أشفق كثيراً على زعماؤنا وقادتنا لسبب بسيط وهو عدم وجود حياة حقيقية لهم بعد غياب السلطة عنهم وحتى وإن وجدت فهي حياة أقرب الى الجمود منها الى الحياة فالإفراز التاريخي لأمتنا في هذا الخصوص لا يخرج عن موت القائد أو الزعيم أو إبعاده قسراً وغيابه في المنفى وفي بعض الحالات التخلص منه ومن مرحلته بأي طريقة كانت إذا ما استثناء الحالة اللبنانية فهذه المخرجات هي ما استوطنت عليه أمتنا ولو استعرضنا الوطن العربي من الخليج الى المحيط نجد أن هذه هي شروط انتقال السلطة وأن تلاشت بعضها مثل الاغتيالات وبقى المراهنة على الموت لتداول السلطة وأن كانت وراثية لسوء الحظ. ما يدعوني الى التذكير بهذه النقطة النماذج الغربية للحياة بعد السلطة فالرئس الامريكى السابق كلينتون مثلا اصبح محاضرا فى العديد من الجامعات وتعاقده مع جامعة أكسفورد للتدريس فيها بعد خروجه من السلطة في البيت الأبيض بوقت قصير وقبله انتقل بوش الأب الى إدارة أعماله في تكساس بعد سنوات حامية في البيت الأبيض وغيرهم كثيرون في أوروبا ممن يمارسون حياتهم باستمتاع كبير بعد سنوات السلطة والزعامة.


فالسلطة هناك فترة مرحلية تتبعها فترات من النضج والتأمل ولكنها عندنا نهاية المطاف وغاية المنى وغالباً ما يخيب الظن في النهاية فإذا بها كارثية. مثل هذه الحالة النكوصية التي يعاني منها وطننا العربي الكبير ولا تشاركه فيها سوى دول أفريقيا المتخلفة وبعض من دول آسيا المأزومة، هذه الحالة التي يندفع فيها الشعب والجيش في أغلب الأحيان ليمارس صلاحياته تحت مسمى استشراء الفساد دونما خطة أو برنامج لا تمثل حلاً ناجعاً للأشكال حيث لا آلية واضحة لممارسة العمل السياسي فإذا بالفساد يعود من جديد وبثوب آخر. ولو استعرضنا وطننا الكبير بلداً بلداً وتساءلنا عن السلف فهو بلا شك يقع بين تلك الإفرازات التي أشرت إليها سابقاً quot; فيما عدا لبنان quot;فك الله كربته; ولو تساءلنا أكثر عن المستقبل أي ما بعد الزعيم أو القائد الحالي فليس هناك جواباً وأنما الأمر متروك للقدر فهو بالتالي لا يخرج عن تلك الإفرازات أيضاً الموت أو الإبعاد أو الاغتيال.

أن مأساة الأمة ومكمن أمراضها يتمثل في الاستبداد فلا مخرج لها من دون التعامل مع هذا الداء حيث لا إصلاح للتربية ولا إصلاح للثقافة ولا وجود حقيقي للتنمية دونما البدء بمعالجة الاستبداد الذي يجعل من السلطة نهاية المطاف وليست مرحلة يبني عليها وترتكز عليها خطوات أخرى لقد هُزمت الأمة من جراء هذا الاستبداد ونزفت أموالها الى العدو واقتصاداته الموالية بسببه ولسبب حب السلطة أو جعلها نهاية المطاف، فلا يحتمل عربي أن ينزل من السلطة ليعامل بعد ذلك كإنسان أو مواطن عادي وهذه في حد ذاتها إشكالية ثقافية عانينا منها منذ القِدم فالعربي في السلطة أما ضعيف فيؤكل أما قوي فيستبد ويبطش ولا يوجد خط وسط ولا توجد آلية تقلل من جميع خيوط السلطة في يد الفرد ولا توجد آلية كذلك تجعل من اتخاذ القرار السياسي المصيري والذى يتعلق بمصير الأمة أكثر تعقيداً.

والآن ألا توافقون معي على أن الزعامة العربية والقيادة العربية تدعوا الى الشفقة والعطف فهي في أحسن أحوالها يلحقها النقد واللاذع بعد مماتها وفي أسوأ أحوالها تسحل في الشوارع العامة كما جرى في انقلابات الستينيات من القرن الماضي في حين أن الحياة تبدأ بعد الخروج منها لدى قوم آخرون وتبدأ مرحلة من التأمل والنقد الذاتي والمشاركة في الحياة العامة هذه المفارقة هي ما تجعل أولئك يتقدمون رغم ظلمهم السياسي في بعض الأحيان وهي ما تجعل منا في الحضيض رغم صدق مطالبنا التاريخية ولكننا نفشل دائماً في إعطاء النموذج والبراهين الدالة على هذا الصدق وتلك الحقيقة.وبما ان لكل قاعدة استثناء وعلى امل ان يكون هذا الاستثناء هو القاعده فيما يتعلق بهذا الخصوص بالذات فان سوار الذهب وولد فال دخلا التاريخ من اوسع ابوابه وكانت السلطه بالنسبة لهماوسيله لحياة افضل( ويكفيهم احترام المواطن العربى لهم طواعية دونماخوف اوزجر)ولم تكن ابدا هى الحياه كما يبدو لغيرهما.

عبد العزيز الخاطر