لقد برهنت أحزاب وتجمعات اللاعبين بورقة (الأغلبية والمظلومية)، عملياً وبالدليل القاطع، على فشلها الذريع وعجزها التام عن القيام بالمهمات السياسية في إعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار السياسي كمنطلق أساسي في إرساء أسس الديمقراطية وسيادة القانون وتنفيذ برامج التطور الاقتصادي والاجتماعي.. والسبب في عجزها وفشلها واضح ومعروف وهو ان هذه الاحزاب والتجمعات ليست على مستوً رفيع من الوعي السياسي وإنّ علاقتها سيئة للغاية بالمُثل والاخلاق الديمقراطية وأن قسماً كبيراً منها يعاني من نقص الولاء للعراق.. إنها بكل بساطة وصراحة أحزاب وتجمعات طائفية تهدف الى تحديد النسل الديمقراطي وتدعو الى التكاثر الطائفي في العراق وهي تعمل على تأسيس عراق منقسم طائفياً بدلاً من عراق موحد ديمقراطياً.

ان الدولة العراقية منذ تأسيسها 1921 هي دولة حرة عَلمانية ديمقراطية.. ولكنها بعد انقلاب 1958 خضع العراق دولة ومجتمعاً لاحتلال العساكر والشقاوات.. والآن جاء دور المعمّمين وسماسرة الطائفية كي يُمعنون ويوغلون في الإساءة لحقوق المواطنة... رأيناهم قد استعجلوا الانتخابات تلو الاخرى وفبركوا دستوراً قوامه الدفاع عن حقوق (الطائفة) متناسين أن حقوق الشيعة هي من حقوق الشعب وليس العكس.. على من يدّعون تمثيل شيعة العراق أن يفقهوا شيئاً مهماً طالما غاب عن بالهم هو أنّ شيعة العراق ليسو حزباً سياسياً وإنما هم مواطنون فيهم المستقل والشيوعي والبعثي والاسلامي والديمقراطي حالهم في ذلك حال بقية مكونات الشعب العراقي السكانية.
الخطأ الستراتيجي الذي ارتكبته أميركا، بعد إسقاط نظام صدام، هو أنها لم تُقِم quot;حكومة إنتدابquot; في العراق حيث خوّلها بذلك قرار مجلس الأمن الدولي 1483 على أنها قوات إحتلال.. ولكن بدل ذلك نراها سلّمت السلطة الى العراقيين... إنّ على أميركا تصحيح الخطأ بأن تسحب السلطة من العراقيين لحين استكمال القوات الأميركية مهمتها في العراق والمتمثلة بتطبيق كامل مضامين quot;قانون تحرير العراقquot; حيث أن إسقاط نظام صدام هو ليس سوى بداية الطريق لتحرير العراق حسب مانصّ عليه القسم السابع من القانون المذكور: quot;يرتأي الكونغرس أنه لدى إزالة صدام حسين من الساطة في العراق ينبغي على الولايات المتحدة مساندة العراق الى التحول الى الديمقراطية، وذلك من خلال تقديم المساعدات الفورية الكبيرة الى الشعب العراقي، ومن خلال تقديم المساعدات اللازمة للتحول الى الديمقراطية الى الأحزاب والحركات التي تتبنى الأهداف الديمقراطية...quot; عندها يكون الوقت ملائماً لعقد انتخابات ديمقراطية (سياسية) كإجراء أولي في مراسم تسلّم العراقيين سلطة بلدهم... وقد يأخذ ذلك وقتاً أطول مما توقعت الولايات المتحدة حيث أن الإرهاب وتنظيماته المحلية والاقليمية وبدعم ورعاية مباشرتين من النظامين الايراني والسوري يعملون مابوسعهم لإعاقة وعرقلة التحول الديمقراطي الحقيقي في العراق.. وكما نرى فانه كلما زاد الضغط الدولي على ايران، فيما يخص رعايتها للارهاب والتصدي لطموحاتها النووية العدوانية، يتصاعد التأزم و تتسع العمليات الارهابية في العراق وتشدّد الميليشيات، الحكومية وغير الحكومية، من قبضتها على مصير ومقدرات الاوضاع في العراق.
إنّ الملف الأمني العراقي لم يزل بيد أميركا.. على القوات الأميركية أن تنهض بمهمتها الأمنية في العراق.. على أميركا حل الميليشيات الشيعية والتفرغ لتطويق ميليشيات فلول صدام والزرقاوي والقضاء عليها..المطلوب حل الميليشيات التي دخلت العراق أو تشكّلت في العراق بعد 9 ابريل 2003 بدون إشتراط دمجها بالجيش او ضمن قوى الأمن العراقي.. فهذا الإشتراط يؤدي الى تأسيس جيش ذي ولاءات طائفية.
كل الاحزاب السياسية العراقية وكل العالم يقرّون بالتدخل الايراني في العراق ويُدينونه إلاّ زعماء الشيعة فانهم يطالبون بالدليل على تدخل ايرانّّ !!؟؟.. بماذا نفسّر هذا؟.. يتناسى هؤلاء السادة أنّ التمويل المالي هو المصدر الأساسي للارهاب وأنّ ايران هي quot; البنك المركزي quot; للارهاب في العراق وفي أرجاء عديدة في المنطقة والعالم. في ظرف عشرة أيام وبُعَيد إحالة ملف ايران النووي الى محلس الأمن الدولي يظهر، بشريط فيديو، أربعة من قادة الإرهاب في العالم: بن لادن و الظواهري و الزرقاوي و حكمتيار يهددون ويتوعدون العالم بالمزيد من العمليات الإرهابية.. مع العلم ان حكمتيار كان قد هرب الى ايران بعد سقوط نظام طالبان والآن يعلن ولاءه لإبن لادن ويتطوع جندياً في تنظيم القاعدة.... وعلى وزن ماقاله الرئيس (المخروع) صدام حسين للقاضي العراقي: quot;لولا أميركا لا أنت و لا أبوك يجيبني للمحكمةquot;... أقول: لولا نظام ملالي ايران لأصبح الإرهاب وقواعده وميليشياته في خبر كانَ.
بعد مسلسل الجرائم والمآسي ضد الشعب العراقي وعلى مدى ثلاث سنوات من عمر quot;التحريرquot; ولانشغال (أولي الأمر) بتقاسم الغنائم.. فإنّ المطلوب الآن quot;تجميد نتائج الانتخابات الطائفيةquot; و تشكيل quot;حكومة إنقاذ وطني quot;، قائمة على إعلان حالة الطواريء بدعم عسكري أميركي مباشر، من شأنها حل الميليشيات و مكافحة الإرهاب السياسي والطائفي ومكافحة الفساد الاداري ومنع استخدام الدين في التكسّب السياسي و إعادة الهيبة للدولة وتفعيل مؤسساتها.

عدنان فارس
[email protected]
13 مايو / آيار 2006