&
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الشعب العظيم ..
أيها النشامى في قواتنا المسلحة الباسلة ..
يا غرة المجد ، ونخوتنا في الشدائد والنزال .. وحيث يحتاج المسار الى الهمة العظيمة ليرتقي البناء ، ويشمخ المجد ، ويتحقق العبور ، بأذن الله ..
أيها الثوار والمجاهدون ..
يطل عليكم عام جديد ، ليضاف نجماً ساطعاً الى سمائكم التي أعزكم فيها سبحانه بثورتكم المجيدة ، لتحتفلوا بالثورة ، وبالعام الجديد .. وتستجمعوا الهمة ، بعد أن تعيدوا تنظيم الصفوف لتغدو المسيرة أعلى قدرة ، والحكمة والصبر أوسع وأعمق مدى وتأثيراً ..
أيها العراقيون ، يا قرة عيوننا ، ونخوة كل حر شريف ينتخي بكم.. وعون كل مظلوم .. لقد كنتم كما تخيلتكم في العام الذي نودعه اليوم، ولكن صار لي خيال جديد عنكم ، تكونت قياساته المتقدمة من مستوى نخوتكم لفلسطين ، واهلكم وقدسكم فيها ، بالإضافة الى مواقفكم الأخرى.. ألا يحق لي ، أيها الأحبة ، أن أرسم خيالي عنكم ، وأملي فيكم ، على هذا الأساس ، لهمتكم في البناء والنخوة والصبر والتضحية والمجد ، أرضاكم الله وأعزكم ، وقد أحسنتم ، بعد الأيمان ، بالإتيان بكل فضيلة ، وفي مقدمتها الدفاع العظيم لصد أطماع الأشرار ، ووأد أمانيهم الخائبة ؟ .. بلى والله أنكم أهلها .. وأهل الاستحقاق العالي لكل ما يعز القوم المؤمنين ..
أيها الشعب العظيم .. أيها النشامى والماجدات ..
تساءلت مع نفسي ، وأنا أكتب خطابي هذا إليكم : أيختار القدر للناس أدوارهم ؟ أم الأدوار هي التي تختار ناسها ، وفق ما يرتقي أو يقصر ايمان ووعي وهمة هذا أو ذاك منهم ؟ .. ولأشير الى جوهر ما أردت : هل العراقيون ، كجوهر حي ومعبر أصيل عن امتنا ، هم الذين اختاروا أدوارهم ، أم القدر هو الذي أختار لهم أدوارهم ، بعد أن انتخوا له ، وأظهروا همتهم ووعيهم لدورهم ؟ ..
وعندما نوغل في خلفيات أي نتيجة ، قبل أن نعطيها علامة ما تستحق، أو نقول عنها ما نقول ، نرى أن وقفة العراقيين ، كنموذج أمامي لامتهم في هذه المرحلة ، جاء مزيجاً عطراً وزكياً من اختيار القدر لهم، وانتخائهم للقدر ، ليمارسوا دورهم ، وفق ما أراد الله لامة العرب كمقدم للإنسانية في كل ما هو حميد .. ومن ذلك نفهم أن المرء يختار دوره ، بعد أن يؤمن ، ويعلن ، ويعمل بعد الإيمان على كل ما يذكره بواجبه وتأريخه ودوره .. وأن القدر يختار للناس أدوارهم .. بعد أن يستيقظوا من سباتهم ، ويعوا دورهم ، ويؤمنوا بمستوى ما يقتضي من صبر وتضحية ، ليقطفوا ثمار ما يسعون إليه .
لقد كان مهماز همتكم ووعيكم وتصميمكم على دوركم ، تأريخكم العريق وموقفكم ودوركم في الأمة ، ودور الأمة فيكم .. فقد نقلتم الأيمان الى أمتكم .. في دور .. وجاءتكم أمتكم ، بعد ذلك ، من أحفاد سيد الأنبياء إبراهيم ( عليه السلام ) في ما أراده الله جديداً أو مجدداً فيه في دور آخر.. وقد يقول قائل : لماذا يستذكر العراقيون دورهم الآن، وليس قبله أو بعده ؟ ..
وهنا ايضاً تمتزج إرادة القدر في الاختيار ، ونضوج وعي الإنسان ، ومستوى علو همته ، واستقرار بصيرته، ونضج الحكمة فيه ، وتحفزه
في اللحظة ، ليتقرر ، بأذن الله ، ما يجب ، فكان ما كان بالثورة ، أو بكل مسارها اللاحق ، بما في ذلك ما نحن عليه الآن ..
أن البذرة ، أيها الأعزة ، لا تنبت ألا في توقيت بعينه ، وفي فصل بذاته، وهي أن نبتت في غير التوقيت المناسب ، لا تثمر حتى إذا أورقت أو ازدهرت .. وإذا أثمرت ، جاء ثمرها على غير خواص ما اعتادت عليه الأرض ، أو اعتاد عليه نوع البذرة .. وعلى هذا تمر البذور بسبات ، لتستجمع قدرة الإنبات ، ولتورق وتزهر وتثمر ، وفق خواص الأرض التي يختارها من يختارها لبذوره ، وخواصها مع عوامل أخرى ، مثلما تنزع بعض الأشجار كل أخضر فيها ، وتبقى على الصيرورة الكامنة فيها ، كحد أدنى ، وبعد السبات تتدفق فيها الحياة، على أساس شروط موسمها ، بعد أن تكون قد استجمعت قدرتها بالسبات ، لتواصل دورها ورسالتها .. بما يشبه ما استعرناه من الطبيعة آنفاً ، مّر العراق .. وقد توافقت لحظة ما أختار لكم القدر من دور مع لحظة ما اخترتم لانفسكم من دور ، بعد سبات طويل .. ولذلك جاءت همتكم وفق ما أعزكم الله ، وأعز أمتكم بوصفها ..
إنها فرصتكم التاريخية ، أيها العراقيون والماجدات .. أيها الشعب العظيم والجيش .. ومعها فرصة أمتكم بقدر دوركم فيها .. وأملها فيكم ..
ماذا بإمكاننا أن نحكي عن ثورتكم ، أيها الأعزاء ، وانتم أهلها وحداتها، ومبعث القدرة والهمة فيها ، بعد الأيمان العظيم !؟
هل نحكي .. كيف كان العراق ، وكيف صار الآن !؟
هل بإمكان أحد في خطاب مناسبة كهذا أن يفصل كيف كان العراق عشية قيام ثورة 17-30 تموز في كل شؤون الحياة وفصولها وأبوابها، وكيف صار الآن ؟ وكيف حشد الشر ولماذا أخس وأحط أساليبه، ليثني الثورة ، ويثني أهلها عن الاختيار والمسار ؟
وهل بإمكان أحد أن يعي ويحصي نوع وتأريخ ومستوى الإنجازات .. وقد دخلت كل بيت وكوخ وعائلة !؟..
أنحكي كيف كان قسم كبير من أهلنا العراقيين حفاة .. وقلة منهم من يتطلع الى اليوم التالي ليكون افضل ؟ .. أم نقارن بين مستوى وعدد الطلاب على مقاعد الدراسة مع ما هم عليه الآن !؟ أم نقول ما الذي كنا نصنعه في بلادنا ، وكيف ، ومن أي البلاد !؟ .. أم نحصي عدد العاملين في الريف والصناعة والخدمات مع ما نحن عليه الآن ، رغم الحصار الظالم !؟
أنقول أي مستوى بلغته الحياة في معدل دخل المواطن ، قبل ان تتجمع قوى الشر ، وتحشد نارها على محاورها ، ووفق توقيتات وحال تصورت معه ، خسئت ، أنها قاضية ، لا محالة ، على العراق شعباً وتطلعا ودوراً ومصيراً !؟
لن نثقل عليكم أيها الأعزة بأي من هذه التفاصيل ، لأنكم تعرفونها ، فأنتم أهل كل فضيلة وموقف وهمة جعلت العراق يبلغ ما بلغه ، حتى صار الصديق والعدو يعرفان من هو العراق ، ايماناً وعزيمة وهمة وموقفاً وقدرة .. وانما نقول للعرب ، ونقول للأصدقاء ، وبقولنا هذا نغيض الأعداء ، ونســر الصديق والأخ : أن كل ما جرى ضد العراق وضد مسيرته ،
سببه أن العراق اختار اختياره الوطني والقومي والإنساني بعد أن ارتقى أيمانه العظيم الى مرتقاه ، ليكون حراً كريماً معافى ، يمارس دوره ، ويستقر على طريق اختياره .. وان كل ما حصل بالضد من هذا لن يثني شعب العراق ، بعد أن عرف طريقه ، وعرف معه الشعب العربي كله ، وليس طليعته فحسب ، أن هذا الطريق هو طريق الحرية الحقيقية ، وطريق ما يحفظ الكرامة التي لا يقبل العراقي والعربي الأصيل أن تكون منقوصة فيه ، أو أن تمّس من كائن من كان ..
وأننا ، بعد الاتكال على الله القادر العظيم ، صائرون الى كل ما يفرح الصديق ، ويصيب الأعداء بالخيبة تلو الخيبة ..
وان همتنا وقدرتنا على البناء واختيار بدائله الأفضل بعد الإتكال على الله، أعلى الآن مما كان عليه قبل أن تبدأ المنازلة في أم المعارك الخالدة ..
وان النفط ليس أساس قدرتنا وهمتنا ، رغم انه جزء حي في ثروتنا الوطنية العظيمة .. وانه بالتأكيد لن يكون مدخل ضعف فينا ، ولا ثغرة في سياج حصن الوطن والوطنية والهمة والعفة في هذا الشعب الوفي الأمين المجاهد ..
ومع هذا ، لا بد أن نقول لكم .. أيها الشعب العظيم .. وأيها النشامى والماجدات .. أنكم جزء من أمة عظيمة ، وان معاني الصيرورة لدور الأمة العظمية بعد أن تفجرت فيكم ، لم تعد مبعث أمل الأمة فحسب ، وانما مبعث أمل جانب من الإنسانية ايضاً .. وان سيطرة الأعداء على روح الأمة لوأدها لا تتحقق ألا بإذلالكم ، خاب فأل الأعداء ، وخسئوا، واخــزاهم صاحب القدرة الأعلى ، الرحمن الرحيم .. القادر العظيم ..
وان أعداءكم ، صغارهم وصنائعهم واصحاب الحجوم الكبيرة فيهم وذيولهم، ما زالوا يحاولون ضدكم.. وان أساليب اليأس قبل الزفرة الأخيرة ما زالت تذر بقرنها .. وان خبث الصهيونية ما زال يردفهم ويحثهم على السوء بأمل أن يحّولوا شعب العراق الى مدجن ، يرسمون له ، ويقننون عليه، ماذا يأكل ويشرب ، والى أي حد يسمّن ليذبح، خابوا وخاب فألهم.. وان الوهم ، تعبيراً عن اليأس ، ما زال ينسي أعداءكم خواصكم ، مثلما أنساهم خواص العربي الشهم الغيور ، فوقعوا في مصيدة ثورة أهلكم : أبناء فلسطين الأبطال ، وابطال المقاومة في لبنان ، وقبل ذلك الثورات في العراق ومصر والجزائر وكل أرض العرب ..
أيها العراقيون .. وايتها الماجدات يا منبع الهمة ومصدر الحياة .. يا عطر الأرض وسيف المنون .. وبؤبؤ العين ورفيف الجفون ، هل لمثلكم ، عندما يتكل على الله ، ألا أن يكون ، فكونوا كما انتم ، ومثلما نحن مصممون على أن نكون وليخسأ كل رعديد وطامع ، أو خائن وخؤون.. أيها الأحبة .. قولوا لاؤلئك الأشرار الخائبين بصوت واحد ، وأظهروا همتكم وفق ما أرادها الله لكم ، لتراها حتى العيون الرمد ، مثلما فعلتم في كل منعطفات مسيرة الثورة ، ومنازلات الشعب ..
أكدوا إعلانكم بهمتكم العظيمة قبل صوتكم المّدوي بأنكم أهل العراق .. أهل التأريخ العظيم والموقف ، وأنكم جمجمة العرب ، وضميركم ، وسيوفهم التي لا تكل ، وهمتكم التي لا تلتوي.. وأنكم معلمو الدنيا ، ولستم دواجن فيها ..
وقولوا بقوة ، وافعلوا مثلما فعلتم من قبل ما يدعم القول بما يستحقه الموقف .. أنكم أهل البـناء والفضيلة والموقف.. واهل لمواجهة الصعاب ارتقاءً، ولن يحصد من ينازلكم إلا الخيبة والخسران .. وان خطط أعدائكم، بعد الاتكال على الله ، صائرة حتماً الى هاوية ، ولن تذوي أو تتناقص همتكم .. وان الله معكم، ولن يكون ألا الشيطان ولي أعدائكم ، ومن يكون وليه الشيطان صائر الى جحيم ، والنصر للمؤمنين الصابرين ..
والله أكبر ..
أيها العرب .. يا خير أم همو وأحسن أب ..
يا أفضل من آمن أو وثب .. يا ضمير الإنسانية ، ومعلمها ، ومن أراد الله لهم الخير ليكونوا .. وملقي الدرس العظيم في الفروسية والتضحية من أجل المبادئ العظيمة ، والتمتع بالنصر داخل النفس ، عندما يكون المرء على حق ، قبل أن يأذن الله بقطاف نصره في ميدان حومتها ..
قوموا ، فداكم كل عزيز ، عدا شرف الموقف والحال ، وقولوا لاعدائكم، أعداء امتنا من اليهود المغتصبين الأنجاس ، وحلفائهم الطامعين والاستعماريين جميعاً، وتابعيهم وأذنابهم الأذلاء: ارفعوا أذاكم عن أمة العرب ، أمة الأنبياء والرسل ، وكفوا سوءكم ، أخزاكم الله ، عن امتنا المجيدة .. فهذا هو التوقيت المناسب ، أيها العرب ، لتقولوه وتعملوا عليه .. فقد بلغ السيل الزبى .. واستوطن الظلم ، وبلغ مداه .. وبلغ الصبر استحقاق مرحلته وزمنه .. وجاء التوقيت الصحيح لفرصتكم التأريخية، لتكونوا كما أراد الله لكم ولدوركم .. والا استبد الظلم بكم أكثر واكثر من أعداء الأمة ، ليسوموكم سوء العذاب ، في الوقت الذي انتم ادعى لتشكروا من كل خيّر في الأرض ، بعد الشكر لله وأنبيائه ..
وسوف ينصر الله من ينصره ، ويعز المجاهدين الغيارى على أمتهم وشعبهم ، وكل مناضل حر أمين شريف..
المجد وعليين للشهداء ...
المجد وعليين لشهداء فلسطين وشهداء العراق ولبنان .. وشهداء الأمة العربية ..
وعاشت أمة العرب ورسالتها الخالدة ..
وعاش المجاهدون والمناضلون العرب ..
وعاشت فلسطين ..
وعاش العراق ..
عاش العراق .. وعاشت فلسطين ..
ولتسقط في الجحيم كل المؤامرات والمحاولات الشريرة ..
ولتخسأ كل قرارات أمريكا عدوة الشعوب وحلفائها وأعوانها وأذنابها..
والله أكبر ..
الله أكبر ..
وليخسأ الخاسئون ..
(و.أ.ع)