وجهة نظر شخصية خاصة بى أن الأقباط سلبيين فيما يختص بالأمور السياسية، سواء عن طريق النشاط السياسى مثل الانضمام لحزب من الأحزاب الموجودة أو النزول فى المعركة الانتخابية كمرشحين، أو حتى عن طريق المشاركة فى العملية الانتخابية بانتخاب مرشح معين، ووجهة نظر شخصية خاصة بى أيضا أن هذه السلبية تلعب دورا لا بأس به فى مشاكل الأقباط التى يعانون منها، وقد تناقشت مع كثير من الأقباط فى داخل مصر و خارجها عن هذه النقطة، وهذا هو ملخص لبعض هذه المناقشات على مدى أعوام:

س- لماذا ترى أن الأقباط سلبيين فيما يختص بالسياسة؟
ج - أنظر كم نسبة الأقباط فى أغلب الأحزاب السياسية الموجودة لتعرف أنهم بعيدون عن المشاركة فى الحياة السياسية..، و أنظر كم منهم يذهب للانتخابات وكم منهم يتابع الحياة السياسية لتتأكد أنهم سلبيون فيما يختص بشئون السياسة.

س - و لكن هناك عوامل دفعتهم للسلبية و الانعزال، مثل ثورة يوليو و ما فعله السادات.. الخ؟
ج - ثورة يوليو حدثت منذ أكثر من نصف قرن و السادات انتقل منذ ربع قرن،و لو كانت لهما سيئات دفعت الأقباط للسلبية لكان من الممكن فى الربع قرن الماضية أن يتحركوا ويعودوا للنشاط السياسى..، الأقباط هم الفئة الوحيدة التى تتذرع بثورة يوليو و السادات..، ما دخل الثورة فى الانضمام الى حزب التجمع أو حزب الوفد أو أى حزب آخر؟ و ما دخل السادات فى الذهاب للادلاء بالصوت الانتخابى؟ ولماذ لا تتذرع الأحزاب السياسة المختلفة بثورة يوليو و السادات؟

س- لكن الحزب الوطنى لا يشجع الأقباط على النزول على قوائمه، ألا تعلم ما حدث مع القمص صليب متى ساويرس الذى رفضت قيادات الحزب أن ينزل على قوائمه فى الانتخابات؟
ج- الحزب الغير وطنى معروف بانتهازيته، و لو كان يرى فائدة من الأقباط لتعاون معهم، الحزب الغير وطنى لا يشجع أحدا على العمل السياسى، فقط يتعامل مع الناجحين عن طرق استقطابهم، سواء قبل الانتخابات أم بعد الانتخابات، و حتى لو وصفنا هذا على أنه تعصب من قبل قيادات الحزب، لماذا لا ينضم الأقباط لأحزاب أخرى؟ كذلك نشطاء الأقباط، هل انحسروا فى شخص القمص صليب متى ساويرس؟ أين ملايين الأقباط فى طول مصر وعرضها؟

س- لكن الحزب الوطنى لم يفعل ذلك مع التيار الاسلامى عندما فتح اعلامه لقياداته الفكرية يمهدون و يدعون لدولته المنتظرة؟
ج - الحزب الغير الوطنى يعرف الثقل السياسى للتيار الاسلامى، وهو على استعداد لأن يبيع أى شىء وأن يزايد بأى شىء من أجل سحب البساط من هذا التيار، على استعداد لارتداء نفس الثياب و تبنى نفس الخطاب و اللعب على وتر نفس النعرة ان لزم الأمر، و لكن الأقباط؟ ماذا سيستفيد الحزب الوطنى من الأقباط حتى يتودد اليهم وهم متقوقعين و متقاعسين عن المشاركة فى الحياة السياسية و لن يؤدوا لتغيير أى نتيجة؟

س-هل تعنى أن توجه الأقباط لصناديق الانتخاب سيصلح من أحوالهم؟
ج- سيصلح من أحوال مصر كلها و ليس أحوالهم فقط، مع اخوتهم المسلمين المستنيرين الذين يؤمنون بالعدالة والمساواة يمكن تفعيل آليات المنظومة الديموقراطية، و فتح باب لتغيير حقيقى ينتقل بمصر لعالم الحضارة و التقدم والمساواة، و هو اجراء بطىء يستغرق عقودا من الزمن ويحتاج لمثابرة و مجهود و مشاركة، لو كانوا بدؤه منذ انتخابات 84 لتغير الحال كثيرا..

س - لكن الحكومة لا تسمح للأقباط بالعمل السياسى؟
ج - اذا كنت تقصد أن الحكومة لا تسمح باقامة حزب قبطى فأنا لا أعتقد أن هناك من الأقباط من يريد حزبا خاص بالأقباط فقط، أما اذا كنت تعنى الانخراط فى العمل السياسى فهذا ما لا أعتقد أن الحكومة لا تسمح به، وهل تم القبض على قبطى لأنه اشترى جريدة معارضة؟ أو تم القبض على آخر لأنه انضم لحزب سياسى شرعى؟ مجرد طرح هذا السؤال من بعض الأقباط و اتخاذه كمبرر للسلبية السياسية يوضح كيف أن بعضهم مغيب ومعزول عن الواقع السياسى..

س- كيف ترى أولويات الممارسة السياسية للأقباط فى الانتخابات القادمة؟
ج - أولا ينبغى أن يكثف الأقباط مجهودهم من أجل اسقاط أعضاء جماعة الاخوان المسلمين، نجاح أى عضو من أعضاء هذه الجماعة فى أى دائرة توجد بها نسبة عالية من الأقباط يعتبر وصمة عار فى تاريخ الأقباط و شاهد عيان على سلبيتهم و أكبر دليل على أن الأقباط بسلبيتهم يتسببون فى جزء كبير من المشاكل التى يمرون بها، تم يأتى فى المقام الثانى اختيار المرشح الوطنى الذى يسعى لوطن يظلل الجميع بغض النظر عن ديانتهم.

س- اذا أنت ترى أن الأقباط هم السبب فى مشاكلهم؟
ج- ينبغى التأكيد على أن جزء من -و ليس كل - مشاكل الأقباط سببه سلبيتهم..

س- كيف ترى أن غياب الأقباط عن العمل السياسى أحد أسباب المشاكل التى يعانون منها؟
من المهم جدا التأكيد على أن عدم انخراط الأقباط فى الحياة السياسية يلعب دورا فى المشاكل التى يمرون بها، كثير من اخوتى المسلمين فى مصر الذين عاشرتهم عقودا طويلة لا يحمل لى و لمعتقداتى الدينية سوى كل مشاعر طيبة، يفعلون كل ما يستطيعون من أجل تجنب ذكر أى شىء له علاقة بالأديان أو أى شىء له أساس دينى، وهؤلاء ليسوا قلة، بل منتشرين فى أماكن كثيرة فى مصر، وهؤلاء عايشوا الوجود القبطى فاحترموه و احترمهم، راعوا وجوده وراعى وجودهم..لو أن أحد هؤلاء وجد فى موقع اتخاذ قرار لا أتصور أنه سيفرق بين قبطى ومسلم..، و لا أتصور أنه سيسعى لفرض ثقافة دينية خاصة به على الآخر أو الحط من مكانة الآخر الدينى بأى طريقة..
ظهور الأقباط على المسرح السياسى و دخولهم كعامل مؤثر فى المعادلة السياسية سيعيد تدريجيا الأمور الى نصابها، وسيذكر الكثيرين من صناع القرار أن هناك آخر يعيش على أرض مصر و أن هذا الآخر مثل أى آدمى (وفى العالم المتحضر الغير آدمى أيضا) له حقوق..، علما بأن ظهور الأقباط السياسى لن يقضى على التعصب مباشرة لكنه سيدفع بالتيار المستنير لأن يحجم التعصب ويقلم أظافره ويمحوه تماما، و هو أمر غائب حاليا بسبب - مرة أخرى للأسف - غياب الأقباط السياسى..

لو كان للأقباط وزن سياسى لما تجرأ على معتقدهم زغلول النجار وغيره فى جريدة الأهرام وغيرها ولاحترمتهم حكومة الحزب الغير وطنى واحترمت مشاعرهم فى اعلامها الذى من المفترض فيه أنه اعلام وطنى لكل المصريين، لو كان لهم ثقل سياسى لاحترمتهم حكومة الحزب الغير وطنى و أدرجت عدد أكبر منهم على قوائمها فى الانتخابات(الحزب الغير وطنى رشح اثنين من الأقباط من جملة 444 مرشح و هى نسبة أقل من نصف فى الألف)، لو كان لهم ثقل سياسى لاحترمتهم حكومة الحزب الغير وطنى و توقفت عن فتح الاعلام المصرى لفكر جماعة الاخوان حتى أن القارى يتعجب أحيانا هل هذا هو الاعلام الوطنى أم لسان حال الجماعة المنحلة؟(راجع على سبيل المثال الهين جدا ملحق الجمعة - جريدة الأهرام 30 سبتمبر - الفكر الدينى)، لو كان لهم ثقل سياسى لاحترمتهم حكومة الحزب الغير الوطنى فى التعليم الذى هو فى النهاية تعليم لأبنائنا من كل الملل والطوائف وليس من المفروض فيه أن يتحيز لحساب دين أو آخر، لو كان لهم وجود سياسى لما سمعنا عن هذه القصص التى لا يصدقها عقل عن كنائس منذ عقود تنتظر التصريح بالترميم و أخرى منذ عقود تنتظر التصريح بالبناء، لو كان لهم حضور على الساحة السياسية لاحترمتهم الأحزاب المختلفة التى هرولت لتركع وتقبل يد المرشد العام طمعا فى تأييد الجماعة اياها فى الانتخابات، لو كان لهم تأثير سياسى لما سمعنا عن هذه النسب المضحكة التى يعرضها الأستاذ يوسف سيدهم فى جريدة وطنى عن تواجد الأقباط فى بعض الوظائف العامة و بعضها ربع و خمس بالمائة.. وهى نسب لا تضحك فقط و انما تموت من الضحك..
وتذكرنا بحجم الأقباط فى أجندة الحزب الغير وطنى، لو كان الأقباط حاضرين فى السياسة لما سمعنا عن هذه الأفكار المتطرفة الغريبة عن مسلمى مصر والتى تدعوهم لعدم رد التحية أو القائها على أهل الكتاب وعدم تهنئتهم فى أعيادهم.. الخ،..

كان هذا ملخصا لبعض حواراتى مع الأقباط، حاولت فيه أن أركز على النقاط الأساسية، لأن هناك الكثير من النقاط الفرعية التى لا حصر لها والتى تؤكد على سلبية الأقباط السياسية وعزلتهم عن الواقع السياسى المصرى.

فهل سيتحرك الأقباط فى الانتخابات القادمة؟ أم سنلتقى بعد عقدين مع مزيد من التخاذل والتقاعس والاخوان والتطرف والندم والبكاء والحسرة؟

عماد سمير عوض