يوم أو اقل وتظهر النوايا فينا يتعلق بالرئيس اللبناني العتيد الذي ينتظره اللبنانيون والعرب. وهذا الرئيس سيكون منوطا به إعادة لبنان إلى صيغته التي ارتضاها اللبنانيون.
لكن المخاض الذي طال قد لا يأتي بما هو مطلوب. فالمعارضة سنت سكاكينها على ما يبدو من اجل التعطيل ومزيد من التعطيل. والأكثرية مختبأة في فندق تعتريها حالة من الخوف والوجل بانتظار ما قد تأتي به الأيام.
على أي حال حتى لو تم انتخاب رئيس فانه سيكون آخر رئيس لدولة لبنان التي عرفناها. حزب الله الذي يقود المعارضة وبما يملى عليه من الخارج لا يستهدف فقط التعطيل أو الضغط من اجل رئيس على مقياسه. حزب الله يسعى لتدمير النظام اللبناني الذي قام أصلا على التوافق بموجب ميثاق وطني وعرف احترمه الجميع طوال السنوات الماضية.
هناك أيد خفية لعبت بلبنان. ليست سورية وحدها التي لعبت. سورية كانت أهدافها معروفة ومحددة: فدمشق وفق منظورها القومي وتراثها السياسي الذي عاشت عليه ترى أن لبنان جزء منها تم سلخه عنها في غفلة من الزمن. أخفقت سورية في اتباع طريق عصرية لاستعادة لبنان وتورطت بصورة أساءت إليها وأفقدتها هيبتها إلى أن اضطرت لسحب قواتها من لبنان بتلك الطريقة الذليلة التي شاهدها العالم كله.
أما حزب الله وبدعم مباشر من إيران فان له أجندة مختلفة. قادة الحزب لا يخفون أن عينهم على الرئاسة الأولى وان كانوا لا يصرحون بذلك علنا. لقد المحوا مرات عديدة أن نسبتهم العددية هي الأكبر بين كل الطوائف. والشيعة هم الذين ما فتئوا يطالبون بإجراء إحصاء عام للسكان. قد لا يعلم الكثيرون أن آخر إحصاء رسمي في لبنان كان في العام ألف وتسعمئة واثنين وثلاثين والذي بموجبه اعترف بالطائفة المارونية على أنها اكبر الطوائف ومن ثم كانت الرئاسة الأولى لتلك الطائفة.
حزب الله يمثل رأس الحربة الإيرانية حيث تسعى طهران أن يكون لها موطىء قدم على البحر المتوسط قريب من إسرائيل وأوروبا. وفي مواجهة حزب الله نشطت المملكة العربية السعودية في دعم السنة من خلال آل الحريري الذين يقودون فريقا كبيرا من السنة متحالفا مع فريق كبير من الموارنة وغيرهم بأمل وقف الزحف الشيعي على الرئاسات.
من الذي جعل حزب الله يستقوي على الساحة اللبنانية؟ من الطبيعي أن يكون الموارنة هم العدو اللدود للشيعة. وكانوا من قبل العدو اللدود للسنة. لكن دخول أموال النفط السعودي من خلال آل الحريري بدأت الخريطة اللبنانية التقليدية تتفسخ. ففي الطائف كان التهديد السعودي بأنه أما اتفاق الطائف أو انتهاء لبنان. فقبلت الأطراف المسيحية على مضض أن تتنازل عن بعض مكاسبها التي حصلت عليها منذ الاستقلال عبر فلسفة براغماتية بحيث انه كان من الأهون عليها التنازل عن جزء من مكاسبها على أن تفقد كل تلك المكاسب.
لكن يبدو أن اتفاق الطائف كان فخا للجميع من حيث لا يدرون. فالكل خسر وفق ذلك الاتفاق الذي لم ينفذ أصلا حتى الآن. الكل خسر والآن الكل يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما خسره بموجب الطائف. وهذا الأمر يجعل تحالفات لبنان اليوم غريبة وغير تقليدية. حيث كل طائفة منقسمة على نفسها. فالشيعة منقسمون وكذلك السنة وأيضا المسيحيون.
الآن تبدو الفرصة متاحة للشيعة ليضعوا عينهم على الرئاسة الأولى في لبنان. ولم لا؟ فهم الأكبر عددا. وهم الأكثر تسليحا، وهم الأكثر صراخا من خلال ما يقومون به من مغامرات جرت الويل على البلاد وإعلام يصور حزب الله وكأنه بالفعل رأس الحربة ضد إسرائيل وهو الأمر الذي يستدر به عطف الشارع.
الآن نحن بانتظار اليوم الموعود. ما هو السيناريو المحتمل؟ هل سيكون هناك رئيس أم لا يكون؟ أن كان هناك رئيس فسيكون آخر رئيس لدولة لبنان التي نعرفها. وان لم يتم انتخاب الرئيس العتيد فعلى لبنان الذي نعرفه السلام.
لماذا سيكون آخر رئيس؟ حتى وان تم انتخاب رئيس سواء بالإجماع أو بالثلثين أو التوافق أو أي صيغة أخرى، فانه لن يكون قادرا على تنفيذ سياسته فيظل التخويف والتهديد من قبل المعارضة سيد الموقف. وكما أن حزب الله وما يتبعه من معارضة سيظل ينغص على الرئيس الجديد أيام حياته فان أحزاب الأكثرية لن تظل مكتوفة الأيدي. فكل الأحزاب اللبنانية لديها ميليشياتها وأسلحتها. ولن يعدم الأطراف وسيلة لإشعال فتنة تؤدي إلى الحرب التي ستجعل العالم يقف على رأسه.
بطبيعة الحال، الولايات المتحدة مشغولة في العراق وفي الانتخابات الرئاسية وفي القضية الفلسطينية. ولن يرضيها اشتعال جبهة رابعة في الوقت الذي تقترب فيه الجبهة الإيرانية من الاشتعال. والولايات المتحدة معروفة بنفسها القصير في ألازمات. وفي هذه الحالة فإنها قد ترهن لبنان من جديد بيد سورية وتطلق يدها في لبنان مقابل فك ارتباطها بإيران وتسهيل دخولها مفاوضات مع إسرائيل.
لكن يبقى هناك احتمال اخطر. لنعلم جيدا، أن العلاقة بين سورية وحزب الله ليست علاقة عضوية بل علاقة مصالح مؤقتة. فالحزب يستغل الدعم السوري لتقوية نفوذه وسورية تستخدم الحزب لتنفيذ أهداف مرحلية ومحددة. ومن هنا فان الحزب لن يقبل أن يرهن لبنان مجددا بيد سورية حتى وان كانت إسرائيل والولايات المتحدة موافقتان على ذلك كما كان الأمر عام ستة وسبعين. فالحزب عينه على الرئاسة. وستدعمه سورية بلا شك للوصول إليها. ولتحقيق ذلك فان ميليشيات الحزب لما لديها من سلاح وعتاد ستثير القلاقل وصولا إلى ما يشبه حربا أهلية. وسيطالب بإجراء إحصاء جديد ليثبت أن الطائفة الشيعية هي الأكبر عددا وستكون نتيجة الإحصاء أن يطالب بالرئاسة الأولى ثمنا لإنهاء الحرب وإلقاء السلاح.
هذا السيناريو في نظري سيكون الأقرب إلى الواقع بعد اليوم الموعود. سيناريو قد يجده كثيرون وهما وخيالا. ولكن فليبقوا على الأرض ولا يحلقون بعيدا في خيالهم هم. فصيغة لبنان المتوازن والمتوافق والمثل والنموذج للتعايش والانفتاح والبوابة بين العالم العربي والعالم المتمدن المتحضر لم تعد مقبولة في نظر حزب الله المستقوي بإيران وسورية وبترسانة من الأسلحة تجعله يفرض ما يريد وفي الوقت الذي يريد وبالقوة أن لزم الأمر.
يبدو لي أن علينا أن نستعد لنعي لبنان الذي عرفناه لكي نتهيأ للتعايش مع لبنان جديد يخرج منه المسيحيون مهاجرين إلى مختلف أصقاع الأرض ويعيش من تبقى فيه في ظل حكم الملالي وولاية الفقيه.
حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي
عمان الاردن
التعليقات