إن كان رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة قد خنقته العبرة وفلتت دموعه وهو يُلقي خطابه أمام مؤتمر وزراء الخارجية العرب، فهذا يدل على شئ في غاية الأهمية ألخصه في جملة بسيطة وهي : انه إنسان... ومسئول، وهذا يخالف مَن يُهرجون ويهتفون للموت. فهذا الرجل يهمه الطفل الذي فقد أمه أو أبيه، ويهمه الأب والأم اللذان فقدا ابنهما أو بنتهما، يهمه الأخ الذي فقد أخيه أو أخته ويهمه مع كل ذلك هذا الدمار الذي صار يحيق بالجميع. انه رجل إنسان وذو مسئولية، يبكي مع من فقدوا أعزائهم وممتلكاتهم وأمنهم جراء هذه الحرب العبثية غير المسئولة، يبكي لأنه يحس بما يعانيه من هو مسئول عنهم ويشاطرهم حزنهم وبؤسهم ورعبهم وغلبهم على أمرهم، لذلك هو يسعى بكل جدية ومسئولية،ويطرق كل السبل والأبواب بحثاً عن نهاية لهذا الدمار الشامل. أما اؤلئك الذين يخطبون ويهتفون، فلا تهمهم الحياة، بل صاروا يبررون فقدها بغيبيات لا يعلمها إلا الله، صاروا يعتبرون هذا الموت والدمار ـ الذي لا يطاولهم ـ صاروا يعتبرونه شهادة ويوزعون على ضؤ ذلك تصاريح الجنة. هم يعتبرون كل هذا الدمار والخراب انتصاراً تروج له قنواتهم الفضائية غير المسئولة و التي لا تأخذ الأمر بالجدية المطلوبة، بل تستمر في غيها وجهلها لتتحدث عن انتصارات وهمية، وانجازات هلامية، كالمظاهرات التي تخرج هنا وهناك منددة بإسرائيل، أو الإدانات التي تتكرر ليل نهار، وكل هذا لا يحرك الوضع القائم ولا يقدم للبنانين أي أمل أو فائدة. الذين يتحدثون عن انتصار لا تهمهم الأرواح التي تُفقد ولا يبكونها كما بكاها السنيورة، ولا يهمهم هذا الدمار الذي يحدث، طالما تعودوا أن يسوقوا لنا هذا الهراء بوعدهم لمكلومينا بالجنة لمن فقدوا، وطالما مصالحهم ـ التي يدعمها بقاء هذا الوضع ـ قائمة ومستمرة. ومن هنا فان الرئيس السنيورة، عليه عبء مزدوج، إذ عليه أن يواجه اسرائل، ومعها معظم المجتمع الدولي، من ناحية، ويواجه التهريج المحلي من الناحية الأخرى. وهو يعرف ـ كما يعرف الحكماء ـ بأن إسرائيل أسد قابع في مكمنه ويصطاد الفريسة التي تمر من أمامه، ولكن ماذا عن الأرانب والذئاب التي تنتفخ نفخة الأسد وتحاول، بل وتجتهد في المحاولة، لاستفزاز ذلك الأسد الكامن. وهل كل من حدف حجراً على أسد يعتبر منتصراً؟. الإجابة المضحكة هي نعم حسب عقلنا القاصر.

د. إبراهيم الخير إبراهيم