تعثر تشكيل الحكومة في العراق، يذكرنا بالانقسامات بين قوى الاحزاب المعارضة، حين كانت ترفع شعار اسقاط النظام الدكتاتوري واقامة الحكم الذاتي الحقيقي في كردستان العراق، والجبهات الوطنية العتيدة جود وجوقد. وهذه الجبهات اصبحت جزءا من تاريخ المعارضة العتيدة، بعد ان وصل اطراف هذه الجبهات الى الحكم في العراق.

فماذا حدث؟

انه اشبه بما كان يحدث بين الجبهتين وما يحدث بداخل كل جبهة، فقد كانت كلتا الجبهتين تضم قوى واحزابا وطنية تتفق على الشعار، ولكنها تختلف في تقييمها للاحداث،وطرق واساليب العمل لتقويض الدكتاتورية الدموية في العراق، وصولا الى الشق الاول من الشعار اسقاط النظام.

واليوم تعاني هذه الاحزاب والقوى من نفس الافة. بسبب تقديم ما هو حزبي وعقائدي على ما هو وطني، ولكن الامعان في خدمة فئة او حتى كتلة انتخابية من عدة احزاب وتنظيمات، لابد ان ينعكس سلبا على التكتلات والقوى الاخرى، لذلك فشل اسلوب المحاصصة الطائفية والحزبية بتشكيل حكومة وطنية.

ونعود الى نقطة البداية بحيث يصبح شبه اجماع على رفض مرشح الاتلاف لرئاسة الوزراء. اما الاسباب فلايمكن حصرها بدءا بالانفراد بالقرارات وانتهاءا، بحذف عبارة الفيدرالية من القسم

واذا ما اريد زيادة على ما جاء على لسان المعترضين، فبالامكان ايجاد اضعاف ما جاءوا به. وفي كل ذلك تنسى الاحزاب الدينية وكذلك الاحزاب العقائدية بان السياسة فن الممكن، ولكن الحقيقية ان الاحزاب الدينية بما تمليه عليها عقائدها، تعتقد بان السياسة فن المستحيل. والدليل بان لدينا جيشا للمهدي وفيلقا لبدر، وجيشا لحزب الله. وهذا ما نعلم من اسماء مليشيات حقيقية تحمل السلاح وتجوب الشوارع، وتقوم مقام اجهزة الدولة الامنية والعسكرية.

اما المفارقة في كل ذلك ان الاحزاب التي تتبعها هذه المليشيات،هم السلطة، والحكومة الانتقالية التي مازالت تعمل،تشكلت من هذه الاحزاب والقوى...فلماذا المليشيات اذن؟

فنرجع الى ايام جود وجوقد، حتى نظن بانهم مازالوا في المعارضة، وليسوا في الحكم وجميع اجهزة الدولة، تشكلت من قواهم الحزبية والعسكرية.

فيحق لنا من كل ذلك ان نستنتج بان قوى المعارضة التي كانت بالامس، مازالت، تجد صعوبة كبيرة بالتاقلم مع الاوضاع الجديدة، ولابد ان يمر وقتا طويلا قبل ان تتمرس على حقيقة وقعت منذ اكثر من ثلاث سنوات، تتلخص بخروج هذه القوى من المعارضة الى الحكم، ولايوجد هناك خط اخر للرجوع،اما من يريد الاستمرار في المعارضة، فليس امامه سوى الاساليب السلمية والديمقراطية.

ولابد بان السياسيين يعرفون بخبرتهم،بان اساليب المواجهة المسلحة، بانها كارثة على الجميع، سواء كانوا من الائتلاف او من الكتل الانتخابية الاخرى.

لانها تعني خسارة كل شيء، والعودة الى نقطة الصفر من جديد، ليست كقوى معارضة مرة ثانية، وانما لاعادة ما هدمته المواجهات، وربما سيكون اصلاحها اعسر، من الايام العجاف،التي كان فيها التخلص من الدكتاتورية،اشبه بالحلم، يقض مضاجع الجميع،سواء كانوا في جود او في جوقد

وتبعا لذلك لاحراك بالاوضاع المتدهورة للمواطنين، فانعكاسات كل ذلك، تسير بهم من سييء الى اسوا، وبعد مرور اكثر من ثلاث سنوات،وبالرغم من الدعم المالي والمعنوي للوزارات والمؤسسات الحكومية، تزداد الخدمات تدهورا، حتى اصبحت مدن العراق مزابلا حقيقية لكل انواع القاذورات. بسبب انشغال الاحزاب والقوى بالمناوشات البعيدة عن هموم المواطن،واهتماماته ومشاغله.

والسياسيون يعلمون، او ربما لايعلمون، بان واجبهم خدمة هؤلاء، لااتخاذهم وسلية للمكاسب الشخصية، لان ذلك يعود بنا الى نقطة الصفر من جديد، وهذه المرة، العودة الى كل ما قاومه الشعب العراقي بكل قواه، من ترسيخ لدكتاتورية الاشخاص،او الاحزاب وانفرادها بالسلطة والقرارات.

ولايمكن لاي عراقي تخيل العودة، الى دكتاتوريات من هذا النوع،بدلا من الدكتاتورية السابقة. فاذا كان على المواطن،ان يرضي دكتاتورية واحدة لينجو بنفسه وبعائلته، عليه ان يرضي دكتاتوريات بعدد الاحزاب،والقوى المنتشرة بكل بمكان، وارضاء مليشياتها المسلحة كذلك.

فنعود مرة ثانية الى جود وجوقد، فقد حصلت مجازرحقيقية،بين القوى المؤتلفة بهذه الجبهات، وراح ضحيتها عشرات،وربما المئات من الانصار والبيشمركة بشمال العراق. وكان التبرير الاقرب للواقع، دسائس النظام السابق، فما هو التبرير الاقرب للواقع في عدم اتفاق هذه القوى،على تشكيل حكومة وحدة وطنية؟

حكومة تمثل الجميع سواء من كانوا بجود او بجوقد، او حتى من كانوا خارجهما،، طالما عملوا جميعا على اسقاط النظام السابق، وتخليص العراق من ويلاته، وهذه طالت الجميع سواء من كانوا بجود او بجوقد او خارجهما. فقد طال بطش النظام السابق جميع العراقيين، ولايمكن ان يتخيل اي عراقي ان يطول بطش المليشيات الجديدة جميع العراقيين.

ولايعقل ان يعاد كل ماسبق بطريقة اخرى، حيث تبدا معاناة العراقيين من حدود العراق مع الاردن وسورية،الزرقاوي ومن يؤيده ويسانده، مرورا بالمليشيات مجهولة الهوية، في الحصوة والمحمودية،على الطريق من بغداد الى مدن الفرات الاوسط، ومن مدن الفرات الاوسط الى الجنوب،حتى البصرة مليشيات المهدي وحزب الله.

وليس في امكاننا، او في وسعنا سوى ان نقول:ذكر ان نفعت الذكرى

قيس العذاري