&
بقلم: سليم الحص
إقطعْ ورقة من يوميات الحياة السياسية في لبنان، تجدْ حركة ونشاطا وفعلا وردود فعل ومواقف وسجالات وأقاويل ليل يمحوها النهار. إذا لم تكن هذه حرية وديموقراطية، فماذا عساها تكون؟ إنك لتجد زعيم المعارضة حليفا لرئيس الحكومة، وهو يعارض حكومة له فيها ثلاثة ممثلين. كل ذلك باسم الحرية. فباسم الحرية أيضا يناقض رجل السياسة ذاته، وينقلب في موقفه، الذي يُسمى في كل الأحوال وطنيا، من نقيض إلى نقيضه، ولا يجد غضاضة |
في ألا يكون منسجما مع النفس. ومن الحرية أن يغادر المسؤول البلد للاستجمام على شواطئ أوروبا فيما يتخبط البلد في ألف مشكلة ومشكلة تتكسّر في خضمها النصال على النصال، ولا ينسى المسؤول أن يؤكد وهو يغادر أنه مرتاح البال.
من الديموقراطية ألا تكون للمسؤول خطة أو برنامج لإنقاذ بلده من براثن أزمة اقتصادية معيشية خانقة تنذر بأوخم العواقب، بل من الديموقراطية أن يردد أقاويل تطمئن الناس إلى مصيرهم من دون رؤية محددة تُظهر كيف سيكون الإنقاذ ومتى ووفق أي ظروف أو شروط، وبأي ثمن. كل ذلك، ويا للغرابة، بحجة أن الخطط والبرامج هي من الماضي الشيوعي والاشتراكي. ولا يدرك المسؤول أن هذا منطق التهرب من المسؤولية.
من الديموقراطية أيضا، أن تنفذ الأجهزة الأمنية أوسع حركة توقيفات في صفوف الشباب، وتمعن في استخدام وسائل العنف والقمع لتفريق المعتصمين منهم أمام قصر العدل، كل ذلك من غير علم المسؤول ومن غير إرادته. ومن الديموقراطية ألا يكون لهذه التجاوزات مغبة سوى تأكيد مجلس الوزراء مسؤولياته الدستورية بقرار منه. هذا مع الإقرار بحق السلطة القضائية وواجبها بملاحقة كل من يثبت أنه أقام اتصالا مع العدو الإسرائيلي أو تعامل معه.
من الحرية والديموقراطية معاً، أن يعلن وزير أنه اعتبارا من هذه الساعة سيكون كل ما تقوم به الأجهزة الأمنية بعلم الحكومة، فتستمر الممارسات عينها من غير تغيير أو تبديل ولكنها أضحت، ويا للفتح المبين، بعلم الحكومة، والله أعلم بما إذا كانت هذه الممارسات بإرادتها أيضا.
من الحرية والديموقراطية معاً، أن يعلن مسؤول على الملأ أنه في موقعه يتعرض لعمليات التنصت الهاتفي، وأن الذين يقومون بهذا العمل لا يطالهم القانون، وأنه، أي المسؤول، غير قادر على ضبطهم. وما يسري على التنصت الهاتفي يسري أيضا على القرصنة التي تُمارَس على التخابر الدولي. وهذا من غير التخلي عن طموح بناء ما يسمى دولة القانون والمؤسسات.
ومن الحرية والديموقراطية في آن، أن يعقّب رئيس السلطة الاشتراعية على قانون رده رئيس البلاد وفق الدستور فأكد مجلس النواب عليه، فيقول: نحن نحترم رئيس الجمهورية ولكن ليس على حساب التشريع. وبعد أقل من أسبوعين يعود مجلس النواب إياه إلى التصديق على اقتراح قانون بتعديل هذا القانون. ويُقال في تبرير ذلك إن المجلس سيد نفسه. ولا جواب عن تساؤل الناس كيف أن سيد نفسه يمكن أن يبيح لنفسه اتخاذ قرار ثم اتخاذ نقيضه في خلال أقل من أسبوعين. وذراً للملح على الجرح، يصرح المسؤول عن السلطة الإجرائية انه، ويا للمفارقة، أيد النص المعدل خلافا لاقتناعاته مع علمه بأن الناس لا تريده، وذلك مراعاة للمصلحة العامة. عجبا كيف أن اقتناعات المسؤول تتنافى مع المصلحة العامة.
إن الناس يدركون أن القرار الأمني لا يتعارض مع الحرية أو الديموقراطية، بل هو من مقومات صون الحرية وتحصين الديموقراطية. ولكن الناس يعون أيضا أن سوء إدارة الشأن الأمني يمكن أن ينال من الحرية والديموقراطية معا، خصوصا إذا خرج القرار الأمني عن نطاق المسؤولية السياسية للسلطة الإجرائية فتم من دون علمها أو إرادتها.
ومن الحرية كما من الديموقراطية، أن يكون قطاع واسع من وسائل الإعلام ممسوكا ومضبوط الإيقاع في مواكبة سياسات الدولة وإجراءاتها، علما بأن وسائل الإعلام هي أولا وأخيرا أهم منبر للعمل السياسي في لبنان، وقد قيل ان لبنان بلد تكثر فيه حرية الإعلام ويندر فيه الإعلام الحر، أي الإعلام الذي لا يتأثر بهيمنة المال السياسي.
رصد الناس في الآونة الأخيرة، عن كثب، أداء الوزراء والنواب في مواجهة تحديات التطورات الجسيمة التي كان لبنان مسرحا لها أخيرا. وفي ضوء أداء بعض الوزراء وبعض النواب إبان هذه التجربة، لا لوم على أحد إن قال: إن جَمْع النائب هو نوائب، وجمع الوزير هو أوزار. هذا مع الاعتراف بأن بعض النواب والوزراء كانت لهم مواقف مشرفة ومسؤولة.
العز ليس في لحظة نعيش فيها ديموقراطيتنا. فالديموقراطية نهج حياة ونمط وبالتالي فهي مساق حضاري. ليست هي نظاما سياسيا فحسب، بل هي أيضا ممارسة حياتية واجتماعية واقتصادية، وهي من صميم ثقافة المجتمع. (عن جريدة السفير)
من الديموقراطية ألا تكون للمسؤول خطة أو برنامج لإنقاذ بلده من براثن أزمة اقتصادية معيشية خانقة تنذر بأوخم العواقب، بل من الديموقراطية أن يردد أقاويل تطمئن الناس إلى مصيرهم من دون رؤية محددة تُظهر كيف سيكون الإنقاذ ومتى ووفق أي ظروف أو شروط، وبأي ثمن. كل ذلك، ويا للغرابة، بحجة أن الخطط والبرامج هي من الماضي الشيوعي والاشتراكي. ولا يدرك المسؤول أن هذا منطق التهرب من المسؤولية.
من الديموقراطية أيضا، أن تنفذ الأجهزة الأمنية أوسع حركة توقيفات في صفوف الشباب، وتمعن في استخدام وسائل العنف والقمع لتفريق المعتصمين منهم أمام قصر العدل، كل ذلك من غير علم المسؤول ومن غير إرادته. ومن الديموقراطية ألا يكون لهذه التجاوزات مغبة سوى تأكيد مجلس الوزراء مسؤولياته الدستورية بقرار منه. هذا مع الإقرار بحق السلطة القضائية وواجبها بملاحقة كل من يثبت أنه أقام اتصالا مع العدو الإسرائيلي أو تعامل معه.
من الحرية والديموقراطية معاً، أن يعلن وزير أنه اعتبارا من هذه الساعة سيكون كل ما تقوم به الأجهزة الأمنية بعلم الحكومة، فتستمر الممارسات عينها من غير تغيير أو تبديل ولكنها أضحت، ويا للفتح المبين، بعلم الحكومة، والله أعلم بما إذا كانت هذه الممارسات بإرادتها أيضا.
من الحرية والديموقراطية معاً، أن يعلن مسؤول على الملأ أنه في موقعه يتعرض لعمليات التنصت الهاتفي، وأن الذين يقومون بهذا العمل لا يطالهم القانون، وأنه، أي المسؤول، غير قادر على ضبطهم. وما يسري على التنصت الهاتفي يسري أيضا على القرصنة التي تُمارَس على التخابر الدولي. وهذا من غير التخلي عن طموح بناء ما يسمى دولة القانون والمؤسسات.
ومن الحرية والديموقراطية في آن، أن يعقّب رئيس السلطة الاشتراعية على قانون رده رئيس البلاد وفق الدستور فأكد مجلس النواب عليه، فيقول: نحن نحترم رئيس الجمهورية ولكن ليس على حساب التشريع. وبعد أقل من أسبوعين يعود مجلس النواب إياه إلى التصديق على اقتراح قانون بتعديل هذا القانون. ويُقال في تبرير ذلك إن المجلس سيد نفسه. ولا جواب عن تساؤل الناس كيف أن سيد نفسه يمكن أن يبيح لنفسه اتخاذ قرار ثم اتخاذ نقيضه في خلال أقل من أسبوعين. وذراً للملح على الجرح، يصرح المسؤول عن السلطة الإجرائية انه، ويا للمفارقة، أيد النص المعدل خلافا لاقتناعاته مع علمه بأن الناس لا تريده، وذلك مراعاة للمصلحة العامة. عجبا كيف أن اقتناعات المسؤول تتنافى مع المصلحة العامة.
إن الناس يدركون أن القرار الأمني لا يتعارض مع الحرية أو الديموقراطية، بل هو من مقومات صون الحرية وتحصين الديموقراطية. ولكن الناس يعون أيضا أن سوء إدارة الشأن الأمني يمكن أن ينال من الحرية والديموقراطية معا، خصوصا إذا خرج القرار الأمني عن نطاق المسؤولية السياسية للسلطة الإجرائية فتم من دون علمها أو إرادتها.
ومن الحرية كما من الديموقراطية، أن يكون قطاع واسع من وسائل الإعلام ممسوكا ومضبوط الإيقاع في مواكبة سياسات الدولة وإجراءاتها، علما بأن وسائل الإعلام هي أولا وأخيرا أهم منبر للعمل السياسي في لبنان، وقد قيل ان لبنان بلد تكثر فيه حرية الإعلام ويندر فيه الإعلام الحر، أي الإعلام الذي لا يتأثر بهيمنة المال السياسي.
رصد الناس في الآونة الأخيرة، عن كثب، أداء الوزراء والنواب في مواجهة تحديات التطورات الجسيمة التي كان لبنان مسرحا لها أخيرا. وفي ضوء أداء بعض الوزراء وبعض النواب إبان هذه التجربة، لا لوم على أحد إن قال: إن جَمْع النائب هو نوائب، وجمع الوزير هو أوزار. هذا مع الاعتراف بأن بعض النواب والوزراء كانت لهم مواقف مشرفة ومسؤولة.
العز ليس في لحظة نعيش فيها ديموقراطيتنا. فالديموقراطية نهج حياة ونمط وبالتالي فهي مساق حضاري. ليست هي نظاما سياسيا فحسب، بل هي أيضا ممارسة حياتية واجتماعية واقتصادية، وهي من صميم ثقافة المجتمع. (عن جريدة السفير)
&
&
التعليقات