فيما مضى ولبضع سنين، وعندما كنت أعتقد أن الدين quot; حرفةquot; لها أصحابها ، كنت أنظر إلى أصحاب المذهب السلفي أنهم خير من أتقنquot; المهنةquot;. لأنهم في اعتقادي حراس أمناء على الشريعة وحماتها الصناديد من آفات البدع ، ومن مزالق الشرك أكبره و أصغره...
زاد هذا الاعتقاد ونما عندما التزمت كمسلمة، فحافظت على الصلاة في أوقاتها واتخذت الحجاب رغم عداء كل من حولي.. واكتشفت أنه بوسعي أن أكون مهندسة ومسلمة ملتزمة وليس بالضرورة أن يكون المرء حاصلا على إجازة في الشريعة الإسلامية حتى يعلن التزامه وانتماءه الإسلامي.وحتى أنني كنت أغفر لهم ما يتناهى إلي من أخبار عن غلظتهم في الحفاظ على أسس الدين . وكنت أقول لنفسي :حسنا كل عامل لابد وأن يكتسب شيئا من مهنته فالطبيب لابد أن يكون إنسانيا لأنه يخفف آلام البشر ولابد للمحامي أن يكون مرنا كي يتلاءم ومعطيات المهنة أما الحارس.. فينبغي أن يكون حازما كي يحافظ على الأمانة.
والحقيقة أن إعجابي بالمذهب السلفي كان يزداد طردا كلما شاهدت مظاهر البدع كالتمسح بقضبان الحديد حيث أضرحة الأولياء والصالحين،فتطلب منهم المعونات وتهدى إليهم النذور ، وكذلك لدى اطلاعي على صيغ عجيبة للصلاة على النبي لقضاء الحاجات وتيسير المهمات. حتى شاءت الأقدار فأقمت لفترة بين ظهرانيهم، فكانت المفاجأة. فالجماعة التي تتولى مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يكن هنالك أمامها منكرا سوى المرأة ولو أنها قد استبدلت العنوان بجماعة التصدي للمرأة لكان الاسم أقرب للصواب وأنصف للواقع.
فبينما كنت على وشك الدخول إلى أحد المخازن التجارية في المجمع التجاري هتف أحدهم quot;تستريquot;ولما كنت واثقة من أنني مستترة بالسواد ولا يبدو مني إلا العينان اعتقدت أن الأمر بالستر يعني امرأة أخرى ولكن لما التفت ورائي و لم أجد أحدا سواي علمت أن الأمر كان موجه إلي. سألت الرجل بفضول حقيقي وكيف ؟ أجاب : أسدلي على عينيك . ولكن الحقيقة أنه حتى الإسدال على العينين لم يكن ضمانا للسلامة فقد ذهبت وزوجي ذات يوم إلى إحدى الكليات العلمية للبحث عن وظيفة ولما دخلنا غرفة العميد وأنا متسربلة بالسواد فلم يظهر مني شيء هب الرجل واقفا وكأن ديناصورا لاحما قد اقتحم مكتبه وسألني بذعر كيف دخلت إلى هنا؟ أجبت متلعثمة : من الباب. تابع السؤال ألم يفطن إلى وجودك في المبنى أحد؟...إنك أول امرأة تدخل هذا المبنى منذ إنشائه وحتى الساعة. وأدركت عندها أن وجودي كامرأة في المكان مرفوض فهو يخلق حساسية مزعجة لأن المبنى للذكور فقط وما كنا نعلم ذلك.
كان الرجل في غاية الدماثة والتفهم لما عرف أنني قادمة لتوي من كندا وجاهلة تماما بقوانين البلاد فأوصلنا إلى السيارة لضمان سلامتنا .
ليس وجود المرأة في هذا المبنى بالذات يخلق حساسية مرفوضة بل في الشارع أيضا لقد أخبرتني إحدى الطبيبات أنها أرادت الذهاب إلى السوق مشيا على الأقدام مع أخيها فأوقفها صديق للأخ واقترح عليهما أن ينقلهما بسيارته لأنه ليس هناك امرأة تمشي في الشارع ،ولما سألت أهل الخبرة وماذا تصنع المرأة حين لا تتزوج وليس عندها أخ ويتوفى والدها ؟طالما وجودها ماشية أو خلف مقود السيارة يصنع حساسية مخربة للبيئة هل ستتطلب المعونة من الأغراب ؟ كما فعلت جارتي . أو تستأجر سائقا ينفرد بها في السيارة؟ هذا إذا كانت مقتدرة ماليا ولها دخل يسمح لها بذلك .وهما أمران فيهما تجاوز أكبر لحدود الشرع .
ولتكن منكم أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر
إنها مسؤولية عظيمة أن تأخذ جماعة على عاتقها هذه المهمة ولكن هل المنكر الوحيد هو المرأة لباسها خروجها. أحيانا وجودها بذاته مصيبة...
في الحديث النظافة من الإيمان، أليس في أكوام القمامة في الحدائق العامة وعلى بعد بضعة أمتار من الحاويات أليس في هذا منكرا؟
أليس في طفل يقود السيارة وهو لما يتجاوز العاشرة لأن أمه لا تستطيع القيادة؟؟ أليس في تهديد أرواح الناس منكرا ينبغي دفعه؟
إذا كان أول الوحي الإلهي الأمر ثلاث مرات اقرأ ترى لماذا لا يأمر جماعة الأمر بالمعروف الشباب المتسكع في الشوارع والمقاهي بالقراءة والعمل والإبداع والإنتاج؟ولم لا تنهاهم عن الاستمرار في دورهم كأمة مستهلكة ومتطفلة على موائد الحضارة؟أ فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض
عندما حضرت صلاة الجمعة في أحد الجوامع احتبست كلمة آمين في حنجرتي والإمام يدعو على النصارى واليهود بالهلاك ،وأنا أستحضر في ذاكرتي quot;مدام لافواquot; المسيحية وquot;مستر جاتليبquot; اليهودي، اللذان كان لهما أياد بيضاء عظيمة على إبنتي المسلمة المحجبة عند دخولها المدرسة الثانوية إبان قدومنا لكندا.
اأوليس في الحديث من لا يشكرquot; الناسquot; لا يشكرquot; اللهquot;. أوليس في القرآن ولا تبخسواquot; الناسquot; أشياءهم ؟؟وإنquot; لافوا وجاتليبquot; من الناس
وقد تكون سيارة الإمام من صنع يهودي أو نصراني وكذلك هاتفه الجوال ،ومكيف الهواء الذي ينعم به، ومكبر الصوت الذي يتكلم منه، والكهرباء التي تضيء بيته ومسجده و و....والرسول لم يدعو على أهل الطائف بعدما آذوه ورجموه، بل دعا لهم بالهدى والرحمة.
وفي القرآن لا إكراه في الدين فلم يحمل الآمر بالمعروف العصا لحض الناس على الصلاة؟؟ألم يأمر الرسول السيدة عائشة بالرفق لأن الله يحب الرفق في الأمر كله؟
أوليس في قطع الأشجار الوارفة الظليلة منكرا ؟ مئات من أشجار البزروني الباسقة قطعت لأنها قد تسبب الحساسية لبعض الناس ولم تشفع لها أغصانها ا لوارفة و لا ظلالها المديدة .
في مايو من عام 2005 أجرت معي محطة البريدجز تف الأمريكية مقابلة تلفزيونية وقدمتني كأم مثاليةquot;وحيدةquot; أنشأت ابنتان على القيم الإسلامية دون معونة منquot; ذكرquot;
وخلال الفترة الزمنية بين عامي 1991 -1997كنت أساعد أخي وحيد الأخوات الثلاث والذي يكبرني بأعوام عشرة بعد أن استعار مني سيارتي وأجرى فيها حادثا مروعا..خلال الأعوام السبعة.كنت أساعده ماديا وروحيا ومعنويا وأقود السيارة به إلى صلوات الجمعة
في عام 2003 قمت بأداء فريضة الحج عن روح والدي...
وهكذا أيها الأخ الكريم الآمر بالمعروف،والناهي عن المنكر،قد يسبب وجودي شيئا من الحساسية حتى وإن كنت متجلببة بالسواد، وأخلق شيئا من الفتنة، ولكن ألا تشفع لي أغصاني أما رؤوما وأختا مساعدة وإبنة بارة.... أن لا أقطع ؟... أنا الشجرة!