عراق بدون بعث.... أو بعث بدون دولة العراق
لا زالت الصراعات الفكرية محتدمة بين جهات متعددة تمسك بالقرار ومصير الشعب العراقي. وبدأت هذه الصراعات من تاريخ سقوط نظام صدام على يد قوات التحالف، مما يدل ان آلية الحرب الأمريكية لم تكن لمواجهة وضع العراق بعد انتهاء النظام بل ركزوا على التغلب على القوى الضاربة العراقية وأحسنوا في انهائها بسرعة مذهلة قياسا بما كان للعراق من جيش وعدة وعتاد.
ان عدم وضوح الرؤيا بالنسبة للجيش الأمريكي وحلفائه في كيفية معالجة الوضع السياسي لما بعد سقوط صدام، اوجدت ارباكا سياسيا واضحا لما يجب ان يشرع من قوانين في منهج البعث ايدولوجيا في ممارسة نشاطه الذي استمر أكثر من 30 سنة.
ورغم ان بعض فئات المعارضة العراقية كان لها تصور خاص لهذه النقطة وقد شاهدت قاعة محاضرات كربلاء في لندن العديد من الآراء، وكان قسم منها هيئ وقدم من رآسة محامون بلا حدود، وكانت الجلسات التداولية في هذا الشأن تتسم بالمغالات والتعصب وعدم تقييم وزن، وأهمية الذين كانوا يشكلون قاعدة عريضة لحكم البعث وهم قواعد الحزب وكوادره، والملاحظ في هذه المحاضرات والأجتماعات ان هناك انقسامات جذرية بين الذين لهم نصيب في بلورة الأقتراحات بالنسبة لحزب البعث وأفراده، ومنهم من كان يرفع شعار بحل الحزب ومنع ممارسة النشاط السياسي له مع اتخاذ اجراءات قانونية صارمة بحق الذين أساؤوا الى الشعب العراقي ومن ذوي الأيادي الملطخة بدمائه، أما القسم الآخر فكانوا أكثر اعتدالا، اذ أنهم قسموا أفراد الحزب على أقسام حسب التدرج الحزبي والى تاريخ انتهاء النظام، فيجب اصدار قانون بفصل كافة الكوادر المتقدمة من الحزب سيما المسيئين في تصرفاتهم العابثين بحقوق أفراد الشعب سواء كان هذا حزبيا أو على نطاق شخصي.
جرى في البنتاكون نقاش هذه الحالة التي أوجدتها الظروف للوضع السياسي بعد سقوط بغداد، حتى تجد ان في احدى المحاضرات كنت انا المسؤول عنها ويصل النقاش الفكري والصراع بين التيارات الواجب الأخذ بها لحل أكبر مشكلة سياسية (برأيي) وهي كيفية القضاء على آثار حزب البعث. ومع ذلك فقد وجدنا ان أصحاب القرار في البنتاكون كانوا يميلون الى الرأي القائل بأن ليس كل بعثيا رديئ وليس كل من انتمى الى حزب البعث كان دافعه الأيمان بالشعارات التي رفعها أو روج لها حزب البعث، بل ان هناك دوافع وحوافز متعددة جعلت الكثير من العراقيين ينضمون الى هذا الحزب ومن هذه العوامل هي :
أولا- من يوم تمكن حزب البعث في التأثير على القرار في العراق بدأ يختار المتقدمين في كل المؤسسات الثقافية (مدارس، جامعات) وعلى جميع الفئات والأنواع ويجري معهم عقودا يتعهد بصرف رواتب لهم ويتحمل نفقات دراستهم ويبعثهم الى دورات دراسية تدريبية خارج أرض العراق، وقد تمكن من ربط الآلاف من شباب العراق بمصلحة حزب البعث وجعل هؤلاء لهم مصيرا واحدا وهو نجاح حزب البعث وبقائه. وبما معناه ان حزب البعث اشتغل مع الأفراد بطريقة تعني ان نجاح الفرد البعثي هو جزء من نجاح حزب البعث الكلي وخاصة قياداته.
ثانيا- خطط بكل خبث ودقة بأن يضع الفرد العراقي أمام خيارين لا ثالث لهم، أما الأنتماء الى حزب البعث والحصول على كل مفردات الحياة ومقوماتها وسبل تقدم الفرد، اذ انه حدد شرط الأنتماء لحزب البعث في القبول في الجامعات وفي الحصول على مكان في صفوف البعثات، او الحصول على أي شيئ يطور حياته مثل السيارة والأثاث وحتى بطاقات التمويل، حتى ان بعد ان نجح صدام حسين في هذا أطلق مقولته المشهورة ان العراقيين بعثيين وان لم ينتموا.
ثالثا- وصل بهذا التخطيط الموجه لصياغة المجتمع العراقي والعمل على ولادة جديدة لعلاقاته وترابطه الأجتماعي فأصدر حزب البعث قانون للعقوبات برقم 11 سنة 1976 جعل من مواده العقابية التي تؤدي الى عقوبة الأعدام أكثر من أي قانون بالعالم يملك قسوة البطش والأرهاب على شعبه، وأخذ يصدر قرارات مجلس قيادة الثورة ومراسيم خاصة برآسة الجمهورية أسوارا من القوانين العقابية حتى وكأنك تشعر ان الشعب العراقي بكامله في سجن كبير بأستثناء الذين يملكون هوية الحزب وشهادة الأنتماء الحزبي.
رابعا- من أجل اكمال واحكام الحلقة الأخيرة في سلسلة قيود الحرية للذين يرفضون الأنتماء الى حزب البعث، شكلت محاكم استثنائية عسكرية منها محكمة الثورة، بل توسع بأنشاء هذه المحاكم الغير قانونية ووزعها على مختلف الوزارات، وهناك محكمة خاصة لوزراء الداخلية ومحكمة خاصة للجمارك وأخرى تقوي الأمن الداخلي وأخرى لقضايا الخيانة... وأخرى وأخرى... حتى أصبح العراق أول بلد في العالم يخرق القواعد القانونية في هيكله المحاكم ووجوب انضوائها في مفاهيم الدستور والقواعد.
أمام هذه الحالة يجد المدقق ان أعداد المنتمين الى حزب البعث تضخم بشكل وكأنه ورم سرطاني.
اذا ما العمل وما هي الطريقة العادلة في معالجة تواجد هذا العدد الكبير من العراقيين المنتمين لحزب البعث الذين أجهزت عليه قوات الحلفاء؟؟
برأيي وبكل صراحة نحن اذا أردنا أن نكون شديدي البأس على البعثيين القدامى فسيكون هذا الأجراء مخلا في التوازن الأجتماعي العراقي.
خالد عيسى طه
رئيس محامون بلا حدود
التعليقات