في إطار الدولة اللادينية..
في خضم هذا الجو من المشاعر المتهيجة في عالمنا الإسلامي الآن كردة فعل على رسومات رسام كاريكاتوري مغمور، ودخول الأمر إلى مستوى ظواهر أخرى، كأن تعيد صحف ما أوروبية نشر هذه الرسومات الكاريكاتورية لتختبر على حد زعمها / تسامح الإسلام والمسلمين، وبنفس الوقت تدافع عن حرية الرأي والمعتقد لمواطنها الأوروبي عموما والمتطرف منها خصوصا، لكون التطرف هنا هو في الحيز السياسي وحيز الرأي. وكي أوضح مثالا أراه في شوارع أوروبا:
وهو أن الملتحين من الإسلاميين والذي يرتدون ملابس طالبان أو الباكستان، فأنا لا أعرف في الحقيقة من أين أحضروا هذا النوع من اللباس ثوب قصير مع سروال من قماش ناعم وقبعة تشبه قبعة يرتديها الشعب الأفغاني والباكستاني ولا علاقة له بلباس الصحابة أو لباس المنطقة العربية وخصوصا الجزيرة العربية. هذا اللباس الذي لايتجرأ هؤلاء على لبسه في بلدانهم الأصلية لأنه أولا خارج لباس بلدانهم وغريبا عن بلدانهم ولأن السلطة العربية سوف تمنعهم لأنه لباس بهوية طالبان لأن لسان حال السلطات العربية أرتدوا هذا اللباس في مكان آخر وليس عندنا. ومع ذلك تحميه هذه القوانين الأوروبية لأن اللباس هنا هو جاهزية سياسية ومتطرفة غالبا والتطرف يبدأ باستحضار هذه الرموز من الألبسة والذقون وخلافه، تما ما كمي تحمي اللباس اليهودي للمواطن الأوروبي أو الذي يرتديه بعضا من يهود أوروبا. والتطرف االسياسي مكفول ما لم يدعو إلى العنف ومالم ينبذ استخدام العنف لغايات سياسية. وهذا يمكن ان نجد منه الكثير في أوروبا والغرب عموما من اليمين واليسار.
ربما من أكثر المصطلحات التي يتم الحديث عنها والكتابة عنها / سلبا أو أيجابا..الخ / هو مفهوم العلمانية. ولا أريد أن أكرر الكثير نظريا وسياسيا ولكنني سأناقش الموضوع إنطلاقا من الوضع التاريخي السوري. حيث قدم الأخوة العراقيين كفاعلين سياسيين أحزابا ومؤسسات باتت مسيطرة على المشهد العراقي برمته تقريبا: نموذجا معاديا في صميمه للعلمانية، وسيكون له في حال استمر الوضع العراقي في هذا الطريق نتائج لا تحمد عقباها على الشعب العراقي برمته مستقبلا. رغم تمنياتنا الأكيدة بأن يكون الوضع غير ذلك تماما.
ومن المفارقات المدهشة في الوضعية العراقية: أن أحزاب القوى العربية السنية / كأقلية طائفية / لم تعترض على لاعلمانية الدستور بل اعترضت أكثر على موضوعة اجتثاث البعث وهي قوى تأخذ عنونها السياسي من برامج / الإسلام السياسي. وهذا يخالف تقريبا مطالب الأقليات الدينية والطائفية في أي بلد من البلدان لأن كافة الأقليات من مصلحتها حماية نفسها عبر المطلب العلماني حتى وإن كانت لاعلمانية في تمثيلها السياسي الفعلي ـ لبنان نموذجا وسوريا تحاكي في قسم من فاعليها الثقافيين والسياسيين هذا النموذج. هذه المفارقة المحزنة في الوضع العراقي تجعلنا نبحث عن الأسباب في النظام الأقليمي العربي وثقافته واستبداده الذي كرسه على مدار خمسة عقود وأكثر منذ لحظة الاستقلال وحتى الآن.
إن العلمانية هي نتاج لمفهوم سيادة وضعي لايقبل القسمة على أحد / الدولة بلادين ولا أخلاق، الدولة قانون ودستور يحمي أفرادها كمؤسسة تبحث عن جدوى مشروعيتها السيادية. لهذا هي عندما تنفصل عن أخلاق السلطة ودينها، لايعينها بعد ذلك دين الأكثرية أو دين الأقلية، بل يعنيها مشروعها السيادي الوضعي كمؤسسة ربحية لها نواظمها الوضعية أيضا والتي لها في أسها جوهرا أخلاقيا يبتدأ من مسألة الحرية المدنية على الصعيدين المادي والرمزي.
أما أن نقوم باللعب على الألفاظ لكي نمرر مشروع سلطة أحادية كما يحدث في العراق اليوم فهو أمر لايمكن أن ينتج مجتمعا سليما ومنفتحا وحاميا لأكثرياته الدينية بنفس القدر الذي يحمي أقلياته، والأهم مواطنه الفرد بكل حقوقه الدستورية والقانونية / سياسيا ثقافيا وحرية رأي وأعتقاد..الخ دين الفرد ليس شرطا في محاولته الوصول لإدارة مشروع الدولة هذا عبر الانتخاب.
الشروط في العمر في المؤهلات الفردية على كافة الصعد، ولكن لايطلب منه ماهو دينه عندما يتقدم لكي يترشح لمنصب الرئاسة.
الدولة اللادينية معياريا هي لحماية مواطنيها وأديانهم وممارساتهم الدينية بحريتهم ودون محاولة فرضها على أحد المواطنيين عن طريق سلطة الدولة أو فرض جزء من شعائرها عليه إذا كان في حالتنا مسيحيا أو درزيا. والقول بحد ذاته عن الدولة بأنها دولة علمانية أو لادينية هو قول يبعد المعيار الديني أو الطائفي عن أي شكل ديني أو طائفي ممكن أن تتخذه سلطة الدولة ويصبح حكما على الآخر الذي لاينتمي لهذا الدين أو لهذه الطائفة.
لدينا في العالم الأسلامي القضية معقدة لأن ديننا الحنيف يحمل في قدسيته / تعاليما دنيوية: تحدد جملة من القوانين والممارسات السياسية والاجتماعية لا يمكن فرضها على جميع مواطني دولة مثل سوريا مليئة بالأقليات الدينية والمذهبية والطائفية. وهذا الأمر لانجده في الديانة المسيحية: وهذا ما ساعد على أنتاج نموذج الدولة اللادينية.
والدول التي هي استثناء كلبنان وغيره من الدول مثلا: تمت لأن هذه الطوائف غير قادرة على التعايش في ظل دولة لادينية وعلمانية وليس لأن العلمانية تحمل خللا أو لأنها ملحدة!!
فهل تقبل المؤسسات الطائفية في لبنان بمجيء رئيس جمهورية من الطائفة الدرزية / كمواطن لبناني؟؟!
الدولة تحمي الدين والأخلاق، وليس العكس الدين لايحمي الدولة بل يؤطرها في سلطة أحادية مهما كانت نوايا القائمين على مشروع الدولة الدينية.
وبالتالي في سوريا عندما نقول كما جاء / بالإيحاء أو بالوضوح كما فهمت من قبل بعضهم / في إعلان دمشق: الدولة السورية دولة مسلمة أو دين الدولة هو الأسلام: فأننا نقول سلفا الدولة هي للإسلام والمسلمين!! وفي حالتنا للمسلمين السنة وفي الحالة العراقية للمسلمين الشيعة.
جزء من المعارضة السورية يخاف من تكرار التجربة العراقية في سوريا ليس لأنها تحضر الأمريكان والفوضى فقط بل لأنها: تخاف أيضا من أن تؤول الدولة إلى النفق الديني وتسمى دولة إسلامية وهذا ما يشكل رعبا أو خوفا لدى كل الأقليات الدينية والمذهبية.
وإذا كان الأمر كذلك والإسلام السياسي لايخاف لكونه الأكثرية في سوريا أقصد لايخاف على دينه وثقافته لماذا إذن أصراره على الدولة الدينية / بلبوس يسمى مدنيا!!؟ لهذا يصرح قسم من قادته أنهم ليس لديهم مانع من مجيء إمرأة أو مسيحي إلى رئاسة الدولة!! فمجرد هذا التصريح يعطي لنفسه الحق:
بأنه السائد ولايمانع!! السائد أكثريا / ولايمانع مجيء أقلاوي وبالطبع المرأة عندنا تحسب على الأقلاوية! دولة المواطنة لاتحتاج للسماح من أحد لمواطن مهما كان دينه أو جنسه أن يتصدى لمسؤوليته كمواطن في هذه الدولة... وللحديث بقية.
غسان المفلح
التعليقات