عندما أشار المفكر الجزائري الراحل quot; مالك بن نبي quot; الى الاختلاف في النظرة بيننا كأمة عربية وبين الأمة اليابانية فيما يتعلق بالمواجهة مع الثقافة الغربية الطاغية والآخذة في الانتشار والسيادة، كان يتلمس أبعاداً نفسية وإنسانية ضرورية لتحول المهزوم الى منتصر أو استشعار الهزيمة النفسية حتى قبل أن تقع مادياً.


فإشارته الى أن الأمة اليابانية وقفت أمام منجزات الغرب المادية والمعنوية موقف التلميذ الذى يريد أن يتعلم وينهل لكي يتفـوق بينما وقفت امتنا العربية أمامها موقف quot; الزبون أو المستهلك quot; وشتان بين الموقفين، فاستطاع التلميذ ( الأمة اليابانية ) أن تتعلم وربما تتفوق على الحضارة الغربية وبقي المستهلك ( الأمة العربية ) في طابور المستهلكين وربما وحده حتى يومنا هذا، والمستهلك الدائم لا يمكن له أن يخرج من شروط الهزيمة وأولها الإملاءات الفوقيــــــة للمنتج. لقد كان ذلك مشهوداً طوال العقود الماضية التي حاولت فيها الأمة أن تبني إرادتها من خلال حروبها العديدة ولكن كان وقوفنا في طابور المستهلكين هو العائق الأول، لقد شكلت الثقافة الاستهلاكية وعينا وارتبطت نخبنا بالمنتج الأجنبي وتعانقت مصلحة الطرفان في إبقاء الوضع على ما هو عليه، شعوب مستهلكة وريع يتدفق الى جباه محدودين. أنا أعتقد أننا نهزم لأننا لم ننتقل من مرحلة الاستهلاك الى مرحلة الإنتاج بمعناها المادي والمعنوي، فالتشوه السياسي في جميع مناطق أمتنا العربية هو في الحقيقة من نتاج العقلية الاستهلاكية التي تتعامل مع الوضع وإفرازاته كما هو، بينما التحول الديمقراطي هو من نتاج العقلية المنتجة والمتغيرة والمواكبة للعصـر. لم نكن تلاميذ نجباء لأي كتله من كتل العالم الغربي منها أو الشرقي فنحن ظاهره مستعصية على الفهم وحقل تجارب كبير لمنتجات العالم المتقدم المادية منها والمعنوية.

تغير العالم بشقية وتداخلت عملية الإنتاج والاستهلاك بعضها مع بعض فأعظم الدول المستهلكة هي نفسها أعظم الدول المنتجة لا مجال اليوم للفصل بين الجانبين لأمة تريد أن تسيطر على حاضرها وتبني مستقبلها، فالمستهلك المحض في عالم اليوم مهزوم لا محالة وثقافة الاستهلاك فقط ثقافة مهزومه، أننـا أمـة استعصت علـى التغيـير وأن كان ثمة تغيير لابد من الإشارة إلـيه فهو حتماً ليس الى الأمام.


عبدالعزيز بن محمد الخاطر
كاتب قطري