من أخطر أمراض الجنس البشري الحرب بين الدول والطغيان الداخلي على الأفراد داخل الدولة الواحدة. والحرب قديمة قدم الإنسان والحضارة وقد تشكلت مع بداية تشكل المجتمع الإنساني بأخطاء كروموسومية غير قابلة للحياة والاستمرار. فمع الحضارة ولدت الدولة ونشأت المؤسسة العسكرية.ومع ولادة التخصصات في المجتمع وتطور التقانة نمت العلوم العسكرية والتكنولوجيا الحربية، وبتزاوج المؤسسة والعلوم والتكنولوجيا ولدت الحرب من رحم العنف.ولكن العنف لا يحرر الإنسان ولا يحل المشاكل بل يزيدها تعقيدا وقد وصل العنف اليوم إلى طريق مسدود وتخلى عنه العالم وهو أسلوب فاشل في حل المشكلات.وفي الواقع العنف لا يفضي إلى السلام ولا إلى السعادة و ظاهرة العنف المرعبة مرض ثقافي وطاعون فكري.إلا أن الإنسان كلما ازداد وعيا وعلما مال إلى حل المشاكل بالطرق السلمية والعكس بالعكس.والحرب لا تنفجر من فراغ بل من أفكار وتصورات ومخاوف وهي تبدأ في النفوس والرؤوس قبل استخدام الفؤوس. وهي تهدف إلى تحطيم إرادة الخصم وإلغاء الآخر وبالتالي ينشأ عن ها وسط مشؤوم يولد فيه مرض الاستكبار والاستضعاف بين الطرفين ويفتح الباب لدورة العنف والعنف المضاد من جديد. إن الحرب كارثة كبرى ذات ثمانية عشر وجها حسب تعريف المعهد الفرنسي لعلم الحرب فهي:laquo; هيمنة وتأكيد مبدأ المانوية وعدم الاعتراف بالغير بل وإنكار وجوده واندلاع العنف وغياب الحق والمخاطرة بحياة الإنسان وتدمير الثروات المتنوعة وتكريس جميع النشاطات للمجابهات الدموية وأفضلية اللامعقول على المعقول والمطلق على النسبي في إطار عقلي شمولي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة والفوضى واشتداد الأزمات والدم والعرق والدموع واللقاء الحتمي مع الموت وانقطاع أحمق يبرهن على فشل العقل والقلبraquo;. وقد عرف العلماء منذ انفجار السلاح النووي التجريبي أن الحرب انتهت ووضعت أوزارها بين الكبار ولكن السياسيين الكذابين والمنافقين لم يدركوا منحى التاريخ ولم يستوعبوا هذا التطور الذي يؤيد مذهب ابن آدم الذي قتل ولم يدافع عن نفسه. عندما اختلف ولدا آدم قال الأول لا يوجد حل للمشكلة إلا بالقتل فطوعت له نفسه قتل أخيه. أما الثاني فقال لن أحل المشكلة معك بالقتل ولو نويت على ذلك ومددت يدك إلي (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك أني أخاف الله رب العالمين). بعد هذا نشأ مذهبان في التاريخ لحل المشاكل مذهب يؤمن بالعنف والحرب والقتل ومذهب يؤمن بالحوار والسلام. وحتى لا نضيع الوقت في الضبابيات والعموميات أميل شخصيا إلى تعريف الفيلسوف الألماني هيغل للفلسفة على أساس أنها القبض على الواقع من خلال الفكر وان تتحدث عن أشياء لها علاقة بالواقع المعاش. وأن نفهم الفلسفة على أساس أنها تشخيص عميق لمشاكل الواقع في لحظة معينة من لحظات التاريخ ثم إيجاد الحلول لها بعد أن ننجح في عملية تشخيصه وتحديده بدقة.وتلك ميزة كبار المفكرين الذين لا يضيعون أوقاتهم في المشاكل الثانوية بل يذهبون فورا إلى صلب الموضوع.وانطلاقا من تطبيق هذا التعريف على واقع مجتمعاتنا ماذا نستطيع أن نقول؟ أين هي المشكلة الأساسية ياترى؟؟ إنها تكمن في المعركة المفتوحة على مصراعيها بين مذهب العنف والرؤية الظلامية للعالم من جهة، ومذهب السلم والرؤية الحديثة لنفس العالم من جهة أخرى ويرى بعض المفكرين بأن مشكلة العالم الإسلامي مع الحداثة هي مشكلة القرن الواحد والعشرين و بناء على حلها يتوقف مصير العالم وتوازنه.واليوم نرى العالم وقد تحول إلى فريقين متميزين الأول طور كل الأسلحة وذهب إلى نهاية الشوط ثم وصل إلى الحقيقة التي تقررانه لا سبيل إلى حل المشاكل عن طريق العنف و القوة المسلحة ورفض النزاعات عن طريق الحروب.والفريق الثاني لم يدرك طبيعة التحول ولا يزال يسبح في ثقافة العنف ويدفع فواتيره اليومية ويعيش بعقلية عصر الغابة والهراوة والفأس والسيف والترس وامتداداتها من سبطانة المدفع إلى سلاح القنبلة النووية.وإذا ما ألقينا نظرة إلى بانوراما القوة عبر التاريخ نرى بعد أن جرب الإنسان الحروب والقوة وصل إلى طريق مسدود وان الحرب لا عقلانية وعبث وعدم جدوى امتلاك الأسلحة بما فيها صنم السلاح النووي وهناك اليوم تياران في العالم الأول يرمي بالسلاح ويتخلص منه بعد أن أكتشف انه صنم لا يضر ولا ينفع وان أعظم سلاح هو الإنسان الجديد الذي يؤمن بالعلم والسلم وتيار يشتري السلاح ويكدسه ويعيش خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا ويرى أن الحرب كانت شيئا أساسيا من وجود البشر، وسوف تستمر، والسلام مستحيل. والحرب طبعت في طبيعة البشر. وهي أم التاريخ وأبوها كما قال الفيلسوف اليوناني(هرقليطس). وأن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل جديدة حسب نظرية (كلاوسيفتز) الضابط الألماني صاحب كتاب فن الحرب.إن الحرب لا تقود إلى السلم، فهل تنبت شجرة الحنظل تينا ؟؟ هيهات هيهات لما توعدون!!

لقد أدرك أساطين السياسة وكهنتها في الغرب أن الحرب انتهت وهي عبث ولا جدوى منها ولكنهم يشعلون الحروب هنا وهناك ويخدعون الناس حتى لا يبطل سحرهم ويخسروا امتيازاتهم.وهذه الحروب تحت سيطرتهم ومن يدخل في دائرة النار والحرب والسلاح فلا يلومن إلا نفسه لأنه يضع نفسه تحت سيطرتهم فهم يملكون القوة ويضعون قواعد اللعبة ويمسكون خيوطها، ينصرون من يرون أن في مصلحتهم نصره ويخذلون من يرون في خذلانه فائدتهم. إن زمن الحرب قد ولى ووصلنا إلى عتبة عالم السلام وسوف يتحقق علم الله فينا والعلم يقود إلى السلم ولقد انتبه آيزنهاور الرئيس الأمريكي إلى هذا التحول منذ عام 1956م حيث قال:laquo; يجب على الطرفين المهتمين بالحرب أن يجلسا في يوم ما على طاولة المفاوضات وهما مقتنعان بأن عصر التسلح قد انتهى وبأنه يتوجب على البشر الخضوع لهذه الحقيقة أو اختيار الموتraquo;. فحرب نووية الآن تعني موت مئات الملايين من البشرفي الساعات الأولى. أما السلاح البيولوجي فهو أقوى من النووي بمائة مرة،وبضع أطنان من السلاح البيولوجي كافية لمسح كل مظاهر الحياة على كوكبنا. ومن المعلوم أن سقوط الحضارات في التاريخ لم يكن بسبب نقص التقنية وإنما المقتل جاء من الحرب وحماقة الروح العدوانية. وقد صعدت اليابان وألمانيا إلى القمة بدون سلاح في حين انهار الاتحاد السوفيتي ومعه كل سلاح هذه دروس من التاريخ.وما أحوج اليوم شعوب المنطقة إلى الاستفادة من تجارب داعية اللاعنف غاندي ومارتن لوثر كينغ وأن تتبنى طريق اللاعنف وتكف عن العنف والدماء من طرف واحد كما فعل ابن آدم الأول. إن الحرب أفظع من وباء الكوليرا والجذام وهي مرض رهيب وحان الوقت أن تدرس هذه الظاهرة الخطيرة تحت مجهر الدراسة النفسية الاجتماعية من اجل بناء ثقافة السلم بعد أن أدرك العالم أن طريق الحرب مغلق وكل من يغامر بالحرب يرتهن نفسه للأقوياء وما أحوج الناس اليوم إلى أمم متحدة تحكمها كلمة السواء ويحذف منها حق النقض حتى تضع الحرب أوزارها. ويظن الناس أن حل المشكلات عند السياسيين ولكن في الواقع أن السياسي حفيد المثقف وحروب اليوم هي حروب المتخلفين وانتهت مؤسسة الحرب وماتت بعد ولادة السلاح النووي.قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون.

صبحي درويش