المشهد کان قصيرا في عمر الزمن الطويلquot;کعمر الامواتquot;، لکن معانيه کانت عميقة جدا

حين يقيم دکتاتور طرابلس الغرب نصبا تذکاريا لطاغية العراق بجانب شخصية تأريخية عظيمة مثلquot;عمر المختارquot;، فإنه کان يجب أن يدرک جيدا إنه لولاquot;العدالةquot; وquot;الحضارةquot;الامريکية الراسخة في بعدها الانساني، لما کان بمقدوره أبدا أن يشاهد رقبة صدام وهي تلتوي من جراء شنقه
لأوليquot;الالبابquot; إن فهموا روح و کنه ذلک المشهد الذي کان عبارة عن إنتقال الرئيس العراقي صدام حسين من الايادي الامريکية الى القبضة العراقية، ذلک الإنتقال الذي فسرته کل القنوات الإعلامية في أرجاء المعمورةquot;وعلى رأسها الاعلام العربي بالطبعquot;بإنه کان بمثابة إنتقال من قمة الطمأنينة و الهدوء الى قمة الإظطراب و الفوضى، بل و بکلام أدق کان إنتقال من الحياة ذاتها الى الموت الزؤام.


المثير للسخرية، إن الرئيسquot;الشهيدquot;کما بات يحلو للکثير من الاوساط العربية و حتى الاسلامية أن تطلق عليه، قد دفع حياته ثمنا لمقارعته و منازلته الامريکان و کان يرفع عقيرته ليل نهار بزيف الاطروحات الامريکية و دجلها وإنها أبعد ماتکون عن روح القيم و المثل الانسانية السامية، قد عاد في النزع الاخير من حياته وهو يتشبث جاهدا للبقاء في أيديهم وعدم دفعه الى القبضة العراقية التي کانت تنتظر بفارغ الصبر رقبتهquot;وقد أينعتquot; لتجهز عليه بکل قسوة.


صدام حسين، الذي إسترجع الکثير من رباطة جأشه حينما أدرک شکل و محتوى التعامل الانساني الامريکي معه، سعى کثيرا وأکثر من اللازم لکي يستعيد ثقة الامريکيين به و جرب کل الطرق بل و طرق کل الابواب ليسترضيquot;بوش الملعونquot; وquot;الامبرياليةquot;الامريکية حتى تصفح عنه و تمنحه فرصة أخرىquot;للعبquot;على الساحة العراقية، وقد أکد الدکتاتور الراحل بإنه الوحيد القادر على الوقوف بوجه quot;القاعدة و الشيعة و إيرانquot; وإنه قادر على إرجاع الإستقرار الى العراق، لکن لات حين مناص، فقد فات الاوان وإنتهى الدرس لرجل بدأ شيطانا ذکيا و إنتهى أحمقا غبيا دفع فاتورة حساب باهضة الثمن بحيث کلفت لا شخصه فقط وإنما حتى شعبه الکثير الکثير.


وحين يقيم دکتاتور طرابلس الغرب نصبا تذکاريا لطاغية العراق بجانب شخصية تأريخية عظيمة مثلquot;عمر المختارquot;، فإنه کان يجب أن يدرک جيدا إنه لولاquot;العدالةquot; وquot;الحضارةquot;الامريکية الراسخة في بعدها الانساني، لما کان بمقدوره أبدا أن يشاهد رقبة صدام وهي تلتوي من جراء شنقه، بل وإن الامر کان سيجري بصورة أبشع بکثير من الذي شاهده العالم، وهو لعمري ليس بغريب أبدا على نظم سياسية في المنطقة تحترف صناعةquot;التفنن في الموتquot;بعيدا عن أعين الکاميرات و ضوضاء و صخب الاعلام العالمي. الامريکيين دفعوا العراقيين لإقامة محکمة مکشوفة تحت الاضواء وليس خلف الکواليس أو نظيرquot;محکمة الثورةquot;لعواد البندر أو محاکم الثورة الاسلامية في إيران أو المحاکم الصورية في سوريا، ومن خلال هذه المحکمة العراقية التي صال فيها الرئيس العراقي و جال، إنبهر العقل العربي بمشاهدquot;الشجاعة و الجرأة quot;لقعقاع الالفية الثالثة بعد الميلاد و صار مولها به الى أبعد حد. وکان الاولى بالاعلام العربي أن يتذکر جيدا أن السيناريو الخاص بمحاکمة و إعدام صدام حسين کان أمريکيا من ألفه الى قريب من يائه وأقول قريب من يائه لأن عملية الاعدام قد تمت بأيادي عراقية صرفة 100% ولم يکن هناک من أمريکي، وهنا لابد من أن أشير الى مسألة هامة، وهي لماذا لم يحضر الامريکان الى مکان الاعدام وهم في الوقت الحاضر سادة العراق الحقيقيين؟ إن الاجابة هنا تحتاج لأکثر من تمعن و أکثر من إعادة إستقراء للعملية و تداعياتها، إذ ان العالم کله تحدث عن الهمجية و الوحشية العراقية لکنه في نفس الوقت کان يتحدث عن تعامل إنساني أمريکي مع الرئيس الراحل والذي إستمر حتىquot;العشاء الاخيرquot;له والذي کان عبارة عن رز و دجاج مسلوق مع عسل مخلوط بماء ساخن!!


لو دارت الدوائر بأي زعيم عربي و صار بين خيارين، هل يدفعوه الى أيادي خصومه من بني جلدته، أم يدفعونه الى أحضان دولةquot;غربية أي کانتquot;، وطبيعي أن يستقر الزعيم على الخيار الثاني، أما لماذا؟ فإن الاجابة تکمن في أن هناک حضارة و قيم و قانون و شرائع و شئ يدعى الضمير الانساني، أما في بلدانهم التي يشرفون بأنفسهم على زراعتها بکل أسباب الحقد و الکراهية و الموت، فليس هناک من شئ سوى الموت بأبشع الطرق.

نزار جاف
[email protected]