننى محتار في دوافع هؤلاء الأشخاص، ولماذا يرسلوها فقط للصحافة المصرية؟ ورغم إنه ليس لهم ثقل ولا دور ولا وزن عند الأقباط في الخارج ولا في المجتمعات الغربية إلا أنهم يزدادون هوسا يوما بعد يوم مفتعلين الاهمية لبياناتهم المستفزة !!!، ولكن الأكثر غرابة ومدعاة للتساؤل والدهشة والشك هو إحتفاء الصحافة المصرية بهم مثل إحتفاءها بعدد من الشخصيات القبطية المستفزة داخل مصر، وكلاهما يحمل أجندة تعادي تطلعات الأقباط الحقيقية نحو المواطنة والعيش في سلام مع شركاءهم في الوطن.أننى ادعو القارئ لتامل هذا المشهد: صحافة مصرية تحتفى ببيانات تافهة لشخصيات لا وزن لها فى المهجر وفى نفس الوقت تستضيف على صفحاتها بعض الشخصيات القبطية الانتهازية من الداخل وكلاهما يعمل ضد مصالح الاقباط، فهل يمكن ان يكون الموضوع محض صدفة؟؟؟.
بخلاف هؤلاء الأربعة لا يوجد قبطي في الخارج أو الداخل يسعي لأكثر من مواطنة كاملة غير منقوصة في ظل دولة حديثة يشارك فيه المسلم مع المسيحي وتكون المواطنة فيها معيار الحقوق والواجبات،فاقباط المهجر ومنظماتهم فى الخارج لم يتحدث احد منهم خارج نطاق مفهوم المواطنة وفى ظل اطار سلمى وقانونى يرتقى بمصر الى مصاف الاصلاح الشامل المتصل.
أقباط المهجر مفخرة وثروة لمصر بعملهم وعلمهم وجهدهم ونجاحاتهم وإنتماءهم العميق لبلدهم الأم.