هل يشير الدستور المصرى الى ضمان كامل الحقوق الدينية فى حرية العقيدة والممارسات الدينية للمسيحيين؟ وهل الاشارة الدستورية تعبر عن التاكيد الحقيقى للوجود الدينى المتنوع فى مصر ؟ ووجود الاقباط فيها منذ القدم وانهم مواطنون اصلاء فيها؟ هل هذه الاشارات صادقة وصريحة؟! ام ان الدستور يصرف النظر عنهم ولا يشير الى وجودهم وكأنهم لاجئون او غرباء او وافدون ؟! وهل الدستور يسميهم باسمهم quot;الاقباط المسيحيينquot; ام يدرجهم وكانهم نكرة من غير تسمية quot;غير المسلمينquot;.... وهل هم من القلة العددية او الحضارية الى هذا الحد؟! فى هذا الصدد لسنا بحاجة لا للتاريخ ولا للجغرافيا لاثبات ماهو ليس محل جدال !! وما هو بديهى ومثبت!!

الاجابة ستكون بالطبع لابد ان الدستور يحفظ حقوق الاقباط كمكون اساسى تعايش بشكل منسجم واصيل منذ اقدم العصور، ومن العيب ان يهمشوا بسبب عقيدتهم ما داموا من اصحاب الدار يعيشون على التراب المصرى منذ فجر التاريج!! بينما عدم وضوح النصوص وعدم صدقيتها يجعلهم كانهم غير معترف بوجودهم بنص صريح واضح.

وهل الضوابط الدستورية تؤكد على المساواة العملية فى الحرية الدينية والمعتقد ؟ وعلى ضمانة الحقوق وممارسة الشعائر والطقوس الدينية بحرية ضمن ضوابط النظام العام دون تمييز او اكراه quot;نصا وعملاquot;؟ وهل الدستور يحرم المساس بالشعور الدينى ويعاقب من يتعمد التشويش والاساءة ؟ ويحاكم من يخرب او يتلف او يشوه او يدنس دور العبادة او الرموز التى لها حرمة دينية وذات موضع تقديس وتكريم؟

ان الاشارة الى وجود نصوص جزائية لا يكفى لترجمة الواقع الفعلى فى الاضطهاد الدينى او التحقير او الازدراء او التهميش وممارسة اساليب من شأنها ان تحد من حقوق مواطن بسبب انه مسيحى. لا يكفى كذلك اقتصار النص على العلانية فى الاساءة فقط دون بقية الاشكال من اكراه واخلال بالحريات فى الممارسات والاعتناق والتسامح واحترام الاديان وتعزيز العدالة الاجتماعية والابتعاد عن التحريض مع الالتزام بحق المواطنة الفعلى، اذ ان الاقباط مصريون، لا سلطة لاحد على انتزاع مواطنتهم او التقليل من قيمتهم الوطنية وانتقاص حقوقهم. فان الالتزام يلزم ان يكون من خلال المواطنة والمعايشة الوجدانية والتراث والتاريخ والتمازج الانسانى... فالانسان صنفان اما اخ لك فى الدين او نظير لك فى الخلق.

ان الاقباط لا مطلب لهم الا حقوق المواطنة وعودة المصريين الى صوابهم بالتماسك الوطنى واعادة المناخ الى صحته.... وان تكون الدولة هى ولية الامر وليست الخصم، فلا يكون القانون فى ناحية والتطبيق فى ناحية اخرى،وان لا تكون هناك مفارقة بين الواقع والمعلن.

ان حالة احترام الاديان لابد ان تنشط فى الوعى والوجدان المصرى وتفعل فى ضمير المجتمع... نحتاج الى ثقافة التسامح والحوار وقبول الاخر، نحتاج ان نبتعد عن تصنيف المصريين دينيا وفئويا، نحتاج الى ان نسترجع نمط تعايش المصريين الذى اصبح تراثا كان زمان عبر التاريخ. نحتاج ان نخرس اصوات التشنج والعنف، نحتاج ان نعزز مفاهيم الاحترام والعدالة، نحتاج الى تجسيد ثقافة الحوار والعمل لان كل انسان مسئول عن نفسه وعن اختياراته، وليس لاحد الحق فى فرض عقيدة ما عليه بالقهر اوالقسر اوالاكراه، نحتاج ان نتصدى الى القتلة والمتهوسين، وان نعاقب من ينهب ويحرق ويذبح ويخطف ويسد ابواب الرزق ويهدد تهديدات مبطنة وعلانية باسم الدين، لان هذه ليست تعاليم سماوية انما هى متاجرة ومزايدة وبلطجة.... كيف يهدر دم او تحرق ممتلكات وتنهب باسم الله ولحسابه. نحتاج الى ايقاف تفسير الدين على اساس الاذى والتطرف والعنصرية والبرقعة الدينية، وان نواجه كل مظاهر الافغنة التى اجتاحت مصر.

ان المسيحى اليوم فى مصر قد صارت خياراته محدودة يعيش مهددا، بل ومن المحتمل ان يفقد حياته باوامر المتأسلمين بحجة انه اكل جبنا دنماركيا، او انه لم يتبع مرشد الجماعة المحظورة او لانه ارسل SMSاو MMSوالى اخر هذه الافتراءات.

لماذا لم تشخص الحالة ؟ والاقرار بان الواقع مخالف لما هو معلن؟! فهل القوانين اليتيمة مجرد احلام لا تترجم الى واقع؟ وهل ستبقى خيالات بعيدة عن الواقع؟ اذ لم يزل القبطى فى مصر اقل شأنا، وتحرم عليه وظائف ومواقع بل وحقه فى العبادة !!

يبدو ان الدستور قد صار معطلا او انه يبالغ حين يشير الى مساواة المصريين بغض النظر عن الدين!! بل صارت هذه القوانين تاتى لذر الرماد فى العيون، بينما يعتبر الاصوليون ان مجرد وجود الاقباط مستفز لهم وان كنائسهم عورة.... الخ.

ان استعادة التسامح والتآخى يزيح التعصب، لكنه لا ياتى بالتمنى او بالخيال، لكن بالممارسة العملية وبتطبيق القانون بحيدة وبتجرد وبشكل متساو على الجميع، ليعيد الثقة فى الدولة ككيان لجميع المواطنين والشرائح، فالوطن يشمل الكل واكبر من الكل ويتسع للكل.