أثارالحوار التلفزيونى الأخير للرئيس مبارك،ردود أفعال ساخنة، وهو شأن طبيعى، فهو لم يعتد إجراء مثل تلك الحوارات الطولة (الحوارمدته 6 ساعات)، وبخاصة فى وسائل الإعلام المصرية، فضلا عن الصورة التى ظهر بها أثناء الحوار مستعرضا تاريخه الشخصى، وبعضا من ملامح حياته الخاصة، مثل : كيف تلقت السيدة قرينته نبأ إختياره نائبا لرئيس الجمهورية، وأن علاء(نجله)..كان بيتفرج على العرض فى البيت وأن جمال(نجله الأصغر) كان مع والده فى المنصة ( وهو العرض الذى اغتيل فيه الرئيس السادات)،..وغيرها من التفاصيل التى كان يتسقطها المصريون (كأنها نميمة)من خلال النقل عن حوارات الرئيس مع وسائل الإعلام –فقط- الأجنبية، ولعل أول الصور التى نشرت من داخل بيت مبارك ويظهر فيها مع نجليه والسيدة قرينته كانت فى أحد أعدادمجلة(بارى ماتش ) منذحوالى20 عاما.
وتبدو الخلافات حول التاريخ العسكرى(الحقيقى)لحرب أكتوبر73هىالنقطة الأهم التى ستلى هذا الحوار، وبخاصة أن مبارك أفرد لها معظم حديثه، الذى إختار له عنوان (كلمة للتاريخ )،وإن كان أحد المؤرخين قال "لإيلاف" أن الأنسب لو أسماها الرئيس(كلمتى للتاريخ) لأنها –بحسب المؤرخ- حملت تصور مبارك الشخصى،للأحداث التى تعرض لها خلال الحديث.
وبعيدا عن التعليقات المتوقعة حول توقيت الحوار، وتفسير البعض بأنه دعاية إنتخابية للرئيس، فقد فتح الحديث من جديد باب (حرب المذكرات) وبالتحديد المتعلقة بحرب أكتوبر،وبدأت الطلقة الأولى فى أخدث حرب مذكرات،على يد الفريق سعد الدين الشاذلى(رئيس أركان الجيش المصرى أثناء حرب أكتوبر)،حيث بدأ الرجل فى الرد، فى صحف مصرية معارضة ومستقلة، مذكرا بالخلاف التاريخى الشهير حول (الثغرة )التى حدثت فى الجبهة المصرية بعد أيام قليلة من عبورقناة السويس.
مبارك أشار –أثناءحديثه التلفزيونى-بعدم إهتمام إلى سعد الشاذلى لدرجة أنه حاول أن يبدو غير متذكر لإسمه !!، وهو يقول لمحاوره "عمادالدين أديب" : " أه..وكان فيه واحد إسمه إيه دا..)،وبدا كأنه يحاول أن يتذكر هذا الإسم(المجهول) فأسعفه المحاوربقوله:.."الفريق سعد الشاذلى".كان الشاذلى مصمما على ضرورة سحب القوات المصرية التى عبرت القناة، وذلك لحماية ضفتها الغربية التى وصلت إليها القوات الإسرائيلية(بقيادة شارون)، وهو الرأى الذى رفضه السادات، وكلف الشاذلى الإقالة، والمحاكمة-غيابا-..أثناء حكم السادات،ثم مبارك،الذى قال إنه أبلغ القيادة عقب (ثغرة الدفرسوار) أن الإنسحاب سيكون تكرارا لهزيمة 67 مشيرا إلى أن:.."العساكر كانت هتنسحب وتسيب السلاح بتاعها، وكل واحد هيروح على بلده،كانت هتبقى فوضى مدمره، وقلتلهم، مش هقدر أغطى إنسحاب القوات، لإن الدفاع الجوى مش هيبقى عارف دى قوات مصرية،ولا..إسرائيلية، وبعدين كفايه إنسحابات بقى-يقصدماحدث فى67-..قلتلهم أموت ولا أنسحبش "، ورد"سعدالشاذلى" على "مبارك" فى حوار له مع صحيفة (الدستور)المصرية بقوله : " وأنا أقول إن هذا لم يحدث، يعارض بأى صفة-يقصدالرئيس مبارك-، كيف يؤثر رأى الطيران فى المناورة بالمدرعات،هل سمعتم عن طيران ينسحب،ينسحب من أين وإلى إين؟ ولماذا ينسحب أصلا ؟لكى يرفض مبارك-كان مبارك قائدا للقوات الجوية فى حرب 73-"
فى حديثه التلفزيونى قال مبارك إنه الوحيد الذى أبلغ السادات أن سلاحه (الطيران)جاهز للحرب،ورد الشاذلى :"إذاكان سلاح الطيران هو الوحيدالجاهز للحرب فلماذا حاربنا إذن ؟وهل الحرب قوات جوية فقط؟الحقيقة أن الرئيس السادات دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الإنعقاد تحت رئاسته فى أول أكتوبر 1973م،حيث أعلنجميع القادة جاهزيتهم وإستعدادهم للحرب ولم يتخلف منهم أحد، إن القول إن سلاح الطيران فقط هوالذى كان جاهزا هو إستخفاف غير مقبول ببقية قيادات الجيش.."
الشاذلى أشار إلى أن مبارك قام تبرئته من حيث لم يقصد،فالأخير إعترف بنقاط مهه –حسب الشاذلى- وهى : "حقائق لميتعرض لها-يقصد مبارك-خلال ال32سنه الماضيةوكان إعلام الدولة الرسمى يسير فى إتجاه معاكس لتلك الحقائق، أولا عندما أقر بأن أضعف سلاح فى القوات المسلحة خلال رمضان هوالقوات الجوية،ثانيا عندما قال (كانت مهمة القوات المسلحة هىعبور قناة السويس والإستيلاء على مساحات معينة وأن تطوير الهجوم الذى وقع فىيوم14 أكتوبر هو الذى أدى إلى وقوع الثغرة يوم 16 أكتوبر )، وهذه الحقائق كانت محور الخلاف بينى وبين الرئيس والفريق أول أحمد اسماعيل ".
إلى ذلك بدأت تترد فى أوساط عدد من أساتذة التاريخ الحديث فى مصر تساؤلات عن مصير اللجان المتتابعة التى تم تكليفها بكتابة التاريخ العسكرى لحرب أكتوبر73 وكان أحدث تلك اللجان ماجرى الحديث عن تشكيلها منذ عامين لمناسبة الذكرى الثلاثون للحرب، أيضا كان الرئيس السادات قد أمر بتشكيل لجنة للغرض نفسه وضمت عددا من أساتذة التاريخ، إلا أن اللجنه لم تجتمع سوى عدة إجتماعات روتينية لم يطلع أثناءها أساتذة التاريخ على أية وثائق، وإن كان أحد أعضاء هذه اللجنة قد أكد لنا وجود تسجيلات صوتية مطولة تحمل نصوص جلسات إستماع عقدها أعضاء اللجنة لعدد من السياسيين الذين كانوا على إطلاع بالحرب، واللافت أن الرئيس مبارك كان رئيسا لهذه اللجنة التى أمر السادات بتشكيلها عام 1976، وطلب من هذه الجنة كتابة تاريخ مصر الحديث وبصورة رسمية.
ولفت عضو اللجنه الذى تحدث إلينا أن عشرات الآف من وثائق حرب أكتوبر موجوده تحت يد رئاسة الجيش، والرئيس بإعتباره أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أنها لم تخضع للجان متخصصة من أساتذة التاريخ.وكان بعض الصحفيون قد تساءلوا خلال الأعوام الماضيه : هل قام الرئيس مبارك بكتابة مذكراته؟..وسئل الرئيس نفسه، إلا أنه لم يقدم إجابة قاطعة، وبرزت فى أوساط بعض المحللين إستنتاجات تتردد مؤداها انهم لايستبعدون إقدام مبارك على تلك الخطوة، وذهب البعض إلى القول بأنه ربما قام بذلك فعلا، ودللوا على ذلك بالاسلوب الذى إستعرض به مبارك تاريخ حياته العسكرية والسياسية خلال حديثه التلفزيونى، إذ أن الكثير من المعلومات التى كشف لم تذع من قبل، ولم تتطرق إليها المذكرات التى كتبها عدد من قادة حرب أكتوبر،مما يعزز فرضية إقدام مبارك على هذه الخطوة، وأشار إلى أن التاريخ الذى قدمه مبارك يستند إلى أبعد من مجرد إستعداده لحديث تلفزيونى، وأن توقيت كشفه عن الأحداث المهمة التى شهدها أبعد من كونه وسيلة للدعاية لإنتخابات سيخوضها وهو متأكد انها محسومة لصالحه، من دون الحاجة إلى عناء الإعداد الخاص لسرد أحداث مهمة فى برنامج تلفزيونى، وبخاصة أنه أعطى إشارات يفهم منها أنه يملك الكثير من الوثائق والمعلومات المتعلقة بالفترة التى شغل فيها منصبى قائد القوات الجوية أثناء حرب أكتوبر، ثم عندما أصبح نائبا للرئيس الجمهورية، حيث لم يكن إرتجالا من المحاور أن يكون هو الدافع الذى أضطر مبارك المعروف بتحفظه الشديد، إلى أن يشكك فى مصداقية بعض المذكرات والكتب التى تناولت تاريخ حرب أكتوبر، وبالتحديد، ما كتبه " سعدالدين الشاذلى"، و" محمد حسنين هيكل " وإن لم يذكر الأخير بالإسم، إلا أنه شكك فى رواية هيكل الشهيرة فى كتابه السلاح والسياسة، المتعلقة بوجود قناة إتصال سرية بين السادات والمخابرات الأميركية والتى عن طريقها أبلغ السادات طلبه وقف إطلاق النار فى أكتوبر73 وهى الرواية التى نفاها مبارك، مستخفا بصاحبها واصفا إياه بأنه كتب ذلك لغرض فى نفسه.
يذكر أن تهمة إحتكار وثائق ومعلومات عن فترات مهمة من تاريخ مصر موجهة إلى "هيكل " منذ سنوات طويلة، حيث لم يستجت لعشرات النداءات التى وجهتها له جهات وجامعات وكتاب، ليودع آلاف الوثائق الموجودة بحوزته والخاصة بفترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وكان قد حصل علي معظمها غداة وفاة عبدالناصر، ووصل الأمر حد أنه رفض تسليمها إلى إبنة عبدالناصر(هدى)عندما طلبت منه وثائق أبيها لتوضع مع غيرها فى إطار المشروع التوثيقى الذى أشرفت عليه، بدعم من جامة الإسكندرية، والمعروف أن (هيكل ) يودع آلاف الوثائق المشابهة، فى بنوك خارج مصر، وإزدادت حيطته إزاء ذلك بعد تعرض مكتبه فى القاهرة للسرقةعنذ سنتين.

وقد بدأ الصحفيون المرتبطون بهيكل حملة للرد على مبارك وتشكيكه فى رواية هيكل، وإن كان مبارك لم بذكره بالإسم، إلا أن هيكل نفسه بدا فى رده على أسئله صحفيه عقب حديث مبارك، أنه يعرف كونه المقصود من كلام مبارك.
والمؤكد أن الشهور المقبلة ستشهد عددا من حروب المذكرات، الخاصة بتاريخ حرب أكتوبر، وإن كان سحابة الإنتخابات الرئاسية والنيابية المصرية، لن تخلف أيه أمطار غير متوقعة، إلا أن دخول الرئيس مبارك الى خطوط إطلاق نار "المذكرات" يشير إلى إستعداده لمنافسة من سبقوه بمذكراتهم، وبالتالى لن تكون حرب أكتوبر آخر الحروب.. في جبهة المذكرات على الأقل !.

[email protected]