خلال أمسية أقيمت بمناسبة مؤتمر لمنظّمة الصحّة العالميّة بالرّياض سنة 2000، روى علينا المدير الإقليمي للمنظّمة ساعتها وقائع رحلته لإفغانستان كمبعوث للإمم المتّحدة، و كان من أطرف ما رواه و أعجبه، بالنسبة لي على الأقل، أنّه حين أراد قضاء حاجته، أدخلوه إلى مكان ما في الخلاء، كلّ ما وجده هناك : حفرة. فطالبان لم تكتفي بمنع الضحك بعد أن منعت الغناء وفرضت النقاب و البرقع و منعت النساء من العمل إلا العمل كمتسوّلات، و ألزمت بقوة ميليشيات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تطويل اللحي طولا معيّنا قدوة بما يعتقدونه سنّة نبويّة، يبدوا أنّهم كذلك فرضوا الاقتداء بالسلف الصالح حتّى في طريقة قضاء حاجتهم، ذلك أنّهم قديما كانوا يتبرّزون في حفرة في الخلاء حين يسدل الليل أستاره.

تذكّرت هذه الواقعة، و قد رواها لنا شاهد عيان عاشها بنفسه و لا أعلم له مصلحة لاختلاق الأكاذيب، تذكّرتها و أنا أقرأ بعض ما أثير مؤخّرا بمناسبة غزوة الحجاب المباركة التي تشنّها أصوات خلناها اختفت و اندثرت أو على الأقل راجعت قناعاتها و أساليبها العقيمة للدعوة لأفكارها المتخلّفة. فلسبب ما، تعالت أصوات الناطقين الرسميين باسم الله المالكين للحقيقة المطلقة مدافعين عما يعتبرونه زيا شرعيا و ما يتباكون بسببه مما يقولون أنّه هجوم للحكومة التونسيّة او محاربة له و لquot;حرائر تونسquot;، ذلك أن الحجاب من القرآن و أمر إلاهي لا يملك مخلوق مناقشته و من حاربه قد حارب الله و أنكر القرآن فهو كافر و وجب محاربته و استنصار المسلمين عليه، و هنا ظهر للوجود شيئ إسمه لجنة و عالمية، لمذا ؟ لمناصرة الاسلام في تونس. هكذا.

حسنا، إن كانت المحجّبات الّلواتي يتباكون لأجلهنّ و لأجل لباسهنّ الشرعي، هنّ حرائر تونس فمذا تكون أغلبيّة التونسيّات اللّواتي لم و لن يلبسن هذا الزي الطائفي، الدخيل و السياسي بامتياز ؟ هل هنّ إماء ؟ أو لعلّهنّ قحاب ؟ أو ليس ذلك ما يلمّحون له. لست دستوريّا و لا تجمّعيا و لا يهمني من أمر الحكومة شيئ، و لكني أكتب باقتناع، فهذا الزي المستورد زي طائفي بامتياز و الجميع يعلم ذلك، لا علاقة له بتونس و الجميع يعلم ذلك في تونس على الأقل فقد يختلط الأمر على غير التونسيين و التونسيات، و لكنّنا نعلم متى و كيف ظهر و لمذا يرمز. ثم لم يمنع أحد أحدا ما أن يلبس بالطول الذي يريده و حتّى أن يغطّي شعره، فلمذا الإصرار على هذا الزي بالذات، و الإصرار على الصدام بهذه الطريقة السّقيمة التي تدعوا للرثاء ؟

لن أعود لمناقشة الأدلّة الشرعيّة من القرآن بل و من السنة نفسها التي تثبت أن هذا الزي دخيل على الإسلام فالدراسات العلمية و الجادة متوفّرة للجميع، و هذا ما يراه القرآنيّون و حتى بعض رموز المذهب السلفي و ليس آخرهم الدكتور حسن الترابي. و لكن في كلّ الحالات هناك خلاف و لو بين أغلبيّة و أقليّة. أليس هذا أدعى لأن لا نصرخ و نبكي و نكفّر من لا يقول بوجوب هذه الخرقة التي نختصر المرأة فيها فإن لبستها فهي حرّة عفيفة و مؤمنة ؟ و مذا لو لم تلبسها ؟ أليس هذا اكراها معنويّا و أنتم لا تملكون قوّة تفرضون بها ما تريدون ؟ فكيف الحال لو كان لكم ميليشيات أمر بالمعروف و نهي عن المنكر، و هذا أوّل ما ستفعلونه بالتاكيد لو لا قدر الله مكّن لكم ؟ فلمذا العويل و التباكي عن حقوق الانسان المهدورة ؟ لمذا لا تكونون صرحاء مع أنسكم و تتوقفوا عن نفاقكم ؟ و منذ متى اهتممتم لحقوق الانسان ؟

أو ليس من حقوق الانسان الأساسية حريّة المعتقد و الدعوة السلمية للمعتقد مهما كان ؟ طيب اعلنوا علنا انكم لستم ضد التنصير و لا ضد الفكر الالحادي او اللاديني و أنّ فتوى اهدار دم سلمان رشدي باطلة لكي نصدّقكم. حريّة الانسان لا تتجزء، لكنكم تأخذون منها فقط ما يناسبكم، بل اكثر من ذلك، قرأت لأحدكم ما يقول أنه اعلان عالمي لحقوق الانسان المسلم، على اعتبار يعني أن على رأسه ريشة، و مذا كان في هذه الحقوق الخصوصية و التي اعطيتموها لأنفسكم ؟ أنه لا يحق لأي نظام وضعي أن يفرض عليه ما يتعارض و معتقده، يعني مثلا و ليس حصرا، المسلم الذي يعيش في أوروبا من حقه قطع عمله خمس مرات للصلاة، و العمل نصف وقت في رمضان، و لما لا نكاح ما ملكت ايمانه، و هذا ما حدث في امريكا فعلا حيث قضية مرفوعة على سعودي اعترف بمعاملة خادمته الفيليبينية التي استقدمها معه من السعودية كالعبيد و بدون أجرة و استغلالها جنسيا. الامثلة كثيرة و أغلبها مثير للشفقة قبل السخرية، و لكن تلك هي أدبياتكم التي تجعلكم آخر من يتكلّم عن حقوق انسان، و عن ديمقراطية أو انتخابات، لأنكم و بكل الحالات لن ترضوا بغير افكاركم المنزّلة من السماء و التي من يعاديها يعادي الله نفسه، ألا تطلقون رويبضة و عدو الله و عميل الخ على كل من ينطق بحرف لا يروق لكم ؟ أو ليس هذا ما نال الدكتور خالد شوكات لمجرّد أنه كتب شيئا من الحقيقة عنكم ؟

تبقى مسألة نصرة الاسلام في تونس، و هي التسمية التي تلقفتها قناة الجزيرة (مرة أخرى هي) لتجعل مها عنوانا رئيسيا و كأنّ الشخص الذي أسس هذه الجبهة يمثل شيئا ذا بال في تونس، و ندائه لعلماء المسلمين الذين لو كان فيهم خير لنفعوا بلدانهم الغارقة في الجهل و التخلف بدل التطاول على تونس، و لنصحوا مجاهديهم الأشدّاء على الكفّار من العراقيين و الشيعة و الرحماء فيما بينهم و بين الأمريكان بدل استعدائهم على تونس و هم من ألفهم الى يائهم لا وزن لهم. بربّكم أي علم يحملون ؟ رياضيات، فيزياء ؟ فلك ؟ جيولوجيا ؟ وجدوا حلولا للعطش الذي يقصم ظهر شعوبهم أو للمرض الذي يقتل أطفالهم ؟ صعدوا للقمر بعلمهم أم ثقبوا ابرة حتّى ؟ أي علم هذا ؟؟ صدقا لا رغبة لي في الضحك، فأرجوكم أفيقوا يرحمكم الله. أنتم مجرّد فزّاعة لا تخيف أحدا، لكن يبدوا أن هناك من لازال يرغب في استعمالكم.

ردود أفعالكم ارهاب فكري و معنوي، و لا تبعد كثيرا عن حفرة طالبان المذكورة أعلاه. تريدون أن لا يلتفت أحد لهذا الشكل من اللباس، ارفعوا ابديكم عنه، تريدون حرية الملبس، فلا يطالب أحدكم بمنع المينيجيب أو البيكيني، تريدون حقوق الإنسان، فلتكن كاملة للجميع كما وردت في الاعلان العالمي بدون تغيير تحت أي مسمّى لا خصوصية ثقافية و لا دينيّة، و بدون إستثناء فتتساوى المرأة في الإرث مع الرجل، و لكن هيهات أن تفعلوا، وجودكم نفسه مبني على هذه الخصوصية و القراءة المتخلّفة.... و الثّعبان الأقرع، و على فكرة، ليس صحيحا أن انتشار الحجاب عائد لوعي ديني، بل لانتشار القنوات الفضائية المتخلّفة و أشرطة عذاب القبر و الشيوخ المودرن من أمثال عمرو خالد، فلا تحسبوا ذلك عودة لكم،

و مرة أخرة أفيقوا يرحمكم الله، لن نعود لقضاء حاجاتنا في الحفر و لو أتيتم بألف نص.

عماد حبيب
http://imedhabib.blogspot.com