سعد الشـديدي
&
&
&
تتوارد الانباء عن تطوع عائشة القذافي ابنة العقيد معمّر القذافي للدفاع عن طاغية العراق المقبور صدام حسين امام هيئة المحكمة العراقية الخاصة لمحاكمة رموز النظام البائد واعوانهم. ويحقّ للمتتبع للشأن العراقي ان يطرح سؤالاً عن دوافع القذافيين الحقيقية التي تجعلهم يقفون في الصفوف الاولى للمدافعين عن مجرمين لا ينكر احدً اجرامهم وتقف ضدهم آلاف ان لم تكن عشرات اللآف من الادلة الجنائية للتي لا يمكن لاي محكمة نزيهةٍ في العالم ردّها.
لا يخفي على احدٍ ان ازاحة صدام التكريتي عن الحكم سبّب قلقاً شديداً لدى جميع الزعماء العرب، حتى اولئك الذين يحتفظون منهم بعلاقات تحالفٍ وصداقة متينة مع الولايات المتحدة. فالحديث عن الديمقراطية في العالم العربي اصبح جديّاً وليس حديث جرائد كما كان من قبل. والقوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم عازمة على خلق مناخات جديدة في الساحة السياسية خصوصاً في منطقتنا التي تعفنت واصبحت رائحتها تزعج عالمــاً بأكمله، والولايات المتحدة الامريكية مستعدةٌ لاستعمال القوة لتنفيذ هذا الهدف ان اقتضى الامر.
من هنا جاء قلق السيد القذافي على نفسه ومصيره، وهو الذي ملأ العالم وشغل الناس طوال عقدين من الزمن بتمويله لمنظمات الارهاب أ ينما كانت واستخدام حتى منظمات المافيا الايطالية لاغتيال معارضي نظامه. فكان اول من رفع الراية البيضاء معلناً توبةً نصوح لارجعة فيها عن معاداة الولايات المتحدة الامريكية وقام كما هو معلوم بالتعاون الكامل مع "المنظمات الدولية" في بحثها عن الاسلحة المحرمة الدولية في ليبيا خصوصاً النووية منها. وكافئه الغرب بعد ذلك باستضافته في عواصم اوربا كضيف عزيزٍ جداً وسمح له بنصب خيمته المشهورة في بروكسل وعفى الله عمّا سلف.
ولكن يبدو ان القلق مازال يأكل قلوب السادة اعضاء نادي الزعماء العرب، ولم تطمئن قلوبهم رغم كل ماقدموه للحليف الامريكي من خدمات لم يجرؤ زعيم آخر في العالم ان يقدمها له. فعزموا الدفاع عن انفسهم امام المشروع الامريكي بكل ما لديهم من امكانات وهي كثيرة. فأوعزوا لمحطاتهم الفضائية بالعمل ليل نهار على الوقوف ضدّ التجربة العراقية الناشئة التي استطاعت وخلال سنة واحدة على بدايتها ان تعريهم امام شعوبهم. فها هو الدستور يكتب ويناقش من قبل الفعاليات السياسية العراقية، وها هي الاحزاب، على الرغم من ضآلة قاعدتها الشعبية، تعمل بمنتهى الحرية، والصحف تصدر يومياً دون المرور على مقص الرقيب ومنظمات حقوق الانسان والمرأة والطفل يبلغ عددها في العراق وحده ما يتجاوز عددها في وطنهم العربي بكامله من محيطه الى خليجه.
ولم تألوا هذه الفضائيات جهداً لتمارس عملها في تزوير الحقائق والتدليس على المواطن وهي الخبيرة وذات الباع الطويل في هذا المجال.
وقامت انظمة الارهاب العربية بحماية اعوان النظام الساقط وايتامه من البعثيين الحزبيين وضباط المخابرات السابقين وتمويل عصابات القتل وقطع الرؤوس وامدادها بالاسلحة والتغطية الاعلامية.
ثمّ كانت الخطوة التالية في تبنيها الدفاع عن رموز النظام المقبور. ولا يلومنّهم احد في ذلك لان ما يقومون به ما هو إلا نوعاً من الدفاع عن النفس والتضامن بين القتلة وسارقي ثروات شعوبهم الذين جاؤوا حفاة وعلى الدبابات ليمسكوا بزمام الحكم في بلدانهم ويصبحوا خلال سنوات قليلة بين اغنى اغنياء العالم حيث تقدر ثروات الحكام العرب من رؤساء الجمهوريات بعشرات المليارات من الدولارات المودعة في مصارف الغرب.
ولنترك الانظمة الملكية العربية جانباً لان لها اجندتها الخاصة برفض كل جديدٍ مما له علاقة بتحديث اساليب الحياة في بلدانها واعتقادها بشرعية وجودها استناداً على دعاوى دينية كالانتماء لسلالة شريفة ما، او على اساس الاحقية العشائرية. ومانتج من اعتماد هذين المبدئين من استباحة المال العام واعتباره ملكاً للعائلة المالكة لها حق التصرف به كما تشاء. اما موقفها من المواطن فيعتمد بالاساس على اذعانه لها وتعتبر معارضته لها إما معارضة للنَص الديني المقدّس او خروجاً على العرف العشائري السائد.
ولنحقق قليلاً في الانظمة "الثورية" التي تحكم عدداً لا بأس به من البلدان العربية وموقفها من الوضع العراقي بعد سقوط النظام السابق.
فالقواسم المشتركة بين هذه الانظمة عديدة. فهي انظمة انقلابية بمعنى انها وصلت وتربعت على دست الحكم عن طريق الانقلاب العسكري. وانها جميعــاً قد مرت بمخاضات طويلة وشهدت حالاتٍ مستمرة من التصفيات الداخلية الدموية على مدى العقود الثلاثة الماضية حتى استتب الامر في النهاية للقائد الاوحد الذي حصره به شخصياً وبعلئلته التي اصبحت بحكم الظرف الجديد عائلة مالكة لها من السلطات ما يحسدها عليه ملوك وملكات الغرب وعائلاتهم.
ومن القواسم المشتركة بين هذه الانظمة ايضاً انها تسللت الى السلطة في نهايات سبعينيات القرن الماضي. فبعث العراق جاء الى الحكم في عام 1968 وثورة القذافي كانت عام 1969 وحركة سوريا التصحيحية كانت عام 1970.
وكذلك فأن هذه الانظمة تعتنق الفكر القومي العروبي. و تتغذى في وجودها على امرين اساسيين الاول هو القضية الفلسطينية، التي اثبت الزمن ان تلك الانظمة اما ان تكون اعجز عن ان تضع حلاً نهائياً لها او انها لا تضعها في واقع الامر في سلم اولوياتها كما تدّعي. فالأمر الاول اذن هو اتفاق هذه الانظمة العروبية على رفع شعار تحرير فلسطين وفشلها الفادح في تطبيق ذلك الشعار على ارض الواقع.
اما الامر الثاني فان الاحزاب والمجموعات التي تبنّت فكرة الانقلاب العسكري تعتنق الفكر القومي الاشتراكي. وعملت بجدّ على تأكيد نظرية رأسمالية الدولة في الاقتصاد ونظرية الحزب الواحد في السياسة ونجحت في ذلك نجاحاً كبيراً.
اما الامر الثالث فهو تظاهر هذه الانظمة بمعاداة الغرب الاستعماري في العلن وفتح ابواب بلدانها في الخفاء امام الشركات المتعددة الجنسية والتي تعتبر المسيطر والموجّه الفعلي لحركة السياسة والاقتصاد في العالم الغربي.
اما الامر الاكثر اهمية ههنا فان جميع رموز هذه الانظمة تنتمي الى فئتين لاثلث لها، فاما ان يكونوا من العسكر او من الناشطين الحزبيين. وقد اعلنوا جميعاً ابان استلامهم للحكم في بلدانهم بانهم انما جاؤوا لتخليص "الجماهير الكادحة" من مخالب مستغليها، ثمّ سرعان ما قلبوا لتلك الجماهير الكادحة ظهر المجّن واصبحوا من بين اكبر اولئك الذين قاموا باستغلالها وهدر كرامتها وبشكل لم يسبق له نظير في التاريخ.
لقد صادر الانقلابيون العروبيون حرية التعبير عن الرأي وقاموا بتصفية معارضيهم باسليب همجية العجيب هو تشابه الاساليب المستعملة من قبل قوات امن ومخابرات تلكم البلدان- وبعد ان صفى لهم الجواعتبروا ان الدولة ملك خاص لهم ولعوائلهم. ولا يخضع احدٌ من السادة قادة هذه الدول للرقابة المالية والتدقيق من قبل مؤسسات الرقابة المالية في بلدانهم كغيرهم من المواطنين.
يعرف المواطن العربي ان بعض رؤوساء البلدان العربية لم يكونوا يملكوا الا مايكفيهم ويكفي عوائلهم قبل استلامهم الحكم. واصبحوا خلال سنوات قليلة من اصحاب المليارات ليس بالعملة المحلية بل بالدولار الامريكي، ويعرف ايضاً مصدر هذه الثروات الطائلة. وتطالب بعض احزاب المعارضة في البلدان العربية بالكشف عن ثروات القيادات في بلدانها الأمر الذي يجعلها هدفاً لاقسى الهجمات من قبل الانظمة والتي تصل احياناً الى حدّ التصفية الجسدية لقياداتها ونشطائها.
اذن فانظمة القمع العروبي خائفةٌ من نجاح التجربة العراقية وانتفاضة شعوبها. انها تشعر بقلق شديد من يومٍ تقف فيه امام محاكم خاصة كتلك التي يقف امامها جزّار العراق وطاغيته فهي وان اختلفت معه قبل سقوطه الا انها احست بقرب نهايتها وحتميتها. فبدأت تلملم صفوفها وجندّت الاعوان والمرتزقة للدفاع عنه لان الدفاع عن صدام حسين ليس دفاعاً عن شخص بل هو في حقيقة الامر دفاعـــاً عن الاساليب التي تبّناها وطبقها صدام في قيادته للحكم في العراق والتي مازالت هذه الانظمة تطبقها حتى هذه اللحظة بلدانها.
ان دفاع انظمة القمع عن ديكتاتور ساقط ليس بالشئ الغريب. الغريب ان لا يدافعوا عنه وان لا يرسلوا بناتهم لتمثيله امام المحكمة الوحيدة في بلدان العرب التي لا تتلقى اوامر من رئيس او رئيس وزراء او وزير او غفير.
واسرّ بآذان السادة القادة واهمس ببيت شعرعربي قديم يقول: من حلقت لحية جارٍ له فليسكب الماءَ على لحيته
&