قلت للقلم: لقد ثرثرنا كثيراً في ذكر الموسيقى العربية، فهل لك أن توجز لنا مشكلات تطويرها؟ قال: بسيطة. أوّلاً: لا يوجد أيّ سعي علميّ إلى التطوير. ثانياً: أغلبيّة الأوساط المعنية لا تأخذ الموسيقى على أنها علم لا يتقدم إلا بالبحث العلمي، وأن التطوير ليس حلم الراعي وجرّة العسل. ثالثاً: حتى في حقبة الأساطين، بين العقدين الثاني والسادس من القرن الماضي، كان لنا موسيقيون في القمة، ولكن لم تعرف موسيقانا فكراً أو فلسفة موسيقية.
قلت: الحمدلله على عدم وجود فلسفة وفلاسفة للموسيقى العربية، وإلا لأزرى بهم الدهر في متاهات الهبوط. لكن فراغ عدم وجودهم يوهم مقتحمي الأسواق ببضائع رديئة بأن الفن ألعاب بلا قواعد وضوابط، ولا تحتاج إلى كفاءات ومهارات. تأمّل الأدوار الإشرافية التوجيهية، التي لعبها بكل اقتدار الفلاسفة والموسيقيون، الألمان والفرنسيون، مثالاً، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وحتى أوائل القرن العشرين، في تعزيز مكانة الموسيقى بالعلم والفكر. جان جاك روسو فيلسوف وموسيقي ومؤلف «قاموس الموسيقى». ريتشارد فاجنر كان مؤلفاً موسيقيّاً وعملاق الأوبرا، وفيلسوفاً. فريديريك نيتشه كان فيلسوفاً وله أعمال موسيقية. نيتشه كان يصف فاجنر بأنه فيلسوف فاشل، وكان فاجنر يصف نيتشه بأنه موسيقي فاشل. أمامك حشد من الفلاسفة الذين عزّزوا أركان الموسيقى، من أفلاطون إلى ما بعد هيجل وشوبنهاور. حتى الموسيقى اللامقاميّة لها كبار مدجّجون بالفلسفة، مثل أرنولد شونبرج.
قال: أنت هكذا وضعت أمامنا عشرين عقبة كأداء. محال أن نقدر على العودة بموسيقانا إلى قرون الحضارة الإسلامية، أيّامَ كانت الموسيقى تربطها عروة وثقى بالفلسفة والرياضيات. كانوا يتحدثون عن الموسيقى كعلم، مصطلح الموسيقولوجيا (علم الموسيقى) ظهر بعد قرون. في الغرب اليوم عيادات للعلاج النفسي بالموسيقى، ويتوهمون أنهم أتوا بالأسد من أذنه. ابن سينا كان يخصص لكل مرض نفسي مقاماً موسيقياً معيّناً. كانت له صيدلية نغميّة.
قلت: هل تستطيع اليوم أن تقول لدلّوعة غناء: حدّثينا عن علم الموسيقى؟ لا تأخذ نماذج عشوائية من الأوساط الفنية لتحدثهم عن أقوال الفلاسفة في الموسيقى، الأيسر أن تستفتي نخبةً من المفكرين والمثقفين العرب: أنتم تعلمون أن الموسيقى تشكل 70% تقريباً من ثقافة الشعوب، فهل أنتم راضون بهذه القسمة الفنية الضيزى؟ أهذا هو الفن الذي يستحقه العرب؟ هل الأغاني العربية تُرضي كل الأذواق العربية؟ لماذا أنتم ساكتون؟
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: إذا كان المثقفون ساكتين عن هذا فقط، فملأ الله أفواههم ذهباً.
التعليقات