كم هو مؤلم و مقرف ومثير للإشمئزاز و القرف هذا الوضع العام الذي نعيشه في عالمنا المحدود بما كان يشار إليه من quot;الخليج الثائر إلى المحيط الهادرquot;.

إلى أي عمق سيهبط بنا الإنحطاط بكل ما كنا نسميه من quot;مقاييس و مفاهيم و مبادئ و قيمquot;؟؟

حتى الكتابة لم يعد لها فائدة أو معنى، فإذا كتبت ستجد أمامك قلماُ أحمر يحمله quot;رئيس تحريرquot; أو أقصد quot;باشكاتبquot; الصحيفة الفلانية أو المجلة العلانية لأنه يريدك أن تكتب ما يشبه فصل مسرحي مكرر ُيبكي بدل أن ُيضحك، ويكتم أنفاسك بدل أن تستنشق نسمة ما، أو يصيبك بمرض عضال لن تخرج منه حيا.quot;

وإذا قدر لك أن تنجح في تمرير بعض السطور، فستجد باشكاتب يشطب نصف ما كتبت و بعدها تقرأ مقالة موقعة بإسمك فتشعر بالندم، إذ أنها تظهرك بشكل سخيف غير مفهوم أو حتى لو فهم أحد ذلك فسيكون من عالم آخر.

أما لو وجدت من يفهمك، فلن تجد إلا قلة يفهمون ما تقول، وغيرهم تجد الغوغائيون الجهلة ممن يقرأون فقط على طريقة quot;ويل للمصلينquot; فتشعر بالندم لمحاولة مخاطبة أناس بالعقل، فبعضهم لا يفهمون سوى الإرهاب بالقول و الفعل و الكتابة و الرد و التكفير قبل التفكير.

هناك اندلع quot;هولوكوستquot; رهيب، كنا قد حذرنا منه قبل فترة طويلة وحاولنا دعوة العقلاء لتفادي السقوط في الفخ، لكن لا حياة لمن تنادي، فقد انفتحت أبواب الجحيم، وكان الله بالسر عليما.

جاءت فتنة من كل الأطراف فبدأت بقطع الأوصال و الأرحام و الأديان و الرؤوس، و انطلق كل حاقد جاهل غوغائي لم يفهم ما يجري، أراد فقط إثبات quot;هوية ماquot; إعتقاداُ منه أنها ما يشبه الرجولة و البطولة و الجهاد.

وهناك، في مكان آخر، قتل صامت يجري بشكل مكتوم بعد أن كتمت الأنفاس و أصبح الناس مخصيون حتى آخر شريان، ووقف العازفون و الراقصون و المصفقون يهتفون لسيد الغاب بعد أن أكل طعامهم غراب قبل أن يخرج لينعق ورائهم خلف الأبواب.

وهناك أخرى و أخرى و أخرى وليست بأخيرة، حيث يأكل بعضهم رزق بعض، وغيرهم يكذب على بعض وهذا يلقي فتواه على ما تبقى من الخلافة و quot;أمير للمؤمنينquot; ليؤم ملايين الجوعى و الفقراء و المساكين.

يرمي عليهم بفتات من بقايا ما تبقى عند جواريه و صبيانه ليأتيه الجوعى يقبلوا يده صاغرين طائعين و شاكرين للنعمة و المكرمة.

وفي وسط جرحنا الكبير، يحكم ساكنوا قصور الشاطئ اللازوردي و باريس و ماربيا ولم يبقى للشعب سوى بقايا من حجارة، تعبوا من رميها، فقد أهلكهم الجوع و التعب و الحصار و الحرمان، فانقلبت هذه الحجارة عليهم، يجمعها غيرهم ليبنوا فيها قصورهم هنا وهناك خارج حدود الوطن، وليفرح الوطن بالديمقراطية التي سيأكل منها غذاءه وعشاءه و تخمة من التصريحات و التصريحات المضادة.

و المؤسف أو المؤلم حقاً أن تصبح هذه الحجارة هتافاً و شعاراً ثم رصاصا ً يتجه بدل هدف العدو المحتل الغادر القاتل إلى الأخ و الشقيق و الرفيق. كل هذا وهم على الأقل في الجوع و الإضطهاد و السقوط تحت الفساد و الإحتلال....إخوة.

ولا ننسى الفساد الذي يعم و لم يستثني أحدا، وهذا موضوع لو كتبنا عنه في قطاع واحد من بلد واحد، لملأنا مجلدات ومجلدات، و تجد أمامها أكواماُ أكثر من الشعارات و النظريات و الإصلاحات التي تتحدث عن مكافحة الفساد.

لكنك في كل يوم، سترفع ساقيك رغماُ عنك وهم يرفعون الأسعار و الضرائب عليك، و بالمقابل يرفعون امتيازاتهم وابتزازاتهم.

فإذا حاولت إكمال رحلتك السياحية ستصاب بالغثيان قبل أن تفكر بالإنتقال من هنا إلى أي مكان، وبمجرد التفكير بالشعارات و القيادات و البطولات الماحقات و الإنقلابات.

الهولوكوست، ليس بالضرورة غرف غاز و أفران و تفجير و مفخخات.

الهولوكوست، يبدأ بالفكرة..بل أصبح يبدأ بكفرة...يبدأ من الداخل..

كانت لنا مبادي وشعارات، لكنها ضاعت مع الردة...

تلك الردة التي قتلتنا درجة درجة..وحدة وحدة...بل فردة فردة.. و فرقتنا عن توأمنا..

فقال عنها الشاعر:

quot;قتلتنا الردة.....قتلتنا...أن الواحد فينا يحمل في الداخل ضدهquot;.

آخر الكلام.....سلام...

و السلام على من فهم الردة و قاتلها..

أكثم التل

كاتب و صحفي أردني مستقل
[email protected]