قد لا نستغرب كثيرا حينما نشاهد المثقفين من التيار القومي العربي يتطرفون بالتمسك في ما يتبنون من قناعات،
ولا نستغرب اذا كان الموقف المتطرف صادرا من قبل كاتب او داعية اسلامي او غيره من رموز التيارات العربية المؤدلجة، لكن التيارات التي ملأت الدنيا ضجيجا في مهاجمة الايدلوجيا تثير الاستغراب هي الاخرى حينما يصر ابطالها على اراءهم ومتبنياتهم بطريقة اكثر تطرفا من التيارات المحسوبة على التطرف، وهذا ما يحصل كثيرا في الوسط العربي حيال العديد من القضايا الساخنة في هذه المرحلة.
لم تعد قصة التطرف مجرد اتهام الى هذا الطرف او ذاك، بل وصلنا الى مرحلة نتساءل فيها بانه هل بقي سقف اخر ومرحلة اخرى من التطرف يمكن ان يصل اليها الاعلام العربي والنخب العربية اكثر من المرحلة الحالية؟!
خصوصا بعدما وصلت الحملة التي يقودها الاعلام والنخب العربية ( السنية ) الى حد.
اننا نتساءل.. نستغرب.. نتعجب.. لا نتفهم.. هذه الموجة المتطرفة بشكل مذهل وفاضح من قبل جميع التيارات الناشطة في الاعلام العربي تجاه شيعة المنطقة بشكل عام وشيعة العراق بشكل خاص، فمرة يحشرون في زاوية
الخيانة حينما توزع صكوك الوطنية في محاولة اغتيال سياسي واضح، ومرة يصنفون بانهم فرس اعاجم حينما ياتي الحديث عن التوصيف القومي، اما التكفير فهو سيد الموقف حينما يصل الحديث الى توزيع صكوك الغفران!
لقد كذب المثقفون العرب وصدقوا كذبتهم، فالقوا وابلا من الغضب المسموم بحقد العقد التاريخية على مكون رئيسي في منطقة الشرق الاوسط، تلك المنطقة التي اصبحت تستجدي استرضاء الدولة اليهودية كما يعرف الجميع.
ان الكذب وتشويه الحقائق والدفع باتجاه الشحن الطائفي ضد الشيعة لن يكون اسلوبا منطقيا لاستيعاب الوجود العربي الشيعي، خصوصا وان النخب العربية تتهم الشيعة بالولاء لايران ومن ثم تطالبهم بقائمة شروط طويلة عريضة من اجل اثبات حسن السلوك!
ان المثقف العربي ( السني ) يظهر الى الملأ بقناعات تجعل خلفيات توجهه المذهبي فوق كل شئ، وبالتالي فان ذلك يجعل التحافة جلباب الليبرالية هو ليس الا مجرد غطاء لترويج حفنة من المواقف المتطرفة، وهذا ما لم نجده في كثير من الاحيان عند الطرف الاخر، فلماذا لا يكون المثقف مثقفا قبل كل شئ حيث ان الثقافة بحد ذاتها منظومة تتكفل باستحضار ادوات الرؤية المتوازنة..؟
ثم هل اصبحت ظاهرة الهجوم الطائفي الشرس على كل ماهو شيعي اسقاطا لاستحقاقات الخلافات التاريخية بين المذاهب على مجالات الحياة الاخرى في عصر الدولة المعاصرة؟ ام يا ترى هناك دوافع اخرى تقف وراء ذلك؟ ربما تتكشف ملامحها في قادم الايام.
لكن الذي يوجع القلب ويدمي العين ان جيشا جرارا من الاقلام العربية تفجعت لاعدام صدام فابنت ونعت واقامت حدادا على من اسمته فارس الامة لكنها في نفس الوقت ليست على استعداد بان تكلف نفسها حتى ادانة خجولة لتفجيرات المستنصرية!!!
ومن لا تملأ عينه مشاهد مأساوية من ماضي صدام حسين او من حاضر الارهاب فلا اعتقد ان هنالك قوة على وجه الارض بامكانها ان تغير من يتبنى من قناعات، وهذا يعكس عمق المشكلة بين المكون الشيعي وبين ما يحيط به من مكونات لاتحكم الا ضميرا مستعد ليس فقط لان يتناسى تاريخ من الماساة بل يمجد ذلك الدكتاتور لانه فقط...
جمال الخرسان
كاتب عراقي
التعليقات