إن العار الذي جرى ويجري في غزة بالذكرى الثالثة لاستشهاد رمز الثورة الفلسطينية quot; ياسر عرفات quot; لا يمت له بصلة من قريب أو بعيد ولا يمت لكرامة المناسبة بصلة، ولا يعبر عن أدنى سلوك نضالي،ولاعن ارتباط بهدف وطني تحرري،ولاعن صفات مقاومة محتلة أرضها ومهاناً شعبها، ولاعن مراعاة حرمة الأموات والأحياء في غزة الصابرة على احتلا لين، الأول إسرائيلي معروف وموصوف، والثاني بلدي محلي من أهل الدار كلهم،وهو مدان بكل مقاييس المقاومة والكفاح والنضال والسياسة، مدان ومرفوض بين أطراف تعاني كلها تحت مطرقة الاحتلال وتتحرك بمساحته وتنفذ بالمحصلة أهدافه، وتختصر عليه الوقت والكلفة إذ تقوم نيابة ً عنه بتنفيذ ما عجز عن القيام به لعشرات السنين، مساهمةً بشكل مباشر بضياع القضية وتشويه صورتها وأهدافها وزيادة معاناة الفلسطينيين شاءت أم أبت، فما جرى من قتل عشوائي وتصفيات متبادلة بين فتح وحماس ليس لها اسم أو طعم أوصف أو عنوان! سوى حرب quot; البسوسquot; الفلسطينية التي تدور رحاها بهمجية في شوارع غزة، على حساب دماء الفلسطينيين وعذاباتهم وفقرهم وبؤسهم وجوعهم وظلام نهارهم وليلهم وانكسار حلمهم، والغريب شحَة الماء والغذاء والدواء والأمان،و سيولة الأسلحة والمسلحين و طيش غير مسبوق في صفوف حامليها من كل الأطراف في مستوى لا مثيل له من الفلتان، وكأن كل الأطراف فقدت عقلها ومصداقيتها وبوصلتها، وفقدت سيطرتها وتوازنها ومبرر وجودها، و أثبتت عجزها وقصورها الوطني والسياسي والأخلاقي في حماية الشعب الفلسطيني، ودخلت دوامة عبثية من الاختراقات والمخترقين من ولدى كل الأطراف، اختراقات عدة غير قادرين على كشفها ووقفها وعزلها عن العبث بحياة الناس، وكلهم منساقون بجنون وراء غريزة التقاتل على الموت والاتهامات المتبادلة،وعلى سلطة في ظل الاحتلال وليس على إطعام الفقراء وصيانة كرامة الناس،ولا على الوحدة والتحرير وخيارات المستقبل، بل متناوبون على مسخ القضية التي وقف العالم كله احتراماً لها، واليوم يشوهها أحفادها quot;أبطالها الجدد quot;، غير آبهين بحياة الناس ومعاناتهم.

وليس جديداً أن قضية ملايين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم وعاشوا ولازالوا التشرد والضياع والبؤس في أصقاع الأرض، تلك القضية التي أصبحت عنوان الحرية لعصر بأكمله ولشعوب الكرة الأرضية كلها، وأصبحت رمز النضال والتحرر على مساحة العالم كله، نراها اليوم في أزقة غزة تنتهك حرمتها وتهان كرامتها ويطعن بها وهي جريحة مخضبة بدمائها على يد بعض أبنائها...!. لكن الجديد في الحياة الفلسطينية هو هذا المستوى من التدهور الوطني والسياسي والأخلاقي لدى من يظنون أنهم أوصياء عليها، والجديد سيء الذكر هو هذا القصور في حمل الأمانة التي حافظ عليها الشهيد أبو عمار وشيخ الشهداء أحمد ياسين وقافلة طويلة من شهداء القضية التي رفعوها لكي تصبح منارة ضد الاحتلال والقتل والتدمير والعنصرية، تلك القافلة من الشهداء الأبرار اللذين واجهوا ظروف مريرة لا تقارن بوضع هواة السلطة اليوم، بعضها في أيلول الأسود،وبعضها في حصار النظام السوري المباشر في بيروت بالاشتراك مع quot;شارون quot; وكل قوى الشر وذبح المقاومة الفلسطينية في تل الزعتر، و برج البر ا جنة وصبرا وشاتيلا وكل المخيمات الفلسطينية، واغتيال معظم قادتها التاريخيين وطرد الشهيد أبو عمار مع ما تبقى من أبطالها وتفريقهم في الزوايا الميتة في الوطن العربي جغرافياً وسياسياً في معادلة معركة التحرير، رغم هول كل تلك الأحداث وتعدد أطرافها من النظام السوري المباشر إلى النظام العربي الرسمي غير المباشر إلى دور العملاء ومعهم quot; شارونquot;، بقيت راية الوحدة والحرية والتحرير مصانة وتمثل راية الجميع المقدسة التي لا يجوز أن تخضع إلى التقزيم والمساومة على سلطة وهمية في ظل الاحتلال، وعلى العكس بقيت صيغ العمل الوطني والحوار الديمقراطي مصانة، وبقي الهدف واضحاً بدون لبس وبدون تشويه وبدون أن تبتلعه رغبات السلطة والمتسلطين والفاسدين، وبقيت منظمة التحرير الفلسطينية رغم كل تلك الكوارث والمؤامرات الداخلية والخارجية موحدة حول هدفها المركزي المقدس وهو تحرير الأرض وإعادة الحقوق ورجوع الشعب الفلسطيني إلى وطنه فلسطين.

د.نصر حسن