عندما أطل شبح البطالة برأسه على دول مجلس التعاون الخليجي بدأت هذه الدول تفكر في إيجاد حلول لمعالجة هذه المشكلة حتى لاتتفاقم نتائجها السلبية، وكان أحد الحلول للقضاء على هذه المشكلة هي إعادة النظر في منح التأشيرات للعمالة القادمة الى دول الخليج العربي بإعتبارها من أكبر الدول في العالم إستقداماً.
وهناك حجة تقول من غير المعقول أن يتزايد منح التأشيرات في الوقت الذي بدأت تعاني هذه الدول من تفشي ظاهرة البطالة بين أبنائها وبين الوافدين وبعد أن كان الإستقدام سهلاً، وبدأ التشدد في الإستقدام فكأنما تحولت هذه الإجراءات من النقيض الى النقيض وهذا أيضاً بدوره يعطي نتائج سلبية من نواح مختلفة.
وهذا مايدعونا أن نناقش الموضوع من الزوايا التالية أولاً التساهل في منح التأشيرات وثانياً التشدد في منح التأشيرات وثالثاً الوسطية في منح التأشيرات ورابعاً وأخيراً التفكير في إيجاد نظام بديل.


التساهل في منح التأشيرات
لقد ترتب على التساهل في منح التأشيرات الى زيادة ملحوظة في العمالة الوافدة حتى أصبحت في كثير من الأحيان تجوب المنشآت باحثة عن عمل وهذا يعني أن البطالة أصبحت متفشية بين صفوفها وكذلك إنتشار ظاهرة العمالة السائبة مما لفت أنظار الجهات المعنية بتنظيم العمالة الوافدة في البلاد وعلى الرغم أن هناك شريحة من المواطنين إستفادت من هذا الوضع غير الطبيعي إلا أن شريحة أخرى إنعكس الوضع عليها سلباً.
وإذا تفكرنا في هذا التساهل الذي حدث في الماضي الذي كان مبني على طفرة إقتصادية عمت البلاد فكان الجميع مستفيد وكانت البلاد بحاجة الى تسريع حركة التنمية فكان الإستقدام سهلاً وكثيفاً ولايعني بسقف معين لافي الكمية ولافي النوعية فكانت بعض العمالة لاتتمتع بأي خبرة كما لم يكن هناك شروط في أعمار المستقدمين فكان يتم إستقدام عمالة بمهن بسيطة وقد تجاوزت أعمارهم الخمسين أو الستين.
ولهذا إتسمت بعض العمالة بعدم الكفاءة بل في كثير من الأحيان كانت تأتي لتتدرب على أرض الواقع وتتعلم المهن في دول الإستقدام، كما أن بعض هذه العمالة لم تكن تتمتع بمستوى جيد من التعليم لأنه لم يكن هناك حد أدنى من التعليم كأحد شروط الإستقدام، ولهذا ساهمت هذه العمالة في تخفيف البطالة لدولها في الوقت الذي ساهمت في رفع معدل البطالة في دول الإقامة.
وعندما بدأت موجة الإرهاب في معظم الدول بدا المنظرين في تعداد أسباب الإرهاب وكان أحدها إرتفاع معدلات البطالة وتسيب العاطلين في الشوارع والأسواق والأماكن العامة، والبعض منهم وقع فريسة لمنظري الإرهاب، الأمر الذي أدى الى مخاطر أمنية سواء كانت من العاطلين عن العمل من الفئتين مواطنين ووافدين.
وبدأ بعض الكتاب يطرحون أفكار لعلاج مشكلة البطالة ويطالبون بتوفير وظائف عمل للعاطلين من المواطنين الأمر الذي زاد من الضغط على الحكومات في الوقت الذي بدأت تركز إهتمامها في القضاء على الفئة الضائلة بدأت تعاني من ضغوط عليها من الداخل لتخفيف عبء البطالة عن المواطنين ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل بدأت المطالب بتوفير مزيد من الضمان والتأمين الإجتماعي في الوقت الذي زادت مصروفات وتكاليف الحرب على الإرهاب ومراقبة الحدود والتفتيش الأمني الداخلي.
وكان أن إختلطت بعض المفاهيم بخصوص النتائج السلبية الخطيرة التي أدت الى جرائم متعددة، من سلب ونهب وسرقات وأعمال غش ومخدرات وتغيير في العادات والسلوك التي تأثر بها الوطن والمواطنين فكان البعض يعزوها الى العمالة الوافدة والبعض الآخر يعزوها الى البطالة والمعتدلين منهم ربطوها بالإثنين معاً.
لاشك أن حركة الإستقدام السريعة التي ساعدت على قيامها وإنتشارها مكاتب الإستقدام التي حققت لهم مكاسب مادية كبيرة كما إستفاد من هذه المكاسب جامعي الغلة من المتسترين وكان ذلك على حساب جهد وعرق العاملين وعلى حساب العاطلين عن العمل من المواطنين وعلى حساب الذين كانوا يسامون سوء العذاب من قبل غير المنصفين من كفلاءهم والذين يبخسون العمالة حقوقهم الأمر الذي زاد من تعداد العمالة السائبة والهاربة التي إنعكست نتائجها سلباً على المجتمع.


التشدد في منح التأشيرات
لقد ترتب على التشدد في منح التأشيرات الى زيادة ملحوظة في تذمر طبقة من المواطنين من هذا التشدد الذي تسبب في نقص في العمالة المستقدمة وتضرر بعض فئات قطاع الأعمال وخصوصاً المنشآت الصغيرة ولهذا بدأت سياسات جديدة لتخفيض عدد العمالة حيث بدأت تضع ضوابط لخبرة وكفاءة العمالة المستقدمة، وضوابط للحد الأدنى من التعليم الأمر الذي أدى الى إنحسار البطالة سواء بين فئة المواطنين أو الوافدين.
وإنحسر تسيب العاطلين عن العمل في الشوارع والأسواق والأماكن العامة وإنحسرت موجات الإرهاب الى حدود دنيا، كما لوحظ إنخفاض الكثير من المخاطر الأمنية وخصوصاً بعد الزيادة في الرواتب في القطاعات الحكومية والقطاع الخاص وقلت المطالبات بتوفير الوظائف والمطالبة بالضمان والتأمين الإجتماعي ولاسيما بعد الزيادات التي طرأت على مقررات الضمان والتأمين الإجتماعي.
وبعد كل ماسبق نتمنى أن تقل النتائج السلبية الخطيرة، كما نتمنى أن تقل الجرائم المتعددة، التي كانت تقوم بها بعض فئات العاطلين عن العمل من الوافدين والمواطنين، كما أن الإجراءات الأمنية التي قامت به السلطات أدت الى نتائج إيجابية على جميع المستويات وخصوصاً بعد تشديد الرقابة على الحدود لمنع الإرهاب أدى بالتالي الى إنخفاض كميات المخدرات التي كان يتم تهريبها الى البلاد فأعطت نتائج إيجابية إنعكست على المجتمع ونتمنى أن ينعم الوطن والمواطنين بالأمن والأمان والحرية كما كانت أيام زمان.


الوسطية في منح التأشيرات
سوف يترتب على التشدد في منح التأشيرات فقدان التوازن بشأن الطلب على العمالة الوافدة التي لايمكن تعويضها كلياً من العمالة المواطنة حيث تلعب ثقافة العيب دوراً هاماً في إقصاء الشباب عن العمل في مهن معينة أما الوسطية في منح التأشيرات فقد تسهم في عدم تضرر فئة من المواطنين على حساب الفئة الأخرى فمن غير الإنصاف أن نميل الى جانب العاطلين عن العمل لتوفير وظائف لهم على حساب الطبقة التي تدير أعمال منشآتها بكفاءة مستفيدة من العمالة الوافدة أقصى إستفادة ممكنة.
كما ستلعب الوسطية في رفع مستوى الخبرة بين المواطنين والعاملين المستقدمين، وسوف تساعد على التوازن بين الرواتب والأجور سواء للمواطنين أو العمالة الوافدة غير الزائدة والتي تعوض النقص لإحداث نوع من التوازن في سوق العمل، كما سيتحسن مستوى الكفاءة والخبرة بين صفوف العمالة سواء الوطنية أو الوافدة، كما أنها ستساهم في رفع مستوى التعليم بين الطبقات العاملة سواء كانوا مواطنين أوعمالة وافدة، ومما لاشك فيه أن العمل بهذه السياسة سيؤدي الى التوازن الدقيق بين صفوف العاطلين عن العمل.
وسوف تنعدم كثير من السلبيات الخطيرة التي نتجت عن سياسة التساهل وبالتالي سنحصد نتائج إيجابية مبنية على إحترام حقوق الغير وهذا هو الجانب العملي للتأكيد على الإلتزام بتوصيات الحوار الوطني quot;نحن والآخرquot;، والعمل بقاعدة لاضرر ولاضرار فيما يخص التوازن بين تلبية إحتياجات طبقات المجتمع وسيكون هذا مقدمة الى إلغاء طبقة المنتفعين من المتسترين والمتستر عليهم مما يسمح بإجراء تعديلات على نظام الكفالة ليتماشى مع روح العصر الذي نعيش فيه حتى نتمكن من التدرج في إلغاء هذا النظام دون حدوث إنعكاسات سلبية على جميع الأطراف المكونة لهذا النظام.
وليكن ذلك عبر فترة إنتقالية، من خلال خطة عمل خمسية أو عشرية تتبناها الدولة، كما لايمنع أن نستفيد من تجارب الدول المتقدمة بهذا الخصوص عبر العمل بنظام القرعة لبعض الفئات بمعدل معين وبنسب معينة من كل دولة، والعمل على إجراء تعديلات على نظام الإقامة بما يمنح بعض المزايا للمقيمين في البلاد لفترات طويلة.


التفكير في إيجاد قوانين وأنظمة حديثة
من المفيد أن تسعى الدول الى تطوير الأنظمة وتعديلها بين الحين والآخر، بما يتناسب والتطور الذي تسير فيه بخطوات واثقة وثابتة، على أن تراعي في هذا التطوير متطلبات منظمات حقوق الإنسان الذي كرمه الله في جميع الأديان وجعله خليفته في الأرض لعمارتها، وهذا التطوير ينبغي أن يكون مبتكراً ويتناسب وبيئتنا وثقافتنا والجيد من تقاليدنا ولايتعارض أيضاً مع توصيات منظمة العمل الدولية، ويتناسب مع توصيات منظمة العمل العربية، حتى يتم تطوير الأنظمة بما يتماشى وروح العصر والمبني على التواصي بالحق والتواصي بالصبر وبهذا نكون قد حققنا العمل بخير الأمور أوسطها.

مصطفى الغريب

شيكاغو