بن لادن ضد الصليبين!!
في كل مرة يا أمير المؤمنين!!
جد لنا يافطة أخرى!!

استطاع هذا الصنديد بن لادن أن يحول بعضا من مطالب الشعوب الإسلامية من هذه الحضارة البشرية إلى مطالب أناس خارجين عن القانون!! وهذه ليست نباهة سياسية وحسب بل اقتدار في قراءة النص السياسي قراءة أمير حرب بميكافيلية وضيعة ـ ليسمح لنا بهذه الكلمة والتي نقصد فيها ضحالة الفكر والثقافة والحزمة القيمية التي تحرك هذا الرجل وفي إشارة إلى لاشعور من العصاب المختبئ تحت عباءة فعل الخصاء السياسي وربما شيئ آخر من يدري؟ لعل السي آي إيه هي أكثر دراية بالتركيبة الشخصية والسياسية لهذا الرجل الذي شغل العالم الإسلامي عن مشاكله اليومية والحقيقية وجعل كل مسلم متهم حتى يثبت العكس. وهو يذكر بالتأكيد التالي:
منذ الخمسينيات وحتى نهاية الثمانينيات كانت الحملة من اليمين الغربي تتوجه ضد العرب بغض النظر عن دينهم سواء كانوا مسيحيين أم مسلمين وليس ضد المسلمين جميعا، وكانت حملة محدودة جدا والدليل أن الغرب استقبل ملايين المسلمين خلال تلك الحقبة من مختلف البلدان الإسلامية ولا زالوا يعيشون في الغرب كمواطنين غربيين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. لأن الصراع كان بين الغرب وبين الشرق ـ الاتحاد السوفييتي ـ وساهم بن لادن وأمثاله في هذا الصراع ولم يكن لديه أية فكرة حينها ماذا تعني الحملة الصليبية ضد المسلمين!! فهو لم يكن وقتها مسلما بل مناضلا غربيا ضد السوفييت، متوقعا أن يأخذ بعد الانتصار إمارة إحدى الدول الإسلامية كمكافأة على نضاله الأممي ضد السوفييت في أفغانستان. وكانت النتيجة أن تحول إلى رجل خارج عن القانون البشري وليس الدولي فقط!! وهذا ما أصابه بالدهشة رغم أن بعضا من الغرب كافأه وجعلوه الأمير القوي في جمهورية طالبان. لكن هذا كان أصغر من طموحات الرجل فقد كانت طموحاته أميرا وسيدا على كل بلاد المسلمين. وأعطى هو وطالبان أسوأ نموذج لأي نظام سياسي وأخلاقي في التاريخ المعاصر لدرجة أن أمريكا نفسها التي اعترفت بحكومة طالبان لم تعد قادرة إلا على الانسحاب من هذا الاعتراف ومساعدة الأطراف الأخرى من القوى المعارضة لحركة طالبان وكان الذي كان وانتقم أمير المسلمين شر انتقام من أمريكا وكان 11 إيلول والنتائج الأخرى التي ترتبت على ذلك ولازالت تترتب. ما يهمني من هذه الشعوذة البن لادنية هو التالي:
أليس لدينا ملايين من العرب المسلمين؟ أم أن هؤلاء ليسوا عربا رغم أنهم أساس العرب! عندما يستمع مواطن عربي مسيحي لهذا التسجيل الصوتي ماذا يشعر وماهي الاختلاجات التي تصيبه؟ أليس من حقهم طلب الحماية من إخوانهم المسيحيين في الشرق والغرب كما طلب المسلمون الأفغان مساعدة بن لادن على التخلص من السوفييت!!؟ لا يهمني في تصريحاته هذه مايريده من أجل شحن الشعوب الإسلامية!! بل ما يهمني هو انعكاسات هذه التصريحات على المواطن العربي المسيحي. لماذا هذه الثقافة البن لادنية العصماء لازالت منتشرة نظريا وسلميا بمعنى أنها ليست عنفية ولكنها موجودة في ثقافة بعض مشايخ وعلماء المسلمين ويشجعها نظم إسلامية مستبدة وخائفة من محاسبة شعوبها لها في حال أصبحت هذه المجتمعات مجتمعات مدنية وديمقراطية. بماذا تختلف تصريحات بن لادن عن تصريحات أحمدي نجاد الرئيس الإيراني؟ أو ماذا تختلف عن نشاط حرق السفارات الدانمركية في بعض البلدان الاستبدادية؟
ونحمد الله أن رد حماس جاء سريعا حول تصريحات بن لادن [ وبشأن إشارة بن لادن إلى أن الحصار المفروض على حكومة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأحداث إقليم دارفور غربي السودان دليل على حرب صليبية على المسلمين، اعتبر المتحدث باسم حماس في غزة سامي أبو زهري أن تصريحات بن لادن تعكس اجتهاده الخاص. وأوضح أبو زهري أن حركته مهتمة بعلاقات طيبة مع الغرب، وتدعو الدول الغربية لإعادة التفكير في موقفها إزاء القضية الفلسطينية والأمة الإسلامية. وفي الخرطوم قال المتحدث باسم الخارجية السودانية جمال إبراهيم إن بلاده غير معنية بتصريحات بن لادن، مؤكدا حرص الحكومة على التوصل لحل سلمي لأزمة دارفور يقطع الطريق أمام أي تدخل أجنبي ـ نقلا عن موقع قناة الجزيرة ] ولو أنني كنت أتمنى أن يأتي رد حماس أكثر وضوحا وقوة، هذا ليس اجتهادا ياسيدي إنه الخراب الفكري والثقافي والسياسي بعينه!! ما هو الاجتهاد في استعداء البشرية علينا كمسلمين وإخافة كل مسيحي عربي وجعله ينظر إلى الغرب كغرب مسيحي يطلب حمايته جراء خوفه من هذه الثقافة البلاء والتي هي وجه مقيت لأبشع أنواع العنصرية ومظاهرها التي انتشرت في الغرب بعد أحداث 11 إيلول والتي نرفضها كما ترفضها غالبية الشعوب الغربية. لهذا على الثقافة الإسلامية المعاصرة أن يكون على جدول أولوياتها ثقافة المواطنة في البلدان الإسلامية بغض النظر عن الدين والعرق واللون والقومية. إن عدم الرد بقوة على الثقافة البائسة هذه هو في شكل ما إعطاءها جزء من الشرعية. على العلماء المسلمين العرب الرد بقوة على هكذا ثقافة عصبوية ومريضة وإظهار قيم التسامح والحرية في الدين الإسلامي والمعتقد التي نريدها كمواطنين عرب. وعدم ترك الساحة خاوية لأمثال بن لادن وبعض منظري نظم القمع والفساد والاستبداد. في كرامة الكائن الإنساني والبشري إن صح التعبير هنالك قاسم مشترك أنتجته هذه البشرية في سياق نضالها من أجل عالم أكثر أمنا وأمانا وحرية وتحفظ فيه حقوق الإنسان وكرامة عيشه.
أم مطلوب منا دوما أن نكون ضحية لثقافة بائدة ومهترئة ودموية ـ اسمحول لنا بهذا التعبير ـ نحن نقف كل ضد كل مظاهر التمييز الذي تمارسه الدول الغربية إزاء بعض قضايانا العادلة ولكنها لاتمارسها بوصفها دولا مسيحية بل بوصفها دولا ذات مصالح ورؤى وضعية سياسيا وثقافيا. وعلى هذا الأساس:
فليبحث لنا بن لادن عن نغمة أخرى لأن هذه النغمة باتت لا تصلح الآن للعلاقات بين البشر على اختلاف أديانهم وانتماءاتهم. ومع ذلك نقول: من مصلحتنا أن تبقى هكذا ثقافة هي بموقع الثقافة الخارجة عن القانون وهذا يعود الفضل في ذلك لوجود أمير على إمارة باتت من وهم.

غسان المفلح