ايلاف- القاهرة: على الرغم من جمال النوبيات وروعتهن،&يبدو أن لشباب النوبة رأي مختلف بهن، أو بالأحرى تحفظ على بنات "الشيكولاته" لاسيما مع تفشي عمليات تبييض الوجوه بين أوساط الفتيات النوبيات وبصورة خاصة اللاتي يعشن في القاهرة.
ويعقب الشاب النوبي محمد حجاج على هذه الظاهرة بقوله "إن عمليات تبييض الوجوه التي بدأت تنتشر بين فتيات النوبة تظهر وجوههن في لون مختلف تماما عن بقية أجزاء أجسادهن وهو ما دفع الشباب النوبي للتندر عليهن ووصفهن بفتيات وجوه الفانتا وسيقان الـ "كولا" , حيث تحول كريمات التبييض وجوههن إلى اللون الأصفر الشبيه بمشروب فانتا في حين تظل سيقانهن على لونها الأسمر الشبيه بلون الكولا ، وأضاف حجاج نحن نحبهن "شيكولاته" .. فلماذا الإصرار على المياه الغازية ؟
ويقول الحاج حسين إدريس أحد شيوخ قبائل النوبة: "إذا ما سألت إحداهن إلى إي القبائل تنتمي فإن هؤلاء الفتيات ذوات الألوان المتنوعة لن يستطعن الاجابة". لافتا الى& أن الفتيات السمراوات اللاتي قررن تغيير الالوان الاصلية لوجوههن لسن سوى قطاع ضائع من شابات النوبة ذوات البشرة السمراءالجميلة.
&ويضيف الحاج إدريس: "إن هؤلاء الفتيات لم يعدن جزءا منا , لقد أصبحن مسوخاً ، فلا هن عربيات ولا نوبيات" .
لكن يبدو أن الحاج إدريس لا يعرف أنه حتى العرب لا يوافقون على فكرة أن تقوم فتياتهم بتبييض وجوههن لكي يبدين "كالخواجات" في حين تحتفظ بشرة بقية أجزاء الجسم بلونها المختلف،& ولهذا فإن مستخدمات أدوات التجميل يشكلن قبيلة في حد ذاتهن لا تلقى سوى الاستنكار من جانب كل من النوبيين والعرب.
&وقال شاب اخر انه يرتعد كلما رأى فتاة من هؤلاء " لأن مظهرها يوحي بأنها ربما كانت حاملة لفيروس نقص المناعة (الايدز) ".
علوية، وهي فتاة نوبية تعمل في إحدى شركات السياحة& تستخدم كريمات التبييض،& تعتبر الوحيدة التي امتلكت الشجاعة الكافية لتقول بأنها تستخدم هذه الكريمات لحماية وجهها من حرارة الجو الحارقة من ناحية ولجعل بشرتها أكثر نعومة.
وأكدت قائلة: "إن استخدام الكريمات لا يعني بالضرورة أنني فتاة سيئة ، فأنا أعيش باحترام وحشمة مع أسرتي التي لا تعترض على ذلك ، فلماذا يقحم هؤلاء الغرباء أنفسهم في مسائل شخصية ؟ .
لكن وفقا للمعايير السائدة في النوبة فان هذه الكريمات تعتبر غالية الثمن للغاية حيث لا تستطيع أي امرأة عاملة شراءها , ناهيك عن الفتيات اللاتي يعتمدن في معيشتهن على دعم أسرهن ، وتعزز حقيقة استطاعتهن استخدام هذه الكريمات الغالية, الشكوك التي تقول بتورطهن في تصرفات مريبة. وتقول امرأة نوبية تستورد هذه الكريمات من سوريا إنها تجارة رابحة في كافة مدن النوبة وقراها. حيث تجني من أي صفقة كريمات قيمتها ألف جنيه مصري. أرباحاً تصل إلى خمسة آلاف جنيه .
ومن فتيات الفانتا والكولا ، للعرائس .. هؤلاء اللاتي يصفهن النوبي الجميل محمد منير في ألبومه الأخير "عشق البنات" ..
"سألت ايش الاسم جالوا البنات نعمات
أم صابعين رطب والباجي بلح أمهات
يوم ندهت علينا بيدها الناعمات
جلت نعمين تلاته .. وأربع خمس نعمات
ولم يتجاوز الشاعر النوبي الحقيقة كثيراً حينما يصفهن بـ"نعناع الجنينة" .. وهذا ما يسهل عليك اكتشافه ببساطة لو ساقتك قدماك مصادفة ، ليس للنوبة بالضرورة ، بل لعرس نوبي أصيل يحرصون على طقوسه التقليدية حتى في تجمعاتهم القاهرية مثل عابدين وعين شمس ، ستحملك روائح النوبيين الخاصة لعوالم بكر لم تطأها أقدام .. ولا أقلام من قبل ، ولن يسألك أحد عما إذا كنت من أهل العريس أو العروس ، بل سيرحبون بك ، ويقدمون لك "الشربات" ، ولو كنت موهوباً في الرقص& ، فستجد ضالتك المنشودة حين تتشابك أيادي الشباب والبنات ، وتهتز الأجساد بخفة ودلال لا يوصفان ، وستساعدك الإيقاعات النوبية الخالية من "الربع تون" على الإجادة ، وهذا ما فعله شاب لا تشي ملامح وجهه أنه نوبي ، حين خطف الأبصار برقصه ، وقال لي شاب نوبي أنه بالفعل ليس نوبياً ، بل صديق قاهري لأخوة العروس .
طقوس الزواج
وتشرق ملامح الحاج إدريس حين داعبت ذاكرته ليحكي عن المجتمع النوبي ، ويقول مجتمعنا قبلي بطبيعته نفضل فيه الزواج بين أبناء العمومة وعادة ما تتم الخطبة مبكرا في سن الطفولة.. وعندما يتقدم شاب غريب إلى الفتاة النوبية،& يقوم الأب باستشارة اخوته وأقاربه من كل الدرجات وإرسال خطابات إلى ساكني المناطق البعيدة منهم بغرض التأكد من أنه ليس لديهم أبناء في سن الزواج للارتباط بابنته بدلا من الغريب مهما كانت مزاياه مغرية .
ويمضي الحاج إدريس ليصف مراسم وتقاليد الزواج ، فيقول : في قبائل (الكنوز) وفي الموعد المتفق عليه للرد على طلب الزواج بالموافقة، يجتمع والدا العروسين ويحددان موعد تقديم (الشبكة) وتسمى في النوبة موعد (الوجاهة) التي تكون عادة مبلغا من المال وبعض الهدايا يقدمها والد العريس ومعه بعض الرجال ويتم تحديد موعد (الشلة) أي نقل المتاع ويقدمها العريس وهي عبارة عن قمح وفريك وطحين وسمن وأرز وسكر وملح إلى باقي المواد التموينية المعروفة. ويخرج الموكب من منزل العريس ومعه (الشلة) محملة على الدواب وعلى رؤوس الفتيات اللاتي يسرن وهن يغنين أغاني الفرح التي تدعو للجميع بالسعادة وتخص العريس بكثير منها , ذاكرة صفاته الحميدة التي جعلته أهلا للعروس .
وعند الوصول يجلس الرجال في داخل الدار في (المضيفة) بينما تجلس النساء في حوش المنزل للغناء حتى يحين موعد الغذاء ليقدم لهم والد العروس ما تم ذبحه صباحا. وقبل موعد العقد تكون هناك ليلة الحنة وتحتفل فيه العروس في دار أهلها مع صديقاتها وأقاربها بالأغاني والرقص ، بينما يحتفل العريس في منزله ووسط أصدقائه الذين يأتون من كل فج عميق ، مهما ابتعدت المسافات .
موكب العريس
في صباح يوم عقد القران، يركب العريس جملا ويمسك السيف والكرباج ويضع في ذراعه سكين ذات نصلين ويصحبه عدد من أصدقائه يشترط أن يكون عددهم زوجي ويسيرون في الموكب يتقدمهم العريس (الفارس) ويدعون أهالي القرية إلى الفرح.. ويعود الى منزله حيث يجلس ليقوم الحلاق بقص شعره ويجلس بجواره كاتب ومعه أوراق يسجل فيها النقوط وعادة ما تكون الأم أول من يقدم النقوط, ويكون قطعة ذهبية, يليها الأب ويقدم مبلغا من المال, ثم يتوافد الأصدقاء فالأقارب وهكذا الى أن يحين موعد الذهاب الى العروس, فيركب العريس الجمل ومعه السيف والكرباج والسكين ويضع على الجمل ملابس للعروس وأهلها ، ويسير الجميع في الموكب الى منتصف المسافة, حتى يأتي أهل العروس لاستقبالهم .. وعند الوصول تعلو الزغاريد وتقدم الاطعمة حتى تنتهي الليلة. ويصحب الجميع العريس إلى حجرة العروس.. فيقوم بدفع سيفه ويطرق الباب ثلاث طرقات ثم يدخل الحجرة يصلي ركعتين شكر لله ثم يرفع عن وجهها (الطرحة) ويمرر وجهه على جبهتها مرة واحدة, ثم تخرج العروس الى الحجرة الأخرى التي تكون فيها القابلة مع أهلها من السيدات ويخرج خلفها العريس الى أصدقائه.. ويتوجه العريس في الصباح الى النيل مع أصدقائه الذين يمكثون معه حتى المساء عندما يدخل الحجرة وتأتيه القابلة بعروسه تجلس جانبه ويبدأ في محادثتها وهي ترفض الكلام أو (تتدلل) ثم يعطيها مبلغا من المال ويستمر في زيادته حتى توافق على الكلام معه. وفي الصباح تترك العروس زوجها وتقضي النهار في حجرة أخرى وتعود اليه في المساء.. ويستمر ذلك لمدة أسبوع خلاله يكون العريس قد جمع لها أعشاب خضراء جلبت خصيصاً من جزر النيل لتوضع في الغرفة .. وبعد أربعين يوما يذهب العروسان إلى منزلهما .. حيث "نعناع الجنينه" .. ونعمين تلاته أربع خمس نعمات .
الأم النوبية
لم تشأ الحاجة "أم صالح" أن ينتهي كلام زوجها قبل أن توجه دفة الحديث للتأكيد على دور الأم في المجتمع النوبي ، وأنها المحرك الأساسي ومعنى الوجود والعامل القوي في الأسرة النوبية لذلك ليس غريبا ولا عيبا أن ينادي الناس هناك الرجل باسم أمه وهو ما يعتبره العرب والصعايده عيباً كبيراً لا يمحوه سوى الدم ، وترجع الحاجة "أم صالح" هذا الاختلاف بين العرب والنوبيين إلى ظروف النوبة شديدة الفقر حيث يضطر الأب إلى السفر بعيدا للعمل وارسال الأموال والهدايا لمواجهة الحياة.. والزوجة لاتراه إلا في المواسم.. لذا فان الارتباط بالأم هو النتاج الطبيعي لظروف الحياة. وطقوس الولادة هناك متشابهة في أغلب مناطق النوبة. بالرغم أن بعضها يختلف في تفاصيله البسيطة, وفي لحظات المخاض تأتي النسوة من الأقارب والجيران لتقديم المساعدة وتقف المرأة الحامل في وسط الدار مستندة على اثنتين ، وتبدأ في الحركة مرددة بعض الأغاني الشعبية الخاصة بالميلاد .. وتضع المولدة قطعة قماش أبيض على رأس الأم حتى يمتزج بها العرق. ومنها تصنع أول ثياب الطفل يمتزج بعرق الأم بكل حنينها ومحبتها. وترتفع الأغاني والزغاريد عند الميلاد.. ويقام (السبوع) بعد 7 أيام ويوضع الطفل في طبق من الخوص يرفع سبع مرات ويصنع زورق صغير من الخوص أيضا يوضع به الطعام وتحمله الأم مع وليدها إلى النيل وتترك الزورق يسبح في النيل لتأكيد انطلاق المولود في دروب الحياة ثم تعود إلى الدار.. ويقام الغذاء الذي يحضره الجميع ويتكون عادة من اللحم المسلوق الذي يتركون منه قليل ليصعد به صبي دون البلوغ الى أعلى الدار ويصيح باسم المولود ويهبط لينادي باسم الطفل في أذنه. ويفضل النوبيون أسماء الجدود مثل (عثمان. بشير. محمود. صالح) ويتبقى من طقوس الميلاد أن تؤخذ قطعة من القماش التي يلف بها الطفل وتلقى في النيل ويشترط أن يكون القمر في بداية مولده هلالاً& ، وتنشد الصبايا أجمل الأنغام .. وهن يتثنين دلالاً .. بعود يرق في مشيته "عامل له منحنيات" .. ثنية واثنتين ثلاته .. وأربع خمس ثنيات ..