من يعتذر للشعب الكردي عن تصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية quot;إسماعيل هنيةquot;؟؟
بعد مضي أكثر من عشرة شهور على تشكيل الحكومة الفلسطينية quot;الإسلاميةquot; على أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني، يحق لكل إنسان في المنطقة العربية، كونه متأثراً، ومربوطاً ثقافياً، وسياسياً، واجتماعياً، بفلسطين التاريخية، وتأثيراتها على المنطقة، أن يسمح لنفسه بتقييم أداء هذه الحكومة بعد هذه المدة التي تم فيها تشكيلها، على أساس الحزب quot;الإسلاميquot; الواحد في ظلِّ دولة متعددة الطوائف، والمنابت الفكرية، والسياسية، خاصة بعد أن أفلس البرنامج الاقتصادي والسياسي لهذه الحكومة.
وبدأت هذه الحكومة كأنها تكرر نظام الحكم الشمولي، بتقاسمها مع عباس الدولة، بين السلطة التنفيذية بيد عباس، والتشريعية وجزء من التنفيذية بيد quot;حماسquot;.
الحكومة الفلسطينية الحالية التي تتمسك بثوابتها، وتدافع عن بقائها حتى لو بفناء الشعب الذي تحكمه، مصرة على أنها صعدت بطريقة quot;ديمقراطيةquot; لحكم الشعب الفلسطيني، متناسية هذه الحكومة؛ أن الديمقراطية ليس لها حداً تقف عنده، بالتالي أن عليها أن تكمل استحقاقاتها تجاه الشعب الفلسطيني، بفتح المجال quot;الديمقراطيquot; لعمل الاستفتاء الفلسطيني ليقيم الشعب أدائها، خاصة وأن الشعب الفلسطيني بدأ يكتشف سقوط أقنعة الخديعة والوهم الزائف الذي تقنعت به حماس حين صعدت إلى المجلس التشريعي حاملة شعار محاربة الفساد والفلتان الأمني، والشعار الديني، فما يحدث في الساحة الفلسطينية، لا يمكن توصيفه بكونه صراع تيارات سياسية برؤى فكرية متباينة، ولا كونه جدل فكري، أو سياسي، أو جدل ديالكتيك، لافتقار كلا طرفي الصراع لمنظومة فكر حقيقية.
فعبر أكثر من عشرة شهور مضت، والصراع القائم بين حماس بفكرها الإسلامي، الجناح الفلسطيني للإخوان المسلمين، الممتدة على مساحة وجغرافية واسعة في المنطقة العربية، وغير العربية في العالم، وبين الفكر البرجماتي الليبرالي لحركة فتح، الذي تبدل حسب رؤى ياسر عرفات واجتهاداته الفكرية والسياسية، ضمن الجغرافية السياسية التي تغيرت من الكويت، إلى عمّان، إلى بيروت، فتونس، والقاهرة، وأخيراً أراضي الحكم الذاتي الفلسطينية، وحسب التقلب السياسي لتحالفاته، الطائفية مرة، والدينية مرة، والفكرية مرة، والبرجماتية، التي شهدت تغيرات دراماتيكية عنيفة.
ما هو حاصل الآن على الساحة الفلسطينية، هو صراع بقاء لطبقة البرجوازية الفلسطينية على الحكم، ومحاولة كلا طرفي النزاع السلمي والمسلح، خلق بيروقراطيته الخاصة، إما بوجهها السياسي العلماني لفتح، أو الإسلامي الديني لحماس، نشأ هذا الصراع في ظل الفساد الإداري والمالي والتنظيمي، الذي ساد فترة نشوء السلطة الفلسطينية، تولاها الراحل ياسر عرفات برعايته، فعاشت في ظله وبين جناحيه، رتبت فيما بينها منظومة مصالح اقتصادية، امتدت لتشمل بخيرها أفراد في المحيط العربي، والإسرائيلي أيضاً، ولا يغيب عن ذهننا في هذا السياق مشاريع اقتصادية، على سبيل المثال، كازينو أريحا، وصفقات إسمنت السور الواقي التي تورط بها وزراء في حكومات فلسطينية سابقة، وصفقات منتجات البترول التي يقودها دحلان بالتعاون مع رجال أعمال أردنيين لإدخال النفط السعودي بالسوق السوداء لإسرائيل، وصفقات المواد التموينية الفاسدة بمختلف أشكالها وألوانها، وصفقات تجري حالياً لشراء أراضي فلسطينية صادرتها إسرائيل دخلت ضمن السور الواقي، وشرائها من أصحابها الأصليين وبيعها لشركات إسرائيلية تنوي فتح مدن صناعية فيها.
لقد شكلت نتائج الانتخابات التشريعية تهديداً مباشراً لمصالح هذه الطبقة الطُفيلية الفلسطينية التي شكلت طبقة من السماسرة لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وهي التي كانت تسرح وتمرح في المجتمع الفلسطيني بحرّية تامة، دون منافسة تذكر من أحد، مقسمةً كل قطاعات الاقتصاد الفلسطيني فيما بينها، رابطةً مصير كثيرٍ من الأفراد، وخاصةً في الأجهزة الأمنية بمصيرها، مغدقةً عليهم المنافع والخير الوفير.
لقد خافت هذه الطبقة على مصالحها الاقتصادية، وارتعدت من إمكانية فتح ملف الفساد والفاسدين والقضاء على الفلتان الأمني، كما وعدت حماس في حملتها الانتخابية، وهذا هو السر في التهديد quot;بالترقيص عشرة بلديquot;، كما وعد دحلان، فالتقت بذلك مصالح هذه الطبقة مع المصالح الإسرائيلية والأمريكية، في إسقاط هذه الحكومة، وعدم السماح لها بتحقيق أي إنجاز.
إن المأزق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية هو أن الوعود quot;الحمساويةquot; بقيت وعوداً ليس إلا، وملفات الفساد الفتحاوية السابقة، أضيف إليها ملفات فساد إسلامية حمساوية، ووعود القضاء على الفلتان الأمني، ترجم حمساوياً بتشكيل القوة التنفيذية التي بدأت إلى جانب قوة دحلان المتمثلة بالأمن الوقائي بخلق حروب أهلية داخلية فلسطينية، وقتل المواطنين العزل في الشارع العام دون رادع، وعلى شاشات الفضائيات، وانتقل الصراع الفلسطيني إلى مرحلة صراع البرجوازيات على الكرسي، وبهذا وقع الشعب الفلسطيني بفخ شعارات حماس التي كان أولها حكومة التكنوقراط.
المذبحة المستمرة بحق الشعب الكردي:
ولم يقف مأزق الشعب الفلسطيني عند هذا الحد، بل سار المأزق، وتضخم أكثر حين بدأت حماس بتنفيذ الأجندة الإيرانية بالشكل البعثي الصدامي السابق، فالرابط المشترك بين نظام صدام وإيران الوحيد هو العداء الدامي للشعب الكردي، واليوم حماس ممثلة برئيس حكومتها quot;أبو العبدquot; تكرر الأسطوانة الإيرانية الصدامية بالحرب الشنعاء على الشعب الكردي، فقد استغلت حماس كما من قبلها إيران، شعار الدولة الإسلامية في محاولة لوضع نفسها فوق النقد، وكما فعل كذلك صدام حسين حين رفع شعار القومية العربية وارتكب باسمها المذابح بحق الشعب الكردي في حلبجة والأنفال، مستغلاً كذلك المسمى الديني لمذبحته quot;الأنفالquot; لتبرير جريمته أمام الشعوب العربية التي صفق جزء منها للدم الكردي المنساب، وللشعب الذي كان يُذبح حلالاً على الطريقة الإسلامية، الصدامية والإيرانية، في حرب لا ناقة لهم ولا جمل فيها.
السيد إسماعيل هنية quot;أبو العبدquot;، رئيس الوزراء الفلسطيني عن حركة حماس، ارتكب جريمة جديدة بحق الشعب الكردي، استكمالاً لجرائم سادته السابقين من البعثيين، والحاليين من الإيرانيين، خطأ ليس بالسهل بحق شعب كامل، في خطابه يوم السبت 6/10/2006، عندما أراد أن يدافع عن القوة التنفيذية التي شكلتها حركة حماس لتحل محل القوى الأمنية الفلسطينية المشكلة بقرار منبثق عن اتفاق أوسلو، فحاول أن ينفي عن قوتهم التنفيذية صفة (العصابات أو المليشيات)، فقال إنها ليست عصابات (كالبيشمركة) الكردية، وعلى الرغم من أن البيشمركة الكردية لا تمثل كافة الشعب الكردي، إلا أن الوحيد المخول بتوصيف هذه الحركة هم الأكراد أنفسهم، ولا يجوز التمادي من قبل من يعتبر نفسه ممثلاً لشعب فلسطيني يعاني كما يعاني الشعب الكردي من التشتيت والمذابح، فالأكراد يا quot;أبو العبدquot; ليسوا عصابات، وهم شعب أصيل متجذر كان له دولة تاريخية أصيلة، تمتد لأكثر من مئات السنين في هذه الأرض، ولكن من لا يستطيع أن يقرأ التاريخ إلا فقط من خلال 1400 عام مضت، لن يستطيع بالتأكيد أن يقرأ تاريخ المنطقة، ولن يستطيع أن يقرأ كيف حاول الحضور الإسلامي أن يمسح هوية هذا الشعب وخصوصيته من أرضه، فقبل الإسلام، ودولته كان دولة الأكراد التاريخية في هذه المنطقة، ولمن قرأ عن الأكراد في الكتب الإيرانية والمنشورات البعثية التي روجت لأن شعب كردستان هو شعب دخيل على المنطقة، عليه أن يعيد قراءة نفسه، وتاريخه من جديد.
من حق quot;أبو العبدquot; أن يدافع عن قوته التنفيذية المسلحة ويعتبرها الطيور الأبابيل، أو جنود الله المسلطة على أعداء الله، ولكن عليه ألا ينسى أن حديثه الذي يمكنه أن يصنع شرخاً بين الشعب الكردي والفلسطيني، ليس من حقه، ويمثله هو وحده، وكما يقول المثل الشعبي: quot;إلي بيته من زجاج لا يرجم بيوت الناس بالحجارةquot;، وبيت السيد أبو العبد مهشم بتصرفات قواته التنفيذية التي قتلت تسعة من المحتجين على احتباس رواتبهم وتجويعهم لمدة تسعة شهور خلال ساعتين، وجرحت أكثر من 120 مواطناً آخرين، وبالتالي على السيد هنية أن يهتم للبيت الفلسطيني قبل أن يفتح النار على الناس، ويعيد كالببغاء الأسطوانة الإيرانية، ويعيد تكرار ما فعله عرفات من قبله حين دمر العلاقات الفلسطينية الكويتية حين أعلن تأيده لغزو صدام للكويت، وأمده بانتحاريين لحرب الشعب الكويتي المغلوب على أمره، وهل ينسى الأكراد والكويتيين تأييد حركة حماس في العام 1990 لسياسة صدام حسين الإجرامي، واحتلال دولة، وهل ينسى الشعب العراقي والكردي، وكل شعوب المنطقة التي عانت ويلات صدام حسين، وأولهم الشعب الفلسطيني الذي أجهض صدام حسين انتفاضته الشعبية الأولى، إعلان حماس الولاء المطلق لصدام حسين، مقابل الملايين التي نزلت في أرصدة خالد مشعل إلى جانب شخصيات أردنية كان من بينها فخري قعوار، وتوجان الفيصل، وغيرهم، وهي ما سميت آنذاك بفضيحة quot;كوبونات النفط العراقيquot; ؟
ومن يحاسب عبد العزيز الرنتيسي، الأمين العام السابق لحماس، عندما قام بكل وقاحة في العام 2004 بفتح بيت عزاء في الديكتاتورين الصغار، ابنا صدام حسين (عدي و قصي)، واعتبارهما شهداء، واحتسابهما لوجه الله تعالى، أسوة بما فعلته حركة الأخوان المسلمين في الأردن، والتي هي نفسها تقدمت بتقديم العزاء بالمجرم الإرهابي السلفي أبو مصعب الزرقاوي.
واليوم يعيد السيد هنية كالببغاء تكرار ما قاله صدام وزبانيته، وإيران وزبانيتها، ويتهجم على الشعب الكردي، ولا عزاء لشهداء الأنفال وحلبجة!!
بعد أن قدم السيد فاروق القدومي الاعتذار للشعب الكويتي عن التأييد السابق لصدام، من يعتذر اليوم للشعب الكردي عن تصريحات السيد quot;أبو العبدquot;؟
مهند صلاحات
كاتب وصحفي
[email protected]
التعليقات